الدكتور عادل اليماني يكتُب: وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ
ونحنُ نبحثُ عن الحقيقة ، ونلهثُ وراءَ المعلومة ، ونسعي لمحاربة الشائعة ، إنما نبحثُ عن ( الكلمة) التي هي أمانة ومسئولية : لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ..
القلوبُ كالقدور تغلي بما فيها ، وألسنتُها مغارفُها ، والمَرْءُ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ ، وما في قلبِه ، يظهرُ في فلتاتِ هذا اللسان ..
هي الكلمةُ الطيبة ، التي أصلُها ثابت ، وفرعُها في السماء ، التي تبني الأمم ، وتُبلسم الجراح ، وتبعثُ علي الارتياح ..
كما يُرسلُ اللهُ تعالي ، أنبياءَه ، بالعلمِ والحكمة ، يُرسلُ رُسلاً من مخلوقاته ، قد تكونُ ، في نظرنا ، كائناتٍ ضعيفةً ، كالغراب ، لنعرفَ كيفَ ندفنُ موتانا ، وكهذين المخلوقين العظيمين ، الهدهد والنملة ، لنتعلمَ منهما فنونَ الإعلامِ وآدابَه !!
قَالَتْ نَمْلَةٌ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّمْلُ ٱدْخُلُواْ مَسَٰكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَٰنُ وَجُنُودُهُۥ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ..
في ( عشرِ ) كلمات ، النملةُ تستخدمُ ( عشرَ ) وسائل استمالة ، يا الله !! ما هذه الروعة ؟!
نادت النملةُ في قولِها ( يَٰٓأَ ) ونبهت النملةُ في قولِها ( أَيُّهَا) وسمت النملةُ في قولِها ( ٱلنَّمْلُ ) وأمرت النملةُ في قولِها ( ٱدْخُلُواْ ) ونصحت النملةُ في قولِها ( مَسَٰكِنَكُمْ ) ونهت النملةُ في قولِها ( لَا يَحْطِمَنَّكُمْ ) وخصت النملةُ في قولِها ( سُلَيْمَٰنُ ) وعمت النملةُ في قولِها ( وَجُنُودُهُ ) وأشارت النملةُ في قولِها ( وَهُمْ ) وأعذرت النملةُ في قولِها ( لَا يَشْعُرُونَ )
هذا هو الخطابُ الإعلامي ، يا سادة ، كلماتٌ قليلة ، واضحة ، راسخة ، صادقة ..
ثم يأتي الهدهد !!
وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ..
هكذا المنصفون ، يتفقدون ويُنقبون ، ويبدأون بلومِ أنفسِهم ( مالي لا أري ) معناها : قد يكونُ الهدهدُ موجوداً ، وأنا الذي لا يراه ، بخلافِ قولِه : أين الهدهدُ ؟ فكأنه ، عندَها ، يُقرُ واثقاً متيقناً ، أنه غائبٌ ..
لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ..
المنصفون ، عُدول في حُكمهم ، رُحماء متدرجون ، في عقوبتِهم من الأعلي للأقل ..
فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ..
هُنا صاحبُ الرسالةِ الإعلامية : لا يتأخرُ ( غيرَ بعيد ) يأتي بالخبرِ تاماً ( أحطتُ ) يجتهدُ ( جئتُ ) والتي تعني الذهاب خصيصاً ، كلامُه موسيقي ( سبأ بنبأ ) خبرُه صادق ، لا يحتملُ الظنَ ، ولا التأويلَ ( يقين ) ..
إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ..
صاحبُ الرسالةِ الإعلامية ، واثقٌ في معلوماتِه ( إني ، وجدتُ ) بليغٌ في لُغته ( امرأةً ) التنكير ، فرغم أنه يعرفُها ، ملكة ، واسمها بلقيس ، يتجاهلُ ذلكَ كلَه ، للتقليلِ من شأنِها ، إذ هي مُشركة ، لا تستحقُ التمجيد ، صاحبُ الرسالة الإعلامية ، دقيقٌ في مفرداتِه ( تملكُهم ) وليس تحكمُهم ، صاحب الرسالة الإعلامية مؤمنٌ حقاً ( أوتيت من كل ) وليس أوتيت كل ، فالمعطي هو الله ، ومن يملكُ كلَ شئ ، هو اللهُ وحدَه ، جلتْ قدرتُه ..
وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ..
صاحبُ الرسالةِ الإعلامية ، واثقٌ ( وجدتُها ) خبرُه حصري ( يسجدون للشمس ) غيورٌ علي إيمانِه وثوابتِه ( من دونِ الله ) يُحللُ الصورةَ جيداً ( وزين لهم الشيطانُ ) يُلخصُ المعني تماماً ( فهم لا يهتدون ) .
أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ..
صاحبُ الرسالةِ الإعلامية ، حكيمٌ واعٍ مُدرك ..
هذا هو الإعلامُ الذي ( نتمناه ) ..
هذا هو الإعلامُ الذي يجبُ أن ( نتبناه ) ..