لا دبابات ولا طائرات.. أسلحة جديدة تشعل صراع روسيا وأميركا
كتبت/ ميرا فتحي
في أعقاب الحرب الباردة وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي في العام 1991، تحوّلت العلاقة بين واشنطن وموسكو إلى ما يشبه الشراكة الاستراتيجة إلى حد كبير في عهد الرئيس الروسي بوريس يلتسين، ليسود شعور بـ “الانتصار” غير المكلف بالنسبة للولايات المتحدة، مع انتهاء الثنائية القطبية التي فرضت نفسها على العالم بعد الحرب العالمية الثانية في عام 1945.
ومع تولي الرئيس الروسي فلاديمير بوتن الحكم ودعوته إلى عالم متعدد الأقطاب، ومع ما اتخذته موسكو من خطوات متصاعدة خلال العقدين الماضيين، عاد الصراع ليغلف العلاقة بين البلدين، خاصة في ظل عودة موسكو لتفرض نفسها كقوة مؤثرة على الساحة العالمية.
وفي خضم ذلك فرضت أجواء “الحرب الباردة” نفسها على البلدين من جديد، لتنهي سنوات من “السلام البارد”، لكنها حرب بسمات وأسلحة وساحات مختلفة كلية عن الحروب التقليدية، تستفيد فيها واشنطن وموسكو من التطورات التكنولوجية الهائلة.
وبينما تحرص كل دولة على استعراض أحدث ما توصلت إليه من تقنيات وتطور تكنولوجي، لا سيما فيما يتعلق بالقدرات العسكرية والتسليح، إلا أن سيناريوهات المواجهة المباشرة بين البلدين على نهج حروب الجيل الثالث تظل مستبعدة، في ضوء مفاهيم وأدوات الحرب الحديثة، ومع حروب الجيل الرابع وما تحاكيه من تطور تكنولوجي وتقني هائل، والهادفة إلى إسقاط الخصم دون ضربات عسكرية مباشرة أو تقليدية، سواء باستراتيجيات الحصار الاقتصادي أو بالهجمات الإلكترونية والسيبرانية، أو عبر وكلاء في مناطق الصراع المختلفة.
حرب باردة
يقول المحلل العسكري والاستراتيجي، فواز كاسب العنزي، لموقع “الجالية”، إن ثمة حرباً باردة جديدة بين الولايات المتحدة وروسيا تفرض نفسها على الأجواء، وهي حرب مستمرة وستستمر، من بين أسلحتها الناجعة هي الاستفادة من التقنيات التكنولوجية الحديثة، وبالتالي توظيف الهجمات الإلكترونية والسيبرانية للحصول على المعلومات والتأثير على الطرف الآخر وكذلك إضعاف قدراته.
ويشدد على أن سلاح الهجمات الإلكترونية ظهر الجدل حوله بشكل واضح وكبير إبان الانتخابات الرئاسية الأميركية في 2016 وبعد ذلك أيضاً، وهي الهجمات التي تُتهم موسكو بالقيام بها، وهي هجمات ذات تأثيرات وتداعيات شديدة على البلد المستهدف كسلاح قوي، وفي المقابل فإن “الولايات المتحدة لديها خبرة طويلة في هذا المجال، ومساحات كبيرة للتحرك، وبخاصة أن الكثير من الشركات الإلكترونية مقرها الولايات المتحدة، وهو ما يعتبر ميزة مهمة بلا شك، وأحد عناصر القوى التي تتتمع بها واشنطن في ذلك الصدد”.
ويوضح الخبير الاستراتيجي أنه “ثمة حرب عالمية ثالثة أساسها توظيف التكنولوجيا الحديثة، ومن أسلحتها الهجمات السيبرانية، ويظهر ذلك ببين القطبين الكبيرين (روسيا وأميركا) في ملفات الاشتباك بينهما”، مستدلاً على الصراع الحالي بخصوص أزمة أوكرانيا، على اعتبار أنه لا يتوقع تطور الأمر لحرب عسكرية في أوكرانيا قد يدفع ثمنها العالم، بينما تُستخدم الحرب الاستخباراتية والإعلامية والهجمات الإلكترونية، ويبقى التهديد بسلاح الردع النووي والصواريخ استثماراً وتوظيفاً إعلامياً ككارت يتم التلويح به لتقوية الموقف والتأثير على الطرف الآخر.
الحروب الحديثة
وتتباين أدوات الحرب التكنولوجية المختلفة، والتي تمثل فيصلاً جوهرياً في حسم العلاقة بين البلدين، بدءاً من التقنيات العسكرية المتطورة والمزودة بتقنيات حديثة يتسابق البلدان من أجل الحصول عليها وتطويرها بشكل لافت، بما في ذلك أسلحة الردع النووية، وما يشهده مجال التصنيع العسكري من تقدم واسع في سياق الحروب الإلكترونية وأجهزة ووسائل التشويش وتعطيل قدرات الطرف الآخر، وغيرها من الابتكارات العسكرية التي تعطي تفوقاً على أرض المعركة لطرف على حساب الآخر على الصعد القتالية التقليدية المختلفة براً وبحراً وجواً.
تضاف لتلك القدرات العسكرية التكنولوجية المتطورة قدرات موازية لكنها لا ترتبط بشكل مباشر بالمواجهة أو الحرب المباشرة؛ لجهة كونها أدوات وأسلحة “غير تقليدية” تندرج تحت حروب الجيلين الرابع والخامس، ومن بينها الهجمات السيبرانية على سبيل المثال، ضمن “حرب باردة جديدة” بين القطبين.
تقنيات متطورة
يقول مدير المؤسسة العربية للدراسات الاستراتيجية، العميد سمير راغب، في تصريحات خاصة لموقع “الجالية” إن ثمة اختلاف بين توظيف التطور التكنولوجي في الحرب المباشرة، سواء في الأسلحة وكذلك في الحرب الإلكترونية التي تشكل تمهيداً قبل المعركة وقبل التمهيد النيراني، وبين توظيف التكنولوجيا في حروب الهجمات السيبرانية، والتي تمنح الحسم على أرض المعركة المباشرة، لكنها في الوقت نفسه ذات تأثيرات خطيرة ومؤثرة.
ويشير إلى أنه فيما يخص تقنيات وتكنولوجيا الحرب الإلكترونية، فهي عادة ما تكون جزءاً من التصعيد قبل العمليات المباشرة، من بينها التشويش على الرادارات وأجهزة وشبكات الاتصالات، ذلك أنه “في الحروب المباشرة، وقبل الاجتياح البري يكون هناك تمهيد نيراني يسبقه تمهيد إلكتروني بما يتضمن أيضاً السيطرة على شبكات القيادة والإمداد وعمليات الإعاقة لوسائل توجيه الطائرات والقنوات والإذاعات الرئيسية”.
بينما الأمر يختلف فيما يتعلق بالأسلحة غير التقليدية التي يتم توظيف التكنولوجيا فيها خارج ساحات المواجهة المباشرة، إذ يلفت الخبير الاستراتيجي إلى أن “ما يمكن تسميته بالحرب الباردة الجديدة بين القطبين، فإن تلك الحرب ما يميزها عن الحرب الباردة التي استمرت منذ الحرب العالمية الثانية وحتى العام 1991، هي توظيف الحروب السيبرانية وحروب الجيل الرابع والخامس كما يحدث في أوكرانيا حالياً، حيث الاعتماد الروسي على انفصاليين في دونباس كشكل من أشكال حروب الجيل الخامس”، مشيراً إلى أن جزءاً من حروب الجيل الخامس غير المتماثلة هي الحروب السيبرانية.
ويشدد على أنه بينما يمكن القول بأن الأزمة في أوكرانيا الأساس فيها للتفوق العسكري التقليدي، إلا أنه فيما يتصل بالحرب بين الولايات المتحدة وروسيا فليس هناك احتمال لحرب مباشرة، وعادة ما تكون الحروب السيبرانية مستمرة بين البلدين، كما ظهرت في فترة الانتحابات، كجزء من الحرب الباردة الجديدة.. الولايات المتحدة اشتكت كثيراً من الجانب الروسي في هذا الإطار، بينما موسكو تنفي تلك الاتهامات عن نفسها.. وعادة ما تسبق أية مفاوضات فكرة وقف الهجمات السيبرانية”.
وسائل مختلفة للتدمير
وإلى ذلك، يتحدث المدير السابق لكلية الدفاع الوطني بأكاديمية ناصر العسكرية بالقاهرة، اللواء محمد الغباري، في تصريحات خاصة لموقع “الجالية”، عن تطور الحروب وأدواتها بدءًا من حرب الجيل الأول ووصولاً إلى حرب الجيل الرابع التي يقول إنها تصبغ الحالة الروسية الأميركية في الوقت الحالي، ويتم خلالها تطوير أدوات الحرب السابقة التي كانت تستخدم إبان فترة الحرب الباردة بين القطبين قبل انهيار الاتحاد السوفيتي، يعزز ذلك التقنيات التكنولوجية الحديثة.
ويوضح أن هناك ثلاثة عناصر مشتركة بين أي حرب؛ وهي (التشكيلات العسكرية، ووسائل التدمير، والهدف العسكري)؛ ففي حروب الجيل الأول كان الهدف يتمثل في تدمير القوى الأخرى، وكانت التشكيلات العسكرية هي التشكيلات التقليدية (الميمنة والميسرة والقلب)، ووسائل التدمير السيف والرمح وما إلى ذلك، بينما في حروب الجيل الثاني تغيرت وسائل التدمير بعد اختراع البارود، بينما ظل الهدف العسكري ثابتاً، واختلفت التشكيلات العسكرية بإضافة فكرة الأنساق العسكرية والاحتياطيات.
بينما في حروب الجيل الثالث، تغير الهدف العسكري للحرب ليتمثل في “حصار” القوى الأخرى وليس تدميرها، وهو ما اتبعته ألمانيا على سبيل المثال في الحرب العالمية الثانية، وزادت على التشكيلات العسكرية مفارز التطويق العميقة من أجل حصار الخصم، فيما بقيت وسائل التدمير كما هي. بينما في حروب الجيل الرابع كتلك القائمة بين روسيا وأميركا تختلف الأمور، فلم تصبح الجيوش والأسلحة هي وسائل التدمير، واختلفت التشكيلات العسكرية، والهدف تمثل في تدمير المجتمع وليس القوى العسكرية بشكل مباشر، انطلاقاً من أن تدمير المجتمع يقسم القدرات العسكرية.
ويشير إلى أن ثمة أربع وسائل رئيسية تستخدم في حروب الجيل الرابع فيما يتعلق بتشكيلات المعركة، أولها الحرب بالوكالة، وثانياً هدم الدولة من الداخل، وثالثاً الحصار الاقتصادي المؤسسي، ورابعاً الحروب النفسية، وبعض تلك الأدوات تظهر بشكل واضح في علاقة روسيا وأميركا، لا سيما فيما يتعلق بالحصار الاقتصادي المؤسسي كسلاح في تلك الحرب، جنباً إلى جنب وتوظيف التقنيات التكنولوجية والهجمات السيبرانية كآداة من أدوات الحرب لتدمير المجتمع من الداخل وإضعاف قدرات الطرف الآخر