الطلاق الوردي.. لماذا تُزين الدراما المصرية حياة النساء بعد الانفصال؟
كتبت/ ليا مروان
أطلقت شبكة “نتفليكس” (Netflix) الإعلان التشويقي لأحدث أعمالها قبل أيام، وهو المسلسل المصري “البحث عن علا”، الذي يعد الجزء الثاني من مسلسل “عايزة أتجوز” بطولة الممثلة التونسية هند صبري والمصرية سوسن بدر، والذي حقق نجاحا غير متوقع في عام 2010، ودارت أحداثه حول يوميات الصيدلانية الشابة علا عبد الصبور، التي تخطت الثلاثين من عمرها وتنتمي إلى الطبقة المتوسطة، وتبحث عن شريك حياتها، وتتعرض لضغوط من المجتمع والأسرة لتأخرها في الزواج، ومن ثم تحدث مفارقات ومواقف كوميدية يومية مع كل عريس يتقدم لخطبتها.
لكن حسب الإعلان التشويقي للجزء الثاني من المسلسل، فإن علا بعد مرور أكثر من 10 سنوات تواجه تحديا جديدا وهو الطلاق، إذ إنها -على ما يبدو- بعد أن تزوجت وأنجبت، انفصلت عن زوجها، من هنا يرصد المسلسل كيف ستنقلب حياتها رأسا على عقب وتتغير شخصيتها جراء الطلاق.
إذن، هو الطلاق الذي أصبح مادة خصبة للدراما المصرية في مختلف صورها، سواء المسلسلات الكوميدية أو الدرامية الداعمة للمرأة، ولا يحتاج الأمر لكثير من الوقت لأن معظم المسلسلات لا تتخطى العشر حلقات، فينتهي الحال بجملة “طلقني” لتبدأ رحلة وردية من الإنجازات والدعم والنجاح في الاندماج بالمجتمع، بل تحقيق الثروة، وتبدأ أيضا رحلة البحث عن شريك الحياة المثالي، ذلك الفارس الذي ينتظر بطلة العمل بالورود عوضا من السماء عن معاناتها في زواجها السابق.
ربما لم يقصد كتاب هذه الأعمال تيسير الطلاق على النساء بهذه الصورة، لكن تناول قضية اجتماعية شديدة الخطورة بهذه السطحية، وتجاهل التحديات الحقيقية، وتهميش المشكلات الأشد إيلاما المتعلقة بالنفقة وحضانة الأطفال، وتعرض المطلقات للتحرش والتضييق عليهن، وتحمل مسؤولية الأسرة بعد أن تصبح الزوجة هي المعيلة لأبنائها، والأزمات التي يتعرض لها الأطفال، جميعها أمور قد تروج لصورة مزيفة عن واقع الطلاق، وتشجع على تصويره كحل أوحد وأسهل يلجأ إليه المتزوجين.
تغير جوهري
وكشفت نتفليكس أن المسلسل الجديد يركز على حياة علا بعد طلب زوجها منها الطلاق بشكل غير متوقع، وهو ما سبب لها اضطرابا كبيرا زلزل حياتها، فتبدأ في رحلة بحث جديدة، ولكن هذه المرة لا تبحث عن زوج، بل تحاول إعادة اكتشاف ذاتها، والتأقلم مع تحديات واقعها الجديد، كتربية طفليها واستقلالها المادي، وتنطلق لتجربة وعيش مشاعر ومغامرات جديدة، مع صورة مليئة بالحفلات والرقص والسفر والمغامرات، وتجاهل للمعاناة الحقيقة التي يتعرض لها النساء المطلقات في المجتمع المصري.
وعقب نشر المقطع الدعائي، انهالت موجات من الانتقادات للمسلسل الجديد الذي غيّر شكل وأسلوب حياة علا عبد الصبور التي عرفناها في الجزء الأول كفتاة مكافحة من أبناء الطبقة المتوسطة، لكن مظهرها الجديد لا يمت لهذه الصورة بصلة، حيث غيّرت طريقة كلامها، وسكنت في بيت كبير، وصار لديها سيارة فاخرة وترتدي ملابس ومجوهرات ثمينة، وتظهر بقصات شعر مختلفة.
قواعد الطلاق
“البحث عن العلا” ليس العمل المصري الأول الذي تناول الطلاق في صورة الحدث الذي يستحق التجربة والمغامرة، إذ يرصد مسلسل “قواعد الطلاق الـ45” الذي يتم بثه عبر منصة “شاهد”، من بطولة الممثلة إنجي المقدم في دور فريد، حياة 4 سيدات في الثلاثينيات والأربعينيات من العمر، جميعهن مطلقات لأسباب مختلفة، ولكن يجمعهن طلاقهن والمشاكل المصاحبة لذلك.
وتدور الأحداث حول حياة فريدة التي تعمل كاتبة، وكان آخر أعمالها قبل الانفصال هو كتاب بعنوان “دليلك الذكي للزواج السعيد”، وكيف تعيش حياة مزدوجة بين واقعها المأساوي في بيتها وبين تظاهرها بالسعادة للترويج أنها زوجة ناجحة خلال اللقاءات التلفزيونية للإعلان عن كتابها، لكنها تضطر أخيرا لإعلان طلاقها، وتأخذها صديقاتها لعالم العازبات ويواجهن معا التحديدات الجديدة.
وصرحت بطلة المسلسل بأن العمل يقدم العديد من النماذج لمطلقين ومطلقات، ويهدف إلى تعزيز وتمكين المرأة وتشجيعها على اتخاذ القرار السليم، خصوصا عند حدوث الانفصال في الوقت المناسب، وكيفية التغلب على التحديات.
لكن في الوقت نفسه، يركز المسلسل بشكل رئيسي على تحدي البحث عن شريك حياة جديد، وتنتقل الدراما إلى علاقات الصديقات الأربع والتنقل بين الرجال، والدخول في علاقات عاطفية متعددة، والخروج منها بسهولة ويسر، كما همش المشاكل الرئيسية التي تواجهها السيدات المطلقات مثل النفقة ونشأة الأولاد بين الأبوين وحقوق الزوجة بعد انفصالها.
عدوى الطلاق
وفي سلسلة “إلا أنا” التي عرضت قصصا منفصلة مستوحاة من حكايات وشخصيات حقيقة، تركز غالبية أجزاء المسلسل على قضية الطلاق، وكيف تلجأ إليه السيدات لأسباب متنوعة ومختلفة باختلاف ظروف حياتهن ومستواهن المادي والاجتماعي، وبالأخص الجزء الذي يحمل عنوان “حكايتي مع الزمان” من بطولة ميرفت أمين وأحمد خليل.
ويعرض “حكايتي مع الزمان” قصة ميرفت، وهي سيدة لديها ابن و3 بنات، وفي يوم زواج ابنتها الصغرى، قررت طلب الطلاق من زوجها بسبب ما لاقته منه من معالمة قاسية خلال أكثر من 30 عاما عاشتها معه، ولكن بمجرد طلبها الطلاق أصبح الأمر مثل العدوى، فتبدأ بناتها في التفكير بطريقة أمهن بدلا من مواجهة مشاكلهن الزوجية، وكأن الطلاق هو الحل السحري للخلافات الزوجية.
حياة وردية
أما الحكاية الأخرى من سلسلة “إلا أنا” التي ركزت أيضا على قضية الطلاق، فهي قصة “بدون ضمان”، من بطولة هنادي مهنا في دور مريم، التي قررت الانفصال عن زوجها بعد قصة حب طويلة بينهما وضغطها على أهلها لتتزوج منه، وهنا تبتعد القصة عن الواقع، إذ يقبل زوجها سريعا أن يطلقها ويعطي لها كافة حقوقها، ولم تمر بأي لحظات حزن أو آسى نتيجة لما مرت به، بل سرعان ما تمكنت من بدء حياتها من جديد كأن شيئا لم يكن، تمارس الرياضة وتذهب لمقابلة صديقاتها وتفكر في مستقبلها.
كما تبدأ مشروعها الخاص الذي حقق قبولا ونجاحا غير معقول عقب انطلاقه، وقابلت فارس أحلامها الثري الوسيم الذي وقع في حبها سريعا ولا يتمنى شيئا سوى سعادتها، وحتى طليقها سرعان ما اعترف بظلمه لها ولا يزال يستجدي رضاها ويركض خلفها ويتمنى أن تسامحه.
على الهامش
أما في مجموعة حلقات حملت اسم “على الهامش” من مسلسل “إلا أنا”، فقدمت نرمين الفقي قصة السيدة الخانعة البريئة التي يخونها زوجها مع أعز صديقاتها، فتطلب الطلاق، ويستجيب الزوج على الفور، لتكتشف أنه ليس من حقها أي شيء سوء مؤخر صداق زهيد لا يكفي أن يغطي تكاليف حياتها لمدة شهرين، فتضطر للبحث عن عمل، وبعد تجربتي عمل سريعتين، تنتقل إلى العمل في سلسلة محلات كبيرة، وبعد أن كان دورها في العمل بائعة “كاشير”، تتحول إلى مديرة المبيعات فقط لأنها نشيطة ومتحمسة ونقلت مكان عبوات القهوة من الرف السفلي إلى الرف العلوي.
من ناحية أخرى يعود إليها الزوج نادما بعد أن يلتقيها صدفة في مقر عملها الجديد، ويتأكد أن السيدة التي طلقها قبل شهور قليلة ولم تعمل من قبل، استطاعت أن تصبح سيدة أعمال ناجحة في غضون شهور قليلة.
أما حلقات “ربع قيراط” فتدور حول ريهام عبد الغفور “منى” الزوجة الأصيلة المتفانية في التضحية من أجل زوجها “الخائن”، لكنه يقرر الزواج من أخرى ويطلقها، لتبدأ حياتها الجديدة في البحث عن عمل، وبالطبع تنجح في عملها، الذي تلتقي فيه بشاب يعجب بها منذ النظرة الأولى، وبعد سلسلة من الأحداث يعود الزوج الأول نادما بعد أن خسر أمواله ليطلب السماح من زوجته منى، التي ترفضه وتقبل الزواج من شخص آخر بشرط أن تستمر في عملها.
يبدو من الرائع أن تقدم الأعمال الفنية جرعة من التفاؤل والدعم للنساء اللواتي يخضن تجربة الطلاق، ومن الجيد أيضا أن تؤسس الدراما أن الطلاق ليس نهاية المطاف، لكن الجرعة الزائدة من الترويج للطلاق باعتباره خطوة سهلة، بل بعدها مباشرة ينتظر النساء النجاح المهني والدعم المجتمعي والحب الحقيقي، أمور تحتاج إلى مزيد من التوازن لرصد الواقع بمشكلاته الحقيقية، حتى لا تصبح الدراما مرآة خادعة للجمهور.