السينما تتنبأ قبل إيلون ماسك باحتلال الفضاء
كتبت / ليا مروان
خرج رجل الأعمال إيلون ماسك مؤخرا بتصريح جديد حول السفر للمريخ، والذي يرى أنه سيتم خلال 5 سنوات، وعلى أقصى تقدير بعد 10 سنوات.
وهو ليس التصريح الأول لماسك المنشغل دوما بالكوكب الأحمر ويحلم بإقامة مستعمرة بشرية على سطحه، ولكن ماسك ليس الأول الذي ينظر بعيدا إلى الفضاء باعتباره مسكنا جديدا للبشر، فمنذ عرف الإنسان أنه يسكن كوكبا سماه الأرض ويوجد مثله كثير من الكواكب طمح في كوكب آخر يحمل حياة ربما تكون أكثر رخاء.
والسينما كوسيط يعبر عن أفكار البشر قدمت العديد من الأفلام التي افترضت قدرة الإنسان على استيطان الكواكب الأخرى، مع تفسيرات مختلفة للهدف من ذلك، ولكن الأكثر أهمية من هذه التفسيرات والأهداف هو الأفكار التي تكمن وراءها، ورؤية الإنسان لهذه الجغرافيا الكونية الواسعة، والسبب الذي يجعله يسعى إليها على الرغم من امتلاكه كوكبا مثل الأرض قدم له على مدار آلاف السنين كل ما يحتاجه للحياة.
الاستعمار الجديد للفضاء
حتى بدايات النصف الثاني من القرن الـ20 كانت الكرة الأرضية تنقسم إلى نوعين فقط من البلاد: دول استعمارية، وأخرى مستعمَرة، ثم بدأت حركات التحرير التي أعادت كل بلد إلى أصحابه، قبل أن تبدأ أنواع أخرى من الاستعمار مثل الثقافي والاقتصادي، لتثبت أن الفكر الاستعماري كامن في العقل البشري، الأمر الذي ظهر في الأفلام السينمائية بطبيعة الحال.
فكما رأى الإنسان أن من حقه استعمار أرض جاره للحصول على خيراتها فإنه ينظر بالطريقة ذاتها إلى الكواكب الأخرى التي قد تحمل كنوزا وثروات تستحق المغامرة.
ومن أحدث الأفلام التي احتل فيها البشر كواكب أخرى “الكثيب” (Dune)، إنتاج 2021 وإخراج دينيس فيلنوف.
تدور أحداث الفيلم في مستقبل بعيد نسبيا استطاع فيه البشر السفر عبر الكواكب، ويحكم هذا الفضاء الممتد إمبراطور ومجموعة من العائلات الأرستقراطية التي يسيطر كل منها على أحد الكواكب بهدف استنزاف ثرواته، خاصة أراكس الذي يقدم مادة ضرورية للغاية للتنقل بين الكواكب هي “الأسبايس”، ويصبح مسرحا للصراع بين هاتين عائلتين.
في الوقت ذاته، يحاول السكان الأصليون التحرر من هذه العبودية وامتلاك السيطرة على كوكبهم والأسبايس الضروري لحياتهم اليومية، ويأتيهم الأمل في هذه الحرية على يد بول أتريدس الذي يحارب معهم ضد المتوحشين.
تتشابه صراعات تحرير أراكس مع تلك التي خاضتها العديد من البلاد المستعمرة، حيث يمكن وضع أي منها محل الكوكب البعيد، وبدلا من الأسبايس سنجد ثروات أخرى، مثل البترول أو القطن أو التوابل أو الذهب أو أي مزية طبيعية أخرى، وهذا منطقي بالرجوع إلى زمن نشر الرواية التي اقتبس منها الفيلم في منتصف الستينيات، أي خلال فترة نشاط الحركات التحررية.
ففرانك هربرت كاتب رواية “الكثيب” استخدم نفس المفهوم الاستعماري الشائع في الغرب مع الاستعاضة عن الأرض بالفضاء، ليعكس رؤية الإنسان لهذا الكون الشاسع من حوله الذي لا يمثل له سوى منجم ذهب لم يتم اكتشافه بعد.
تم تقديم هذه النظرة الاستعمارية للفضاء كذلك في فيلم “الصورة الرمزية” (Avatar) إخراج جيمس كاميرون وإنتاج 2009، والذي تدور أحداثه في منتصف القرن الـ22 عندما احتل البشر كوكب باندورا للحصول على أحد المعادن النادرة التي لا توجد سوى على سطحه، ويدخلون في صراع مع سكان الكوكب الأصليين، لنشاهد كيف يحاول الرجل الأبيض وضع بصمته الآثمة على الفضاء، في سيناريو تكرر من قبل عشرات المرات على الأرض.
الملاذ في الفضاء
لكن بالإضافة إلى الآمال الاستعمارية للبشر في الفضاء ينظر بعضهم إليه أحيانا كملجأ أخير، فهم يعلمون أنهم استنفدوا قوة الأرض على مر القرون ما بين الحروب والأسلحة النووية والتلوث والتغيرات المناخية ونقص الغذاء والصراع على المياه، وبنظرة متشائمة يتوقعون أن يرد كوكبنا الأزرق الصاع صاعين لنا يوما ما.
قدم المخرج الأميركي كريستوفر نولان هذه النظرة للفضاء في فيلمه الشهير “قائم بين النجوم” (Interstellar) إنتاج 2014، وفيه ينتشر التلوث على الأرض ويغطي التراب كل شيء فيهلك الزرع ويصاب البشر بالأمراض، ومع اقتراب عاصفة رملية أشد لا يجد البشر ملاذا سوى في رحلة انتحارية يقوم بها أحد الطيارين السابقين بحثا عن كوكب آخر صالح للحياة البشرية.
ويمكن اعتبار فيلم آدم مكاي “لا تنظر للأعلى” (Don’t Look Up) تنويعا جديدا على النغمة ذاتها، وفيه تقترب حياة البشر من خط النهاية بهبوط نيزك عملاق.
وعلى الرغم من تحذيرات العلماء المسبقة فإن الإدارات السياسية الدولية تقرر عدم تفجير النيزك للاستفادة من المعادن الثمينة التي يحتويها، فيضرب الأرض بالفعل، ولا تبقى على قيد الحياة سوى مجموعة من الصفوة والأغنياء الذين يستقلون مركبة فضائية بحثا عن كوكب آخر صالح للسكن.
نيزك آدم مكاي هو مجاز واضح عن التغيرات المناخية التي تهدد الحياة على الأرض، والتي اتفق ضمنيا الساسة ورجال الأعمال حول العالم على تجاهلها، لأن ما يحتاجه كوكبنا للتعافي يضر عددا كبيرا من الصناعات التي يعتمد عليها الاقتصاد الرأسمالي، وبالتالي توقع المخرج والمؤلف أن تنتهي الحياة البشرية ولن نجد ملجأ لنا سوى في كوكب آخر نبدأ في تدميره بالآلية ذاتها التي ندمر بها حياتنا الآن يوما بيوم.
إذن، الفضاء في الأفلام يمثل للإنسان مجازات مختلفة، فأحيانا هو حقل عامر بالثروات التي تنتظر البشر للفوز بها، وفي أحيان أخرى هو الأمان الباقي من الأرض الغادرة، وسيظل دوما بغموضه وشاعريته مثيرا للخيال السينمائي.