إلفيس بريسلي.. سائق الشاحنة الذي أصبح ملك الثقافة الشعبية الأميركية

كتبت/ نواهل سليمان

لم يكن السيد فيرنون بريسلي يعلم أن وليده الجديد “إلفيس” سيكون ذا شأن كبير؛ ربما اعتبره بشرى خير بعد وفاة توأمه الثاني أثناء ولادتهما في صباح بارد بالثامن من يناير/كانون الثاني عام 1935م.

لكن بالتأكيد أن وفاة أحد طفليه جعلته يحيط الآخر الذي عاش بما يمكنه توفيره من عناية واهتمام رغم بساطة حاله في مجتمع لا يزال يعاني من آثار الكساد الكبير. وبذلك ينشأ إلفيس بريسلي الطفل الذي سيصبح ملك “الروك آند رول” بين أسرة محبة رغم تواضع أحوالها وفقرها.

أسرة فقيرة تنتقل كثيرا

نشأ إلفيس طفلا وحيدا في أسرة فقيرة. عمل والده فيرنون بسلسلة من الوظائف البسيطة، وعام 1938 -حين كان إلفيس في الثالثة من عمره- حُكم على الأب بالسجن 3 سنوات لتزويره شيكا، وقضى بسبب ذلك أقل من عام خلف القضبان.

وبسبب الفقر كانت الأسرة تتنقل دائما، ورغم ذلك كان إلفيس محاطا بالمحبة من جميع المحيطين في مجتمعه الصغير في كل من مدينتي توبيلو وممفيس.

ومنذ صغره كان إلفيس شغوفا بالموسيقى، وفي مدرسته الإعدادية رُشح لعدد من المسابقات وحصل على أول غيتار كجائزة في إحدى المسابقات عام 1946.

وفي عام 1948، انتقلت عائلة بريسلي من توبيلو إلى ممفيس بحثا عن فرص أفضل. وهناك، التحق إلفيس بمدرسة هيومز الثانوية. وتخرج عام 1953 ليصبح أول فرد في أسرته يحصل على الشهادة الثانوية. وبعد التخرج، عمل في محل ميكانيكي وسائق شاحنة قبل أن يبدأ مسيرته الموسيقية بأول تسجيل له مع أغنية “لا بأس” (That’s All Right) في يوليو/تموز 1954 وهو بعد في الـ19 من عمره.

هديته لأمه تُرد له

عندما كان في الـ19 من عمره، دخل إلفيس بريسلي إلى استوديو “ممفيس” (Memphis) ودفع 4 دولارات لتسجيل بعض الأغاني هديةً لوالدته، وعندما سمع صاحب الاستوديو سام فيليبس صوت إلفيس، أعجب بجودة صوته، فدعاه للتدرب مع بعض الموسيقيين المحليين.

وبعد أن سمع فيليبس صوت إلفيس بريسلي وهو يغني أغنية “لا بأس” (That’s All Right) التي منحها بريسلي نكهة ريفية بطابع الغرب الأميركي، وافق على إصدارها كأغنية منفردة ضمن علامة “صن ريكوردز” (Sun Records) التجارية الخاصة به. وانتشر التسجيل بشكل واسع لتبدأ مسيرة بريسلي المهنية.

أولى خطوات النجاح

خلال العام التالي، اجتذب إلفيس عددا متزايدا من المعجبين في الجنوب الأميركي، وفي عام 1955، باعت شركة “صن ريكوردز” عقده إلى شركة “مؤسسة راديو أميركا” (Radio Corporation of America) للتسجيل، مقابل مبلغ قياسي بلغ 40 ألف دولار، وسجلت له المؤسسة ثاني أغنياته “فندق هارت بريك” (Heartbreak Hotel) التي حققت انتشارا واسعا على المستوى الأميركي في أوائل عام 1956. ثم تسجيله أسطوانة كاملة على الوجهين بأغنيتي “كلب الصيد” (Hound Dog) و”لا تكن قاسيا” (Don’t Be Cruel).

ذروة الشهرة

في سبتمبر/أيلول 1956، ظهر إلفيس في البرنامج الشعبي “عرض إد سوليفان” (The Ed Sullivan Show)، وهو برنامج تلفزيوني وطني منوع، ومن خلاله نال إعجاب عدد كبير من المراهقين الذي دخلوا في حالة هستيرية بسبب وجوده على المسرح بمظهره وأغانيه البسيطة.

من عام 1956 إلى عام 1958، ساهم إلفيس بريسلي في التبشير بعصر موسيقى الروك آند رول، وفتح الأبواب لكل من فناني موسيقى الروك. خلال هذه الفترة، قام ببطولة 4 أفلام ناجحة، تضمنت جميعها مقطوعاته موسيقية “أحبيني برفق” Love Me Tender) (1956))، و”جيلهاوس روك” Jailhouse Rock) (1957))، و”أحبك” Loving You) (1957))، و”الملك كريول” King Creole) (1958)).

وفي عام 1957، كان إلفيس شابا مفعما بالحيوية والطاقة في عمر 22 عاما؛ لكن رغم صغر سنه تمكن من دفع مبلغ 102.500 دولار أميركي مقابل شراء قصر غريسلاند في مدينة ممفيس، حيث أصبح منزله لمدة عقدين من الزمن حتى وفاته.

الملك مجندا

في عام 1958، تم تجنيد إلفيس بريسلي في الجيش الأميركي، وخدم لمدة 18 شهرا في ألمانيا الغربية سائقا لجيب عسكرية. وخلال فترة تجنيده سُمح له باستئجار منزل منفصل ليتمكن من العمل والإنتاج في فترات إجازاته التجنيدية، كما تمكن من إبقاء الشباب الأميركي مشبعا بالتسجيلات التي قام بريسلي بتسجيلها قبل مغادرته. جميع الأغاني الخمس التي أصدرها خلال هذه الفترة حققت في النهاية مبيعات قدرت بمليون نسخة.

بعد إنهاء فترته التجنيدية عام 1960، اتجه إلفيس إلى تغيير أسلوبه الغنائي، بالتزامن مع وقوعه في الحب من الشابة بريسيلا بوليو التي ستصبح زوجته الأولى، حيث ركز على القصص الرومانسية الدرامية مثل “هل أنتِ وحيدة الليلة؟” (?Are You Lonesome Tonight)، وتقاعد من الحفلات الموسيقية للتركيز على أفلامه الموسيقية، وقدم 27 فيلما خلال فترة في الستينيات، بما في ذلك “زُرقة هاواي” Blue Hawaii) (1961)) و”تحيا لاس فيغاس” Viva Las Vegas) (1964)) و”فرانكي أند جوني” Frankie and Johnny) (1966)). وفي عام 1967، تزوج من بريسيلا بوليو، وأنجب الزوجان ابنتهما ليزا ماري في عام 1968.

الملك يفقد عرشه

بحلول نهاية الستينيات، وبالتزامن مع التغيرات السياسية والاجتماعية في أعقاب المظاهرات السياسية والحركة الاجتماعية المناهضة للحرب الأميركية في فيتنام خضعت موسيقى الروك آند رول لتغييرات جذرية، ولم يعد إلفيس بريسلي على صلة بالشباب الأميركي وأفكاره الجديدة.

وحاول استعادة جمهوره من خلال عرض تلفزيوني في عام 1968 ونجح في استقطاب العديد من معجبيه، ولكن كان من الصعب إثارة إعجابهم الكامل مرة أخرى كالسابق، وبخاصة مع صعود نجوم الروك وفرقه القوية في نهاية الستينيات.

ما انعكس على مبيعات آخر 10 أغنيات صدرت له في ألبوم “حب محترق” (Burning Love) في عام 1972. ومع ذلك، حافظ ملك الروك آند رول على ثروته الكبيرة من خلال الحفلات الموسيقية المربحة والظهور التلفزيوني المكثف.

اكتئاب ووزن زائد وإدمان

بحلول منتصف السبعينيات، كان إلفيس يعاني من تدهور في صحته الجسدية والنفسية. طلّق زوجته عام 1973 واعتمد بشكل خطير على الأدوية الموصوفة، وصار مدمنا على الوجبات السريعة ما تسبب في اكتسابه وزنا كبيرا بشكل ملحوظ، وفي العامين الأخيرين من حياته، ظهر إلفيس في مراحل غير منتظمة وعاش منعزلا تقريبا.

وفي 16 أغسطس/آب 1977، عُثر عليه فاقدا للوعي بقصره في غريسلاند، وتم نقله إلى المستشفى حيث أعلنت وفاته في ممفيس بولاية تينيسي عن عمر يناهز 42 عاما بنوبة قلبية، على الأرجح بسبب إدمانه، وجلبت وفاة “ملك الروك آند رول” جحافل من المعجبين إلى غريسلاند حيث دفن هناك.

بعد 5 سنوات من العثور على ألفيس ميتا في قصر غريسلاند، فتحت زوجته السابقة بريسيلا بريسلي العقار للجمهور لزيارته. ويتدفق الآن نحو 600 ألف معجب للتجول في القصر، حيث عاش ملك الروك آند رول 20 عاما، وأصبح هذا المنزل الأكثر زيارة بعد البيت الأبيض في أميركا. تديره شركة تجني الملايين تسمى مجموعة شركات ألفيس بريسلي، لذا ليس غريبا أن يحجز إلفيس مكانا له في قائمة فوربس السنوية للمشاهير الأعلى دخلا في العالم حتى الآن.

ثروة تتنامى رغم وفاة صاحبها

رغم وفاته قبل نحو 45 عاما، لا يزال إرث إلفيس بريسلي يدر دخلا سنويا، ففي عام 2019، كسب إلفيس 39 مليون دولار، وفي عام 2020، تم اختياره كأحد المشاهير الأعلى دخلا، حيث حقق حوالي 10 ملايين دولار، من خلال أرباح ثروته العقارية وحقوق استغلال أغنياته، فضلا عن زيارات المنزل الذي عاش ومات فيه أحد أهم المؤثرين في الثقافة الأميركية المعاصرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى