في فيلم “روح شجاعة”.. دليلك لاكتشاف قواك الخارقة

كتبت/ ميرا فتحي

ظهرت نماذج البطل الخارق في السينما بأشكال مختلفة، لكن الجوهر كان واحدا، إذ يمتلك الشخص منحة إلهية تمكنه من تجاوز القدرات البشرية، وتدمير خصومه وهزيمتهم، وتتعدد الأمثلة على ذلك.

ويعود الإقبال الجماهيري على مشاهدة أفلام “البطل الخارق” لأسباب مركبة، فبالإضافة إلى الإتقان والحرفية العالية في صناعة العمل، يحتاج الجمهور إلى نموذجه الخاص الذي يحلم بالتوحد معه للانتصار على مخاوفه وتجاوز الصعوبات في حياته.

ولعل رواج أفلام البطل الخارق في الولايات المتحدة رواجا كبيرا يعود إلى ذلك الضعف والخوف الشديدين اللذين شعر بهما الأميركيون بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، بما يعنيه ذلك من اختراق للدولة الأكثر قوة على وجه الأرض.

وتبقى القوى الجسدية الخارقة مجرد مظهر لقوى غير محدودة تكمن في داخل الإنسان، وهي متاحة لكل فرد يقرر اكتشافها، وإخراجها إلى الوجود شريطة أن يتمتع بالإرادة والشجاعة اللازمتين لذلك.

ويقدم فيلم “روح شجاعة” (True Spirit) للمخرجة الأسترالية سارة سيبلين نموذجا مدهشا لفتاة لم تتجاوز الـ16 من عمرها، استطاعت أن تكتشف حقيقة قواها الخارقة، فتجعل الشخص “سوبر هيرو” حقيقيا يحقق الإنجازات من دون أن يقتل البشر.

تدور أحداث فيلم “روح شحاعة” حول إبحار الفتاة وحيدة لما يقرب من 200 يوم في بحار العالم ومحيطاته بمركب صغير وسط العواصف والرياح والأمواج العاتية، ووصولها بسلام إلى النقطة التي أبحرت منها في دورة كاملة انطلاقا من إحدى مدن أستراليا ووصولا إلى أخرى.

قصة حقيقية وفيلم خيالي

يمكن للمشاهد ألا يصدق الفيلم نظرا لتلك المساحة المتاحة من الكذب على شاشة السينما، والاتفاق المسبق بين المشاهد وصانع العمل أن ما يشاهده على الشاشة ليس حقيقيا، لكن قصة جيسيكا واتسون حقيقية وقد روت كل لحظة فيها بنفسها أثناء حدوثها عبر مدونة على شبكة الإنترنت، كما نقلتها وسائل الإعلام الأسترالية عام 2009.

يصور الفيلم الفتاة وقد ولد الحلم لديها منذ كانت طفلة في التاسعة، وقررت حينئذ أن تتدرب على الإبحار، ودعمتها الأسرة على اعتبار أنها طفلة، وأن الأمر قد يكون مجرد خاطر طفولي سيُنسى في مرحلة النضج.

قررت جيسيكا اختيار مدرب، ليعاونها على تحقيق الحلم، وتحولت الرحلة من اكتشاف للقوة الداخلية والقدرة إلى رحلة لإنسان من الطفولة إلى النضوج، عبر اجتياز بحار العالم ومحيطاته، ومواجهة العزلة والوحدة والوقوف على حافة الموت بعد انقلاب المركب نحو 7 مرات بها في قلب المحيط ومواجهة أمواج وصل ارتفاع بعضها إلى 21 مترا.

استعرض الفيلم طفولة مختلفة لفتاة تنتمي لأسرة غير تقليدية تعشق السفر، حيث عاشت عامين في منزل متنقل، ثم استقرت في مدينة ساحلية في أستراليا، لتقع الفتاة في غرام البحر. وتألقت الممثلة أليلا براون في دور الطفلة جيسيكا وقدمت أداء يظهر قوة شخصيتها، كما قدمت تيجان كروفت أداء رائعا للفتاة جيسيكا، واستطاعت أن تنقل لحظات الشعور بالوحدة والخطر، وأن تخطف القلوب بينما تقاوم وحشية أمواج المحيط الشاسع وحدها في ظلمة الليل.

وقدم المخرج عرضا جميلا للسماء ونجومها في ليل البحر، وأجاد تقديم مشاهد انقلاب القارب ومن ثم عودته إلى الوضع الطبيعي، كما عبر ببلاغة واضحة عن ضآلة المركب في حالات الخطر، وأظهره كما لو كان أكبر من البحر نفسه في حالات تصاعد قوة إرادة الفتاة الصغيرة.

نقطة القوة الحقيقية في الفيلم بصريا هي ذلك الحوار غير المنطوق الذي دار بين تفاصيل عدد من المشاهد، وهو حوار يبدو كأنه قائم ودائم بين السماء والأرض، إذ تنقلب الأجواء وتهبّ العواصف وترتفع الأمواج وتصل الفتاة إلى حافة الهلاك، وقد تغيب عن الوعي، ومن ثم يعود الهدوء كما لو كان البحر عبارة عن بساط ذي مستوى واحد.

لا تظهر الريح، لكن أثرها ظاهر، وكما ظهر الأثر على الأمواج والمركب ووجه الفتاة ظهرت السحب في السماء بوجه مخيف أحيانا وآخر رحيم.

القوة والإلهام

لم تكن جيسيكا واتسون عملاقة جسديا في الفيلم ولا في الواقع، لكن ثمة متطلبات جسدية للإبحار كان عليها التدرب عليها، وهو ما حدث، كما كانت هناك متطلبات ذهنية تخلّت بموجبها عن طفولتها وتحملت مسؤولية تشغيل أجهزة التنبيه الموجودة على المركب في حالات الخطر، وهو ما نسيته في بعض الأحيان في إشارة من صناع العمل إلى ملامح طفولية ما زالت تسكنها.

لم يحاول صناع العمل تقديم بطلة بلا أخطاء ولا نقاط ضعف، ولعل تلك النقطة من أجمل نقاط العمل، فقد بكت وانهارت، ونسيت. قدم العمل شخصية إنسانية ملهمة قد تسقط ولكنها قادرة على النهوض دائما.

تعلمنا جيسيكا أن هناك خسارات وتضحيات على الإنسان أن يقبل بها باعتبارها أثمانا عليه أن يدفعها من أجل تحقيق حلم اعتبر معجزة، ولم يكن انقلاب المركب هو التضحية الوحيدة، إنما قضاء 210 أيام بين المياه في وحدة كاملة لا يربطها بالبشر سوى مدونتها وتعليقات المتابعين لرحلتها، واتصالات متقطعة مع أسرتها ومدربها.

حاول صناع العمل بناء شخصية المدرب بين براينت (أدى الدور كليف كيرتس)، ومنحها عمقا لم يكن موجودا في القصة الواقعية، فهو في الفيلم بطل سابق تسبب في موت أحد زملائه فقرر اعتزال الإبحار، لكن الفتاة القوية تعيده، ويقف شبح موت زميله السابق بينه وبين اتخاذ القرارات الشجاعة لفترة، بينما تقوم الأم بتشجيع ابنتها من دون شروط أو اعتبار للمخاوف، وتحسم مواقفها دائما باتجاه إتمام الرحلة رغم العديد من الظروف والمواقف التي كان يمكن إلغاء الرحلة بسببها دون لوم.

حب غير مشروط

رغم الصعوبات وإمكانية الانسحاب لأسباب تتعلق بظروف الإبحار والسن، لم تنسحب جيسيكا وقدمت أول رحلة لفتاة لم تبلغ الـ18 تدور في أنحاء العالم، بينما يواجهها الإعلام ويشكك في قدرتها ويهاجم والديها لسماحهم لها بتلك المغامرة.

وجاءت شخصية المراسل الصحفي لتصوّر شخصا يحمل ضغينة شخصية ويتصيد الأخطاء بشكل ما، وقد صوره الفيلم حتى على مستوى الزي والأداء كشخص معاد للنجاح، لكن التحول الذي أحدثه نجاحها في موقفه كان هائلا إذ ابتسم أخيرا بعد أن صافحت الفتاة رئيس الوزراء الأسترالي.

تعد فكرة دعم الأسرة لابنتها قبل الرحلة وفي أثنائها من أهم الأفكار التي تعادل في إلهامها شخصية جيسيكا واتسون نفسها، إذ كانت الأسرة يدا واحدة مع الابنة دائما متضامنة بلا شروط ومحبة وداعمة في كل القرارات حتى تلك التي لا يوافق عليها أحد أفرادها، فالأخت الكبرى تدير مدونة شقيقتها، والصغرى تتولى أمر البيانات الإعلامية، بالإضافة إلى المتابعة على مدار الساعة للفتاة في البحر.

“روح شجاعة” فيلم ملهم لا يعيد صياغة معنى القوى الخارقة فقط، بل يقود المشاهد إلى اكتشافها داخل نفسه، ويستخدم في ذلك قصة لا مكان للملل فيها، وتصويرا رائعا لقلب المحيط وهو ينبض ليلا ويقيم حوارا مع السحب في السماء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى