الدكتور أحمد اسماعيل: “عيادات الصحة النباتية  ” القبلة الجديدة لأراضي الأستصلاح .. ونافذة لتطبيق المخرجات البحثية علي أرض الواقع

حوار / محمد نبيل

تعد العيادة الزراعية أو ما يطلق عليها عيادة الصحة النباتية من أهم الطرق العملية التي لجأت إليها الكثير من دول العالم ؛ بهدف ضمان التواصل بين الباحثيين والمزارعيين ونقل كافة الخبرات والتوصيات الفنية وتشخيص الأمراض  ، وذلك بشكل مباشر ودائم  ؛ كما أتجهت   معظم الدول في سبيل تحقيق لإنشاء شبكات واسعة للعيادات الزراعية ؛ تنتشر بمختلف مدنها لتحقيق الإستفادة والمرجعية ، لذلك لم يغفل البحث العلمي في مصر عن إدراكها والبحث عن كيفية تطبيقها بطريقة تضمن لها النجاح والإستمرارية وذلك من خلال مشروع العيادة الزراعية للأراضي الصحراوية والمستصلحة حديثا والذي يترأسه الباحث الرئيسي للمشروع الدكتور أحمد اسماعيل أستاذ أمراض النبات المساعد بمركز بحوث الصحراء  ، والذي أكد علي أهمية العيادة الزراعيه ؛ خاصة في ظل ما تشهده مصر في عهد فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي من التوسع الهائل في المشروعات القومية العملاقة وتوسيع رقعة الأراضي الزراعية وتحقيق إستراتيجية الدولة  المصرية 2030 ،  علاوه علي أهمية العيادة الزراعية في سد فجوة نقص الإرشاد الزراعي ؛ ووقوع المزارعيين تحت وطأة الهواه لافتا بأن طرح الفكرة لم تأتي بشكل مباشر أو نقلها كما أنتهت اليها الدول بل  جاء متماشياً مع طبيعة المزارع المصري ؛ الذي يتمسك دائما بكل ما تقليدي  ، وغير ذلك وأكثر من التفاصيل فألي نص الحوار ….

بداية : حدثنا عن فكرة العياده الزراعية ؟

أشير هنا بأن فكرة العيادة الزراعية ليست جديده علي العالم ، ولكنها حديثه العهد بمصر ؛ فالفكره جاءت من أن النبات باعتباره كائن حي لا يختلف عن الإنسان والحيوان في التعامل معه عند إصابته بأحد الأمراض أو كيفية الوقايه منها ؛ وذلك من خلال إنشاء عيادة زراعية ثابته يلجأ اليها المزارع في أي وقت .

كما أنوه هنا أيضاً جاء المشروع بدء كمبادرة تم طرحها علي أكاديمية البحث العلمي ؛ تزامناً مع إعلان منظمة الأغذية والزراعة ” الفاو ” ؛ بأن عام 2020 عام الصحه النباتية ؛ بهدف تشجيع العالم علي إتخاذ كافة الإجراءات التي تحسن من الصحة النباتية ومن هنا كانت ترجمة فكرة العيادة الزراعية علي الأراضي المصرية .

ولكن هل وجود جهاز الإرشاد يحول دون تطبيق العيادة الزراعية  ؟

أوضح هنا بأن اللجوء إلى الإرشاد جاء نتيجة عدم وجود كيان حقيقي يلجأ إليه المزارع عند حدوث مشكلات أو الحاجه إلي التوصيات الفنيه منذ لحظه إختيار المحصول المناسب للتربه المتاحه وطبيعة المياه المستخدمة ، مروراً بكيفية إختيار الأصناف والممارسات الزراعية الجيده وانتهاءً بالحصاد ؛ علاوة علي العقبات والتحديات التي يتعرض له جهاز الإرشاد.
كما أن ضعف التطبيقات الإرشادية الحديثة أدت إلى أن المزارع والمستثمر يقعا تحت وطأة الهواه وغير المختصين ، بالإضافة إلي أن هناك بعض من المرشدين الذين يفتقدوا التخصص أو التشخيص المطلوب أو الإلمام الكافي بالتوصيات والأبحاث العلمية الحديثه وتطبيقاتها ؛ من هنا ظهرت أهمية العيادات الزراعية لمواجهة كافة هذه المشكلات ؛ والنقص الذي يعتري جهاز الإرشاد الزراعي .

وماذا عن كيفية التعامل مع المزارع المصري لنشر الفكرة ؟

أود التأكيد هنا بأن الفلاح المصري هو أحد ركائز التنمية ؛ وأقناعه بفكرة العيادة الزراعية وترسيخها لن تأتي مباشرة أو بمعني آخر ” بما أنتهت إليه الدول ” بأنشاءه عيادة ثابتة  ؛ نظرا لأنه في حالة تطبيق هذه الحالة بنفس المنهحيه المعتاده وبنفس التسلسل لكان مصيرها إلي الفشل ؛  فالوصول إلي المزارع  كان من منطلق أن يقوم هو بنفسه بتنفيذ المشروع والتأكد من نتائجه المتتابعة ومدي نجاحها  .

وما هي هذه الخطوات ؟

بدأت خطواتنا بطرق أبواب المزارعيين بواسطة القوافل البحثية والحقول الإرشادية ؛ لرصد جميع المشكلات وسماع متطلباتهم واحتياجاتهم  ؛  ومن خلال رؤيتهم لنا في كيفية إيجاد الحلول للمشكلات المرضيه والتغلب علي الآفات والوقايه منها ، علاوه علي طرح محاصيل مختلفه تجود في أراضيهم وتتناسب مع ملوحة المياه والتربه وتفيض عليهم أرباحاً مادية مجزيه بدلا من المحاصيل التقليديه لديهم ، كما هو الحال في محاصيل البونيكام ، والسورجم ، والدخن  ، والشعير ، وحشيشة السودان .

وأنوه هنا بأن عدد الحقول الإرشادية بالمغره بلغ 79   ، و 29 قافلة إرشادية ، علاوه علي تنفيذ 145 حقل إرشادي بالوادي الجديد  وذلك منذ إنطلاق المشروع وحتي الآن .

كما نجحنا في وضع رؤية ومنهجية لتغيير فكر المزارع التقليدي فيما يخص بالممارسات الزراعية في الأراضي الصحراوية وحديثة الأستصلاح ؛ وبما يتناسب وطبيعة الزراعة المصرية وتحدياتها .

 المغرة نقطة الإنطلاق الأولي لعيادة ثابته مؤسسية ..ونسعي لإنشاء شبكة تغطي محافظات مصر

هل توجد أعمال آخري ؟

بالفعل .. عقدنا أيضاً دورات تدريبية وورش عمل للمزارعيين وجميع الفئات المهتمة بالأنشطة الزراعية ومشروعات الأستصلاح .
كما أنتهينا من أنشاء  معمل خاص بتحاليل المياه والتربة ؛ وذلك ضمن مكونات العيادة الزراعية الثابتة ، مع تزويد العيادات المتنقلة بأجهزة التحليل في الموقع ،  وكذلك إنشاء مركز للأعمال الزراعية ، وعيادة زراعية إلكترونية ،وكذا منصة تكنولوجية لخدمة القطاع الزراعي ، علاوه علي تقديم خدمات إستشارية .

كما نقوم أيضاً بتنفيذ العديد من نماذج التعلم الآلي ”  ml ” ، وكذلك دعم نظم الذكاء الإصطناعي بهدف توقع علاج الأمراض والأنشطة الزراعية ؛ بحيث تصبح النتائج المتحصل عليها قابلة للتطبيق في المشروعات الزراعية  ، كما تم توفير مختبرات تابعة للعيادات الزراعية في المؤسسات البحثية ( المركز القومي للبحوث  ) ؛ لتقديم الخدمات الإستشارية والتحليلات اللازمة ، بالإضافة إلى إنشاء وحدة لتكنولوجيا المعلومات المتنقلة ، وبنك أفكار في صورة تطبيق موبايل  ، وكذلك إدماج الرقمنه في قطاع الزراعة .

كما نقوم بتدريب طويل وقصير الأجل للمزارعيين لتوفير فرص عمل للشباب والمرأه في المجالات الناشئة الجديدة في القطاع الزراعي وأصحاب الحيزات الزراعية ، كما نعمل علي تحقيق أساليب فعالة وذكية لتحسين الإنتاج النباتي والأراضي وتشخيص وتقديم حلول جديدة للأمراض والزراعة الحيوية والعضوية  ، والتغذية الصحية لمناعة النبات .

بالنسبة لطلبة المدارس والجامعات ..  هل أستهدفتهم برامج العيادة الزراعية  ؟

بالفعل .. أستهدفنا من خلال برامج المشروع المتفوقين من طلبة المدارس الثانوية الصناعية ؛ بهدف نشر الوعي بينهم حول أهمية عيادات الصحة النباتية ، وكذا دورها في التغلب علي مشكلات الزراعة بالنسبة للأراضي حديثة الأستصلاح ،  علاوه علي تنظيم زيارات لهم للحقول الإرشادية .

كما نستهدف أيضا خلال أشهر مايو ، يونيو ، يوليو 2022 عمل دورات تدريبية لطلبة كليات الزراعة .

كما أود الإشارة أيضاً إلي دور أكاديمية البحث العلمي وبعض الجامعات التي تبنت فكرة عمل دبلومة تندرج تحت مسمي ” أخصائي العيادة الزراعية ” ؛ والتي بدورها تمنح ترخيص لخريجي كلية الزراعة ؛ والذي بموجبه يتم فتح عيادة زراعية وذلك أسوة بالصيدليات البشرية والعيادات البيطرية .

وماذا عن دور العيادة في دعم المشروعات القوميه ؟

العيادة الزراعية تتمتع بدور كبير في دعم المشروعات القومية الزراعية ؛ حيث تساهم في الحفاظ عليها وتضمن إستمراريتها  ؛ ففي ظل التوسع الزراعي والمشروعات القوميه الراهنة التي تقوم بها الدولة ، وكذا برنامج المليون ونصف الفدان والمتوقع أن يصل إلي 4 مليون فدان ؛  فكان لزاما علينا التفكير بشكل مختلف من أجل التعامل مع كل هذه المشروعات العملاقه بطريقة اكثر فاعلية وعملية ، وذلك من خلال ما تقدمه العيادة الزراعيه من قواعد بيانات ، ومعامل مرجعيه ، والتخفيف من وطأة الظروف التي يعاني منها المزارع والمستثمر خاصة في ظل التغييرات المناخية  .

نستهدف طلبة المدارس والجامعات .. ودبلومة جديدة تمنح ترخيص العيادات الزراعية

ما هي مقرات العيادة الزراعية المستهدفة ؟ وما الجهات المشاركة ؟

يوجد أثنين من مقرات العيادة الزراعية وفقا للمشروع  المغره ومقرها المزرعة البحثية النموذجية التابعة لأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا بالمغرة ، والعيادة الزراعية بالخارجة بمقر المركز الإقليمي لأكاديمية البحث العلمي – مدينة الخارجة – الوادي الجديد
ونشير هنا بأن حوالي 280 الف فدان يتم إستصلاحهم ضمن مشروع المليون ونصف الفدان  ؛ والتي يشرف علي تنفيذها شركة الريف المصري ، كما ينفذ المشروع بالمشاركة بين مركز بحوث الصحراء وجامعة الفيوم والمركز القومي للبحوث ؛ وذلك في صورة تحالفات بحثية متكاملة .

هل تم الإنتهاء من إحدى هذه العيادات ؟

بالفعل .. العام الحالي 2022 تم إفتتاح أول  عيادة زراعية ثابته في مصر  وبطريقه مؤسسيه تابعه لأكاديمية البحث العلمي بمنطقة المغرة ؛ لتكون بمثابة نقطة الإنطلاق ، ومنارة وقبلة للمزارعين يتوجهوا إليها بعد الإنتهاء من المشروع .

وهل تقدم العيادة خدماتها بالمجان للمزارعيين ؟

أشير هنا بأن طوال مدة المشروع يتم تقديم كافة الخدمات بالمجان ؛ ولكن بعد الإنتهاء من المشروع البحثي سوف تقدم الخدمة بأجر رمزي ؛ بهدف ضمان الإستمرارية من ناحية ، وتجنب وقوع المزارع في خسائر إقتصادية ناتجه عن الممارسات الزراعية الخاطئة .

صف لنا كيفية عمل العيادة الزراعية الثابتة  ؟

يوجد مسئول داخل العيادة الزراعية يتلقي كافة المشكلات ويتعامل معها علي الفور في إطار الإمكانات المتاحة ، وأجهزة المعمل التي يستطيع من خلالها الفحص والتوصيف .

أما في الحالات التي تحتاج لأجهزة أكثر تقدما يتم الرجوع إلى المعامل المركزية في مركز بحوث الصحراء ، علاوة علي تنظيم زيارات دورية من القوافل الإرشادية للباحثين لتقديم الدعم المطلوب .

وما الخدمات التي تقدمها العيادات الزراعية الثابتة والمتنقلة بشكل عام ؟

تقدم العيادة الزراعية سواء الثابتة منها والمتنقلة ؛ تحاليل عينات المياه والتربة ، التدريب علي الممارسات الزراعية الجيدة ، فحص العينات النباتية وتشخيص الأمراض والآفات ، وضع البرامج الوقائية والمكافحة المتكاملة ، تحديد التركيب المحصولي المناسب وفقا لخصائص المياه والتربه والمناخ ، التدخل السريع بالمعاينه والفحص والتشخيص حال حدوث مشكلات مفاجئة للزراعات ، فحص عينات التقاوي والشتلات قبل الزراعة للتأكد من خلوها من الأمراض والآفات ، تقييم المركبات المبتكرة المزمع إستخدامها في برامج المكافحة ، وأخيراً تقديم الدعم الفني بداية من تجهيز الأراض للزراعة وحتي الحصاد .

كيف ينظر العالم الخارجي للعيادة الزراعية ؟

خلال تنقلي بين العديد من دول العالم  كالصين والهند وتايلاند وغيرهما ؛ وكذلك ما تم رصده بواسطة المراجع العلميه والتجارب المختلفه ؛ أستنتجنا حرص هذه الدول علي إنشاء العيادات الزراعية ، مما أنعكس أثره علي مواجهة كافة المشكلات والوقايه منها بصفه دورية وتقليل الفاقد من المحاصيل وزيادة حجم الصادرات ، فنجد علي سبيل المثال في الولايات المتحده الأمريكية إنتشار العيادات الزراعية في 48 ولاية تابعيين للمراكز ومعاهد البحوث والجامعات والوزارات المعنية بالزراعة ،  كما تنتشر العيادات أيضا في مختلف الدول الأفريقية خاصة المتنقلة منها كغانا وكينيا وآريتريا ، علاوه علي إنتشارها في الدول الأوروبية .

ما أهم المشكلات التي واجهتكم أثناء تنفيذ المشروع ؟

هناك بعض من المشكلات التي اصطدمنا بها أثناء تنفيذ المشروع ؛ لعل منها أننا وجدنا كمية كبيرة من الممارسات الزراعية الخاطئة والمنتشره في الأماكن المستهدفة ، حيث زراعة أعلاف تقليدية لا تجود زراعتها في الأراضي المستهدفة ، كما أن بعضها يستهلك الكثير من  المياه ، كما وجدنا أيضا إستخدام المزارعيين لمبيدات غير مطابقه للمواصفات وغير صالحة للإستخدام ، وكذلك رصدنا وجود أمراض جذرية سواء فطرية أو بكتيرية وعلي رأسها النيماتودا في بعض الأراضي ؛  علي الرغم من أن الأراضي بكر وحديثه الأستصلاح ؛ وذلك نتيجة شراء المزارعيين لشتلات وفسائل جذورها مصابة بالمرض ، كما وجدنا أثناء عمليات الحصر أجناس من الحشائش منتشره في بعض الأراضي لم تكن موجودة ؛  والتي أنتقلت بواسطة إستخدام بعض المزارعيين للسماد البلدي الغير ناضج والمحمل ببذور الحشائش ؛ لذلك أصبح المزارع ينفق من مدخلاته الزراعية مبيدات لمكافحة هذه الحشائش .
وبعد التوضيح للمزارعيين أسباب هذه المشكلات وتعرضهم لخسائر إقتصادية لم يجدوا سبيلا أمامهم إلا الإنصات لنتائج مخرجاتنا البحثية والتوصيات الفنية والممارسات الزراعيه السليمة ، وأهمية وجود العيادات الزراعية لتجنب كل هذه المشكلات ؛ فالعيادة الزراعية أذن هي نافذه حقيقيه لتطبيق البحوث علي أرض الواقع .

الفلاح المصري أحد ركائز التنمية … ولم نبدأ معه من حيث أنتهت الدول

فقد وجد المزارعيين نماذج بحثية تطبيقية وابتكارت نصب أعينهم علي أراضيهم ذات مردود إقتصادي كبير  ، فعلي سبيل المثال بعد زراعة أعلاف غير تقليدية متميزه ؛ تم تحويل الفائض منها وكذا المخلفات الزراعية إلي سيلاج عالي التركيز من خلال أضافات غير مكلفة ؛  مما أنعكس أثره علي زيادة في رؤؤس المواشي .

هل يوجد تمثيل لشباب الباحثين في مشروع الصحة النباتية  ؟

بالفعل الشباب هم النسبة الأكبر التي يعتمد عليها المشروع  في مراحلة المختلفة ، فهم يشكلوا القوة الإيجابية لدفع عجلة التنمية عند تزويدهم بالمعرفة والفرص التي يحتاجون إليها ، علاوه علي الإستعانة بأهل الخبرة من كبار الباحثين والعلماء  .

  ماذا عن طموحاتكم في المستقبل القريب ؟

نأمل في المستقبل القريب أن يكون لدينا شبكه من عيادات الصحة النباتيه تنتشر في جميع أنحاء الجمهورية  ؛ لأن من خلالها نستطيع أن نضع قواعد للبيانات لجميع المناطق المستصحلة والجديدة في ظل التوسع الرأسي والأفقي الذي تشهده البلاد ، كما نتمكن أيضاَ من خلالها أمتلاك محددات لدخول الشتلات ، بالإضافة إلي أن معاملها تصبح مرجعا لشركات المبيدات ؛ وفي الختام نتمني من خلال هذه الشبكات أن تصبح عيادات الصحة النباتية مكون أساسي من مكونات الزراعة في مصر ، وأداه هامة لرسم السياسات الزراعية .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى