في “صالون الزمبيلي”.. الأوقاف الإسلامية المتنوعة خدمت أغراضًا إنسانية وخيرية

كتب/عصام جمعة

أوضح الدكتور محمود مسعود، أستاذ ورئيس قسم الآثار بكلية الآداب جامعة المنيا، أن الحضارة الإسلامية طبعت الآثار والفنون بطابعها الخاص، مما جعل هذه الآثار والفنون تعكس القيم التي تحملها تلك الحضارة وتكون مرآة لها.
وتطرق مسعود، في الفعالية السادسة لصالون عبد الحميد إبراهيم الزمبيلي، إلى الجوانب الإنسانية للحضارة الإسلامية في ضوء نماذج من العمارة والفنون؛ مبينًا أن مقياس الحضارة هو امتداد نفعها لغير أبنائها، وألا يقتصر عطاؤها على من يتبعها؛ وهو ما يصدق على الحضارة الإسلامية التي امتد نورها للمسلمين ولغير المسلمين؛ والأندلس وغيرها شاهد على ذلك.

حضر الصالون عدد من المفكرين والباحثين، منهم د. عمرو شريف أستاذ الطب والمفكر المهتم بفلسفة العلم، ود. بهاء درويش أستاذ الفلسفة بكلية الآداب جامعة المنيا.

وذكر أستاذ الآثار بجامعة المنيا أن الإنسان حين كف عن إلقاء الحجر واستعمل الكلمة بديلًا، عرف معنى الحضارة، وأن الحضارة جاءت ثمرةً لتفاعل (الإنسان)، في فترة زمنية معينة (الزمان)، في بقعة جغرافية محددة (المكان)؛ وفق معايير أخلاقية، أو اجتماعية، أو بيئية، تميز كل منتج، سواء كان ماديًّا، أو غير ماديٍّ، متمثلًا في المخرجات المتنوعة؛ لغويةً، أو فنيةً، أو معمارية.

وأضاف: مفهوم “الجوانب الإنسانية” لا يعني الخيرية أو النفعية، وإنما هي الجوانب الـمَعْنية بحياة الإنسان وسلوكياته، وبالمهنة التي يمارسها، وبالفن الذي ينتجه، وبالمباني والمنشآت المعمارية التي يقيمها؛ وبالتالي كان هناك منظور جديد للإنسان في ضوء هذه الحضارة الإسلامية؛ التي اهتمت بالإنسان وبالمعمار.

وأوضح أن الكتابة العربية، والخط العربي بصنوفه وأنواعه؛ كالكوفي والنسخ والثُّلُث وغيرها؛ جُودت وحُسنت وتنوعت مدارسها؛ انطلاقًا من حرص المسلمين على كتابة القرآن الكريم، فظهر الكُتَّابُ والنُّسَّاخُ، وارتبط بالخط فنون الكتاب؛ من التجليد، والتذهيب، وغيرها، قبل التوصل إلى فن الطباعة.

وبيَّن أن الموروثات الحضارية؛ من أشكال العمائر ووظائفها المتنوعة، والفنون التطبيقية كالخزف والفخار والنسيج والسجاد وغيرها؛ عكستْ وقدمتْ لمنتجات الحضارة الإسلامية، وتُعَدُّ أبرز الأمثلة التي تكرس لطراز فني أو معماري خاص بالمعمار والفنان والصانع المسلم.

وتابع: تجسدت الجوانب الإنسانية للحضارة الإسلامية في أشكال العمائر والفنون المتعددة ونماذجها؛ فعُرِفَتِ المدارس الإسلامية؛ كمنشآت علمية وتعليمية، حلت محلها الجامعات في العصر الحديث، ورُوعي في تكوينها المعماري المواءمة المعمارية للوظيفة، علاوة على توفير أماكن الإقامة للمغتربين؛ كوحدات السكن، والإعاشة، وقاعات الدراسة، وأماكن العبادة الملحقة. وكذلك عُرِفَتِ البيمارستانات كمنشآت علمية، وعلاجية خيرية، مرفق بها مخازن؛ لصرف الأدوية المجانية، بمنظور الصيدليات في عصرنا الحاضر.

وأشار “مسعود” إلى أن الأوقاف الإسلامية المتنوعة خدمتْ أغراضًا إنسانية وخيرية؛ برُقيٍّ حضاريٍّ سابقٍ لكل الأفكار التي تكرس للكرامة الإنسانية؛ وظهرتِ المباني المخصصة لإطعام الدواب والطيور وسقيها، علاوة على المباني المخصصة للغرض نفسه المكرسة للإنسان.

وذكر أن الحضارة الإسلامية عرفت أنواعًا من “الوقف” تميزت بها، وكانت شاهدة على ما تحمله هذه الحضارة من رقي وقيم؛ مثل: وقف إعارة الحلي/ وقف المرابطات/ وقف الإبريق/ وقف حليب المرضعات/ وقف عين زبيدة (لتوفير مياه الحجيج)/ وقف رعاية القطط/ وقف الخبز/ وقف الإيحاء للمريض بالشفاء/ وقف تدريب الأيتام/ وقف خان المسافرين/ وقف متنزه الفقراء.

وفي كلمته، أوضح د. حسام الزمبيلي، رئيس الصالون، أستاذ طب وجراحة العيون، أن المحاضرة أبحرت في جوانب كثيرة، كنا نراها ولا ندرك جوانب العبقرية فيها؛ مثل الوقف بأبعاده المتفردة للحضارة الإسلامية.
وأضاف: أتفق تمامًا مع القول بقياس الحضارة من خلال امتداد نفعها للإنسانية جمعاء، ولولا هذا الامتداد لفشلت الحضارة الإسلامية ولاضمحلت وانتهت.
وأشار إلى أن “وقف الإيحاء للمريض بالشفاء” الذي عرفته حضارتنا الإسلامية منذ عقود، كان سبًّاقا في الاهتداء للترابط بين الحالة النفسية وتعافي المريض؛ وهو ما لم يدركه الطب الحديث إلا متأخرًا في القرن العشرين والحادي والعشرين.
من جانبه، ذكر د. محمد صالحين، الأمين العام للصالون، وأستاذ الفكر الإسلامي بكلية دار العلوم بجامعة المنيا، أن ما استعرضه المحاضر من جوانب إنسانية للحضارة الإسلامية، يبين كيف كان خطاب الحضارة الإسلامية حينما وعى المسلمون عن دينهم أن الله تعالى سخر للإنسان ما في السماوات وما في الأرض جميعًا منه؛ فأصبح الإنسان هو المركز، وهو الكائن المكرم؛ لأن به نفخة علوية من روح الله تبارك وتعالى.

وأضاف: الآن الحضارات المادية هي حضارات تتجه للعكس، تريد تسخير الإنسان، بدل أن يكون الكون مسخرًا للإنسان، والإنسان هو السيد في هذا الكون.. فالآن يُستبدَل الإنسان بالآلة؛ وهذا اتجاه مادي ضخم جدًا، يسحق الإنسانَ، بنيانَ الله تبارك وتعالى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى