دراسة: الحضارة المصرية صهرت كل الحضارات ومصرتها
كتب/ محمد نصر
أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار أن الهوية المصرية تتميز بالتنوع والاندماج بين الحضارات المختلفة، حيث تجمع بين العناصر الإفريقية والشرق أوسطية والبحر المتوسط، ونتج عن دمج وتمصير كل الحضارات لوحة فنية تشكيلية جديدة تبهر العالم، فمنهم من يزداد ولعًا بالحضارة المصرية ومنهم من أعماه الحقد الحضارى فنال منها بالتشويه والتزوير وأخيرًا بتغيير اللون والملامح، حيث تم استخدام ألوان وأشكال مختلفة لإنشاء لوحة فريدة من نوعها، وكل عنصر يساهم في إبراز جمال الصورة الكاملة مما يجعل من مصر دولة فريدة من نوعها.
ومن هذا المنطلق وفى ضوء حرص حملة الدفاع عن الحضارة المصرية برئاسة الدكتور عبد الرحيم ريحان التى تتبنى تعزيز الهوية المصرية والانتماء كانت دراسة الباحثة فى التاريخ والحضارة المصرية المرشدة السياحية ميرنا القاضى منسقة الحملة عن الهوية المصرية باعتبار مصر هي القاسم المشترك الأعظم في جميع كتب التاريخ. فهى شخصية مؤثرة ومتأثرة
وتشير الباحثة ميرنا القاضى إلى أن التتابع الحضارى على أرض مصر ترك أثرًا لا يمكن محوه بسهولة بعد كل مرحلة ، سواءً استمر لفترة أو امتد لعدة قرون، فتأثرت وأثرت وانصهرت كل الحضارات لتصبح مصرية خالصة، وازدهرت الحضارات والصناعات واللغات والأديان
ويعتز أحفاد المصريين بحضارة أجدادهم قدماء المصريين الذين أسسوا أول دولة وحكومة مركزية في التاريخ وهى الركيزة الثقافية التي يقف عليها أي مصري وهى أحد أسرار التماسك الوطنى الذى يعيشه شعب مصر، ثم تلتها الحقبة اليونانية وأصبحت مصر مدينةً رائدة في التجارة والثقافة جذبت إليها علماء من جميع أنحاء العالم للاستفادة من المكتبات والأبحاث واعترف اليونانيون أنفسهم بفضل حضارات الشرق عليهم، ويفتخر الكثير منهم ممن وضع أسس العلوم اليونانية أنهم درسوا سنوات عدة في مصر، فهذا الدمج جعل العلوم والفنون والفكر ينصهرون في بوتقة الإنسانية والحضارة الجديدة، ثم نأتى للفترة الرومانية والبيزنطية حيث حقبة الأديان السماوية حيث انتشرت المسيحية التى بدأت بمباركة العائلة المقدسة لأرض مصر واستقبل المصريون المسلمين الفاتحين بصدر رحب وازدهرت العلوم والفنون والعمارة من مبدأ حفاظ المسلمون على كنوز الإرث الحضارى المصرى وتأثرهم به وتأثيرهم فيه
وشهدت مصر ازدهارًا في التجارة والزراعة والبناء والعمارة والفنون وبُنِيَت القلاع لحماية البلاد من الغزاة والمساجد والمدارس التي أصبحت مراكز للعلوم والفنون.، وفي القرن العشرين ، شهدت مصر تطورًا اقتصاديًا وثقافيًا كبيرًا على يد أسرة محمد من مشاريع ضخمة بما في ذلك قناة السويس وجامعة القاهرة كانت نقطة تحول في تاريخ مصر.
ويلقى خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان الضوء على هذه الدراسة موضحًا أنه فى خضم كل هذه التغيرات حافظ المصرى على هويته وتمسك بإرثه الحضارى الذى يتجسّد حتى الآن فى اللهجة والثقافة والعادات والتقاليد والموروثات الشعبية فالأسس التي وضعتها الحضارات القديمة لا تزال حاضرة في المجتمع المصري وهذا يعكس الروح القوية والمتينة التي تميز هذا الشعب على مدى قرون طويلة.
وبخصوص الجينات المصرية فقد قام فريق من العلماء بإجراء دراسة شاملة للجينات المصرية باستخدام تقنيات حديثة في علم الجينوم، وقال علماء إنهم فحصوا بيانات الخريطة الجينية “الجينوم” لتسعين مومياء من موقع “أبو صير ” على بعد نحو 115 كم جنوبي القاهرة في دراسة جينية هي الأكثر تطورًا على الإطلاق للمصريين القدماء، واستخلص الحمض النووي من أسنان وعظام المومياوات من مقابر القدماء المصريين ويرجع أقدمها إلى عام 1388 قبل الميلاد تقريبًا في عهد الدولة الحديثة وهي مرحلة بلغ فيها نفوذ مصر وثقافتها أوجه ازدهاره، أمّا أحدث المومياوات فترجع إلى عام 426 ميلادية أي بعد عدة قرون من تحول مصر إلى أحد أقاليم الإمبراطورية الرومانية، وقال العالم (يوهانس كراوسه) من معهد ماكس بلانك لعلوم التاريخ البشري في ألمانيا والذي قاد الدراسة التي نشرت فى دورية “نيتشر كوميونيكيشنز” كان هناك الكثير من النقاش عن الأصول الجينية للمصريين القدماء
وتساءل “هل ينحدر المصريون المعاصرون مباشرة من نسل المصريين القدماء؟ هل كانت هناك استمرارية وراثية في مصر على مدار الزمن؟ هل غيّر الغزاة الأجانب التركيبة الوراثية: على سبيل المثال هل أصبح المصريون أكثر أوروبية بعد أن غزا الإسكندر الأكبر مصر؟ وأضاف كراوسه “يستطيع الحمض النووي القديم التعامل مع هذه الأسئلة”.
وأظهر الجينوم في هذه الدراسة، إن جذور الجينات المصرية تعود إلى آلاف السنين، حتى قبل ظهور حضارة القدماء وتشير التحاليل إلى أن هذه الجذور تتأثر بالعديد من المؤثرات مثل التغيرات المناخية والحروب والهجرات.
كما أظهرت الدراسة أن هناك اختلافًا كبيرًا في جذور الجينات بين سكان مصر، حسب منطقتهم وأصولهم.، فبحسب التحاليل، فإن الجذور الجينية للسكان الأصليين في جنوب مصر تختلف عن سكان الدلتا والساحل الشمالي وأن رتباطهم الجيني بشعوب إفريقيا جنوبي الصحراء تتراوح بين محدودة ومنعدمة، ومن المعروف أن بعض هذه الشعوب مثل الإثيوبيين القدامي كانت لهم تفاعلات كبيرة مع مصر، أمّا الصلات الوراثية الأقرب فكانت بشعوب الشرق الأدنى القديم ويشمل ذلك أجزاء من العراق وتركيا بالإضافة إلى وسوريا ولبنان، ورصد الباحثون لم يكن هناك تغير ملحوظ في تلك الأعوام الألف وثمانمئة من التاريخ المصري
وقد ساعدت هذه الدراسة على فهم أصول الإنسان وتطوره، وتقديم معلومات قيِّمة عن تاريخ مصر والشرق الأوسط، كما أن هذه المعلومات يمكن استخدامها في دراسات أخرى مثل دراسة التغيرات المناخية والبيئية وتأثيرها على تطور الإنسان.
وفي نهاية المطاف، فإن دراسة الجينات المصرية هي جزء من جهود علماء الوراثة في فهم تاريخ الإنسان وتطوره وتقديم معلومات قيِّمة لفهم أصول البشرية.
وقد رصد جمال حمدان شخصية مصر وقال عنها “أن مصر تحتل مكانة مركزية سواءً من حيث الموضع أو الموقع، وسطًا بين خطوط الطول والعرض وبين القارات والمحيطات، حتى بين الأجناس والسلالات والحضارات والثقافات، وليس معنى هذا أن المصريين هم نصف أمه، ولكن بمعنى أمة مركزية، متعددة الجوانب والأبعاد والآفاق والثقافات، مما يُثري الشخصية القومية والتاريخية ويبرز عبقرية المكان.
من حيث الموضع: فإن التربة المصرية كبيئتها منقولة من منابع النيل في قلب أفريقيا إلى عتبة البحر المتوسط، وتداخلت فيها خطوط العرض المتباعدة والمتفاوتة، وهي تُمثل في النهاية حالة نادرة من تراكب البيئات، كما أن الإيراد المائي لمصر يأتي معظمه من نهر النيل، وهكذا أخذت مصر مائية الموسميات دون أن تأخذ منها مناخها القاسي أو رطوبتها
أمَّا من حيث الموقع، فإن تعدد الأبعاد في موقع مصر حقيقة واضحة، فمصر حلقة وصل بين العالم المتوسطي وبين حوض النيل، كما أنها وسط بين المشرق والمغرب؛ ولذلك نجد لمصر خمسة أبعاد أساسية (البعد الآسيوي والأفريقي والنيلي والمتوسطي والعربي)، وهي تتداخل فيما بينهما مثل البعد النيلي والأفريقي، هذا فضلاً عن أن الأبعاد الأربعة تتداخل في الإطار العربي الكبير، لأنه ليس مجرد بُعد توجيهي، ولكنه كتلة الجسم الأساسية وكيان وجوهر في حد ذاته.
وذكر جمال حمدان ” مصر حالة نادرة السمات والقسمات، فهي فرعونية الجد ولكنها عربية بالأب، يمنح نيلها للبر قوته، فيما تستمد سواحلها قوتها من البحار، هي قلب العالم العربي وواسطة العالم الإسلامي وحجر الزاوية في العالم الأفريقي، تتأكد فيها الوسطية، فهي سيدة الحلول الوسطى
وقد تركت كل الحضارات على أرض مصر بصماتها الماثلة أمام أعيننا إلى اليوم تعيش جنبًا إلى جنب مع الحضارة المصرية القديمة، حيث نجد الآثار اليونانية والرومانية والبيزنطية والمسيحية والإسلامية وآثار العصر الحديث والمعاصر