جمال عبدالمعبود: برقية الكاتب أكس
أما الكاتب إكس فهو جورج كينان أما برقيته فهي التي أرسلها إلى وزارة الخارجية الأمريكية إبان1946/1947بصفته القائم
بأعمال السفير الأمريكي بموسكو وعرفت حين ذاك بالبرقية المطولة وظلت سرية لعقود طويلة. أما لماذا نعود لزيارة أخري لهذه البرقية لانها هي التي حددت سياسة الاحتواء الامريكية للإتحاد السوفيتي ونظرا لأهمية هذه البرقية وأفكارها فقد تم تشجيع جورج كينان لإعادة صياغتها لتكون قابلة للنشر في مجلة الشئون الخارجية في عدد يوليو1947تحت عنوان مصادر السلوك السوفيتي للكاتب إكس لأ انه اصبح مديرا لإدارة التخطيط السياسي بوزارة الخارجية بواشنطن ولا تريد الحكومة أن تتحمل عواقب النشر وهي طريقة متبعة حتى الآن عندما تريد أمريكا تمرير أفكارها وإتجاهتها السياسية صوب أي من الدول.
ومع ذلك لم نفطن نحن العرب إلى كثير من هذه الرسائل المبطنة. حدث ذلك إبان حرب1967وحربأكتوبر1973وأسلحة
وتثوير النفط العربي وحرب العراق … إلخ. الإستثناء الوحيد كان عندما أعلن السادات أنه لن يحارب أمريكا عندما رصد المدرعات
الأمريكية تأتي مباشرة بشحومها عبر الجسر الجوي والبحري لإسرائيل بعدما إستيقظت على زلزال حرب أكتوبر1973عدا ذلك لم يستفد العرب من أي من هذه الرسائل. ولفهم البرقية المطولة نعود إلى عام1946عندما خرجت الولايات المتحدة منتصرة في الحرب العالمية الثانية بعدما قادت معسكر الحلفاء المشكل منها ومن بريطانيا والإتحاد السوفيتي ضد دول المحور المشكلة من ألمانيا وإيطاليا واليابان بالرغم من أن أمريكا دخلت الحرب متأخرة بأكثر من عامين إلا أنها خرجت منها وهي الأكبر فوزاعلى كل المستويات ودائنه لكل حلفائها وتنتج بمفردها52% من إنتاج العالم من السلع والخدمات. وبالمقابل لم يكن هذا الإنتصار ليتحقق بدون 20مليون روسيضحوا بحياتهم لتأمين هذا النصر وتراجع الخصومة اللدودة بين الرأسمالية والشيوعية وتم تلخيص هذا التراجع بمقولة تشرشل أن بريطانيا تتحالف مع الشيطان إذا كان هذا في مصلحتها وهذا ليس بغريب على العقلية البرجمانية الغربية.
كما حدث تحول للإعلام الأمريكي الممول من عتاة الرأسماليين من قمة العداء لروسيا الشيوعية قبل الحرب إلى إطلاق لقب العم جو على جوزيف ستالين وروجوا لإنسانية الشعب الروسي وانه كالأمريكان ويزيد عنهم بمحبته لهم.
ومع وضع الحرب أوزارها وانطلاق موسم الغنائم في إتفاقيالطا الشهير وتنفس العالم الصعداء والتوقع بأن توفير نفقات الحرب
كفيل بإدراك الرفاهية للشعوب لكن فوجئ العالم المجتمع في سان فرانسيكو سنة1945بتصريح لأحد أعضاء الوفد الأمريكي يعلن فيه بأن الإنفاق العسكري الأمريكي يجب أن يستمر بلا تخفيض لتطوير أسلحة جديدة حتى في سنوات السلام وكان وجه الإستغراب هو أين العدو الجديد الذي يبرر ذلك؟ وقد يكون هذا لأسباب إقتصادية ولكن الأغلب أنهكانإعلان بتدشين أمريكا كسيدة للعالم وهكنا جاءت الإجابة من جورج كينان الخبير في الشئون السوفيتية وهو ما عرف وقتها ولأربعين سنة تالية بسياسة الإحتواء حيث أن الضغط السوفيتي ضد المؤسسات الحرة في العالم الغربي يمكن إحتواءه بسياسة مضادة تعتمدعلى الدبلوماسية والعمل السري والقوة الناعمة دون التورط في أي أعمال عسكرية وكانت برقية جورج المكونة من 8 ألاف كلمة تحمل إجابات تفصيلية لسياسة
الإحتواء ولكن تم عسكرته فكانت نهاية جورج كينانوانزواءهليلعق جراحه بعدماأن خطف مجمع الصناعات العسكرية شعار
الإحتواء ليختزلهإلي سباقتسلحلم يسبق له مثيل يدر المليارات وحتى الآن وليبرر بروز الولايات المتحدة كأكبر دولة مدينة في
العالم بعدما كانت أكبر دائن للعالم بعد الحرب العالمية الثانية.
وكانت المعضلة في كيفية تحويل صديق وحليف الحرب بالأمس إلى عدووتفتقذهنألات الإعلام والدعايةالامريكيةليخترعوا الماركسية الجديدة التي بموجبهاتم إستبعاد أي متعاطف مع الشيوعية من التعامل مع الحكومة الأمريكية وجري تلفيق التهم بما يشبه محاكم التفتيش الأسبانية في سيناريو لا يختلف كثيرا عن ما يحدث في جمهوريات الموز ولكن عند أمريكا هو حماية للديمقراطية وفي العالم الثالث يسمى قمع الديمقراطية إذن هي اليرجمانية مؤة أخري ولا عزاء للضحايا فلا قلب للسياسة ولا عقل للحرب.
وعندما إستسلم الإتحاد السوفيتي لأقداره في نهاية حقبة الثمانينيات من القرن المنصرم وتحوله إلى قوة إقليمية بدلا من لاعب دولي بحثتأمريكا عن عدو جديد فكان الإسلام السياسي بغبائه الذي ذهب بقدميه فقضت عليه أمريكا في أفغانستان والعراق ولكنه فقير ولا يكفي كمبرر لمجمع الصناعات العسكرية الأمريكية فكان التحرش مجددا بروسيا وبلعت روسيا الطعم فاجتاحت أوكرانيا لتستنزفمواردها ولتدور عجلةالتصنيع العسكري الأمريكي وتستدين أوروبا مرة أخري من أمريكا ولا مانع من تشريد شعب وحرق الزرع والضرع فهذا بالنسبة للسياسيين خسائر جانبية ويظل العالم يتأرجح تنفيذا لبريقية الكاتب إكس.