الدكتور عادل اليماني يكتُب:اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ
وَكَم لِلّهِ مِن لُطفٍ خَفيٍّ ..
يَدِقُّ خَفاهُ عَن فَهمِ الذَكيِّ ..
تسيرُ حياتُنا ، نحزنُ ونفرح ، نتعبُ ونستريح ، نتقدمُ ونتعثر ، ننظرُ إليها ، وربما لانراها ، ولا نقرأُ فيها إلا المكتوبَ صراحةً أمامَ أعيُننا ، أما المسكوت عنه ، فلا نسمعُه ، والمحجوب عنا ، فلا نراه ..
والعجيب ، أن الإنسانَ دوماً ، إلا مَنْ رَحِمَ ربُك ، يتلهفُ دوماً نحو المفقود ، ولا يتذكرُ ذلكَ الموجود ، فيُلهيه هذا الانتظارُ الطويلُ عن تذكرِ النعم العظيمة التي يحيا فيها ، ليلَ نهار ، وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ .
نعمةٌ واحدةٌ ، ورغمَ ذلكَ ، قال ربُنا : تَعُدُّوا ، فكيفَ ذلك ، وهي واحدة ؟ الحقيقة أن كلَ نعمةٍ ، هي في حقيقتها مجموعةٌ من النعم ، فالماء نعمةٌ عظيمة ، نعمةٌ أنه موجود ( نعمة الإيجاد ) ونعمةٌ أنه موجود ، وقد وصل عندي ( نعمة الإمداد ) ونعمة أنه سرُ الحياة ، فبدونه تموتُ كلُ الكائنات ، ونعمةٌ أنه مصدرٌ من مصادرِ السعادة ( وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي ) و غير ذلك كثير ..
“إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ” مَنْ هذا الكنود ؟ هو الذي يُعددُ المصائب ، وينسي النعم !! جريمةٌ كُبري يرتكبُها الإنسانُ ، أخطرُ ما فيها إساءةُ الأدبِ مع الله ..
أيها الإنسانُ ، تذكرْ أن اللهَ لطيفٌ بعبادِه ، وتذكرْ فضلَه عليك ، وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ..
لا تعشْ في الدنيا ، تلهثُ وراء سراب ، فالسعادةُ معك ، والخيرُ بينَ يديك ، أنت اليوم تحيا ، غيرُك مات ، أنت الآنَ صحيحٌ ، غيرُك سقيم ، أنت الآن عندَك الزوجة والولد ، غيرُك محرومٌ منهم ، حتي مَنْ حُرم هذه الأشياء َ ، عندَه غيرُها ، فالله تعالي هو العدل ، فلماذا الحزنُ ؟ وفِيمَ الشكوي ؟ وكم تشتكي ؟!!
كَــمْ تَــشْــتَــكِــي وَتَــقُــولُ إِنَّــكَ مُــعْــدِمُ ..
وَالْأَرْضُ مِــلْــكُــكَ وَالــسَّــمَــا وَالْأَنْــجُـمُ ..
هَــشَّــتْ لَــكَ الــدُّنْــيَــا فَــمَـا لَـكَ وَاجِـمًـا ..
وَتَـــبَـــسَّـــمَـــتْ فَـــعَـــلَامَ لَا تَـــتَــبَــسَّــمُ ..
خرجَ الرجلُ الفقيرُ من بيتِه ، يبحثُ عن عملٍ إلي جوارِ عملِه ، فقد ضاقَ رزقُه ، وتعثرَتْ معيشتُه ، قضي أوقاتاً طويلةً يبحثُ دونَ جدوي ، ومضت أيامٌ ، وفي كلِ يومٍ ، يعودُ إلي بيتِه ساخطاً غاضباً ، يلعنُ حظَه ، ويتحسرُ علي نصيبِه من الدنيا ، وقد نَسيَ هذا الفقيرُ ، أموراً شديدةَ الأهمية ، بل شديدةَ الخطورة :
نسي أن غيرَه أيضاً خرجَ باحثاً عن الشئِ نفسِه ، لكنه لم يعد ، فقد فارقَ الحياةَ نفسَها ، وهو في طريقِه .
نسي هذا الناقمُ الساخط ، أنه عادَ إلي بيتٍ ، كائنٍ فعلاً ، جُدرانٍ تحمي وتستر !! وأبناء يضحكون !
يا الله ، لقد نسيتَ أيها الإنسانُ ، وما أنساك إلا الشيطانُ ، أهمَ الأشياء ، ومعها نسيتَ حالة الرضا ، التي كانَ لزاماً عليك ، أن تكونَ عليها ..
هو اللهُ اللطيف ، و إذا أرادَ اللطيفُ أن يصرفَ عنك السوءَ ، جعلك لا ترى هذا السوء ، أو ربما جعلَ السوءَ لا يعرفُ إليك طريقاً ، أو ربما جعلكما تلتقيان ، وتنصرفان عن بعضِكما ، وما مسّك منه شئٌ !
اسمُ اللهِ تعالي ، اللطيف ، لو تأملتَه وتدبرتَه ، أيقنتَ أن لا مستحيل في هذه الدنيا ، وأن اللهَ قادرٌ على كلِ شئ ، يأتي بعظائمِ المقادير ، التي يستبعدُها عقلُك ، وتتيقنُ معها أن حولَك وقوتَك ، ضئيلان ضعيفان ، فتنظرُ إلى السماءِ وتقولُ بإيمانٍ صادقٍ ، لا ينازعُه شكٌ : اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ .
لقد قصوا علينا حكايةَ رجلٍ فقير ، يرعى أمَه و زوجتَه و أولادَه ، ويعملُ خادماً لدى أحدِهم ، مخلصاً في عملِه ، على الوجهِ الأكمل ، إلا أنه ، ذاتَ يومٍ ، تغيب عن العمل ، فقال سيدُه في نفسِه : لابد أن أُعطيه ديناراً زيادةً ، حتى لا يتغيبَ عن العمل ، فلربما كان غيابُه طمعاً في زيادةِ راتبه ، لأنه يعلمُ بحاجتى إليه ، وبالفعل حين حضرَ العاملُ ، في اليوم التالي ، أعطاه راتبَه ، و زاد عليه الدينار ، لم يتكلمْ العامل ، و لم يسألْ سيدَه عن سبب الزيادة ، وبعدَ وقتٍ غيرِ بعيد ، غاب العاملُ ، مرةً أخرى ، فغضبَ سيدُه غضباً شديداً وقال : سأُنقصُ الدينارَ الذي زدتُه ، وحدثَ فعلاً ، و أنقصه ، و لم يتكلمْ العاملُ أيضاً ، و لم يسألْه عن نُقصانِ راتبِه ، فتعجبَ الرجلُ مِنْ رَدة فعل الخادم ، وسأله :زدتُك فلم تسألْ ، و أنقصتُك فلم تتكلمْ !فقال العاملُ: عندما غبتُ ، المرةَ الأولى ، رزقني اللهُ مولوداً ، فحين كافأتني بالزيادة ، قلتُ هذا رزقُ مولودي ، قد جاء معه ، وحين غبتُ المرةَ الثانية ، ماتت أمي ، وعندما أنقصتَ الدينارَ
قلتُ هذا رزقُها ، قد ذهبَ بذهابها .
بسيطةٌ هي الحياة ، وأقلُ من أن تشغلَنا وتُحزنَنا وتُبكينا ..
ستمضي حتماً ، بمُرها ، وستمضي بحُلوها ، ستمضي حتماً ، فلا تجزعْ ، ولا تبتئسْ ، فليست هي النهاية ..
فقط ، كُنْ مع اللهِ ولا تُبالي ، وأمددْ إليه يدَك في ظُلماتِ الليالي ، وقل يا ربُ ما طابت الدنيا إلا بذكرِك ، ولا الآخرةُ إلا بعفوك ، ولا الجنةُ إلا برؤيتك ..
هو اللطفُ الخفي يا سادة ، الذي يسوقُ اليُسرَ مع العسر ، ويَزفُ البشارات ، ونحنُ غارقون في الأزمات .
هو الرحمنُ الرحيم ، كلُ شئٍ عندَه بقَدرٍ معلوم ، إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ، فالعسرُ لا يدوم ، وسيفتحُ اللهُ باباً كُنتَ تحسَبُه ، من شدةِ اليأس ، لم يُخلقْ بمفتاح !
حقاً :
وَكَم لِلّهِ مِن لُطفٍ خَفيٍّ ..
يَدِقُّ خَفاهُ عَن فَهمِ الذَكيِّ ..
وَكَم يُسرٍ أَتى مِن بَعدِ عُسرٍ ..
فَفَرَّجَ كَربَهُ القَلبُ الشَجيِّ ..
وَكَم أَمرٍ تُساءُ بِهِ صَباحاً ..
وَتَأتيكَ المَسَرَّةُ بِالعَشيِّ ..