تحويل النيل إلى شريان ملاحي.. هل يكون الحل لأزمة سد النهضة؟
كتبت/ نواهل سليمان
عرضت مصر على الجانب الأميركي مشروعات لتحويل نهر النيل إلى مجرى ملاحي دولي يمتد من البحر المتوسط إلى بحيرة فيكتوريا، في ظل الخلافات بين القاهرة ودول المنبع وعلى رأسها إثيوبيا حول تقاسم مياه النهر.
جاء ذلك خلال لقاء وزير الموارد المائية والري المصري محمد عبد العاطي بخبير المياه لدى الإدارة الأميركية ماثيو باركس، ونائبة السفير الأميركي بالقاهرة نيكول شامبين، بالإضافة إلى ممثلين آخرين عن السفارة الأميركية.
وأوضحت وزارة الموارد المائية والري في بيان لها أن المشروع يهدف إلى تحويل النهر إلى “شريان ملاحي” يربط دول حوض النيل، ويضم ممرا ملاحيا وطريقا بريا وخط سكة حديد، بالإضافة إلى عملية ربط كهربائي وكابل معلومات، بما يضمن تحقيق التنمية الشاملة للبلدان المعنية.
من جانبه، قال أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية في جامعة القاهرة عباس شراقي لـ”الجالية” إن المفاوضات بين مصر وإثيوبيا جادة منذ 2011 والجانب الإثيوبي لا يريد قبول أي بديل بخصوص سد النهضة، مضيفا أنه في مايو 2018 كان هناك اجتماع لوزراء الري والخارجية ورؤساء المخابرات في مصر والسودان وإثيوبيا وتم الاتفاق على تشكيل لجنة علمية محايدة من الدول الثلاث، وإنشاء صندوق للتنمية والبنية التحتية.
وبين أن المشكلة أنه لا يمكن وضع أموال في صندوق التنمية وتفعيلها إلا بعد الاتفاق على الخطوط العريضة بشأن السد، فإثيوبيا رفضت بشكل تام أي مساعدة من مصر تخص سد النهضة، وذلك رغم أزمتها الاقتصادية واحتياجها لمصر، وهو موقف إثيوبي يتسم بالعنجهية، وبالتالي لن يتم الربط الكهربائي إلا بعد حل مشكلة سد النهضة الأساسية.
الربط الملاحي
وأضاف أنه “يمكن الربط بين مصر والسودان بطرق برية وسكك حديدية، وكذلك الربط بين دول النيل الأبيض عبر ممر ملاحي في نهر النيل، يربط بحيرة فيكتوريا بالبحر المتوسط، وسيخدم دول كينيا وتنزانيا وأوغندا، لكن ذلك لن يكون لإثيوبيا علاقة به وسيكون خاص بالنيل الأبيض، لأن النيل الأزرق نهر قوي والانحدارات فيه شديدة ولا يمكن عمل ممر ملاحي فيه”.
وبين أن ” الدول الإفريقية المطيرة لديها مشاكل في النقل البري، والطرق تكون مقطوعة بسبب الأمطار، لكن المراكب يمكنها السير في الأنهار حتى في الأجواء المطيرة، والربط الملاحي سيواجه عقبات لأن طول الطريق قرابة 3500 كيلومتر، كخط مستقيم وعند استخدام النهر في التنقل تصبح المسافة قرابة 6 آلاف كيلومتر، وهناك سدود تعيق الملاحة في النهر تبدأ من بحيرة فيكتوريا، وبالتالي هناك صعوبة في عبور المراكب من البحيرة لمجرى النهر، وبالتالي يمكن لمصر مساعدة الدول الإفريقية من بحيرة فيكتوريا حتى البحر المتوسط بحيث نجعل النهر صالحا للملاحة بشكل ما”.
وأشار إلى أن المشكلة تكمن في وجود توتر بين مصر وإثيوبيا، وتصريحات مستفزة من الجانب الإثيوبي وهو ما يحول دون أي تعاون، ويقف عائقا أمام أي دعم مصري للتنمية في إثيوبيا، لكن على مصر الاستمرار في استخدام قوتها الدبلوماسية في الضغط على إثيوبيا عبر التواصل مع الدول الكبرى في العالم لإجبار أديس أبابا على التوصل إلى اتفاق مع مصر والسودان، وعودة الجانب الإثيوبي لرشده، وتخليها عن تعنتها في هذا الملف عبر الضغط السياسي الدولي، لا سيما وأن الوضع داخل إثيوبيا غير مستقر.
سد النهضة ورقة انتخابية
وبين أن “أي حكومة إثيوبية تفكر بشكل جدي في سد النهضة ستجد أن هذا المشروع له تكلفة عالية وهو ليس في صالح إثيوبيا، وإنما يستخدم كورقة ضغط لمحاولة إثبات أن الحكومة قوية ولها شعبية، فالحكومة الإثيوبية روجت كثيرا لإنتاج الكهرباء، لكنها لم تستطع ذلك حتى الآن، وحتى لو أنها تمكنت من توليد كهرباء من السد، لن يستفيد منها الشعب الإثيوبي لعدم امتلاكه شبكة صالحة لنقل الكهرباء للداخل وبالتالي ستعمل على تصدير هذه الكهرباء للسودان”.
مشروع غير مجدي
كما كشف شراقي عن أنه “بعد اكتمال السد سيعرف الشعب الإثيوبي أنه لن يستفيد منه كثيرا، وستكون الحكومة هناك في مأزق شديد، وبالتالي من مصلحتها أن يستمر بناء السد أطول فترة ممكنة، وأن يظل التوتر مع مصر قائما في الوقت الحالي على الأقل، حتى تروج للداخل أنها في مشاكل مع القاهرة، ويتم إطلاق تصريحات نارية لزيادة الشعبية، لذا سد النهضة هو كارت سياسي بالنسبة للحكومة الإثيوبية للفوز بالانتخابات”.
واعتبر أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية في جامعة القاهرة أن “السد ليس نهضة لإثيوبيا وليس خرابا على مصر، لكن مشكلة مصر والسودان أن خزانه ضخم، وبالتالي يجب الوصول لاتفاق حتى لا يصل التخزين لـ74 مليار متر مكعب وهو حجم ضخم جدا، وحال حدوث فيضانات أو زلازل أو أي سبب يؤدي لانهياره سيتحول إلى كارثة مدمرة وطوفان على السودان وليس مجرد فيضان، وهو تهديد يجب العمل عليه في الفترة المقبلة”.
وحول ما يجب أن تقوم به القاهرة أكد خبير المياه الدولي أن مصر يجب أن تستخدم علاقاتها مع الدول العربية التي لها مصالح في إثيوبيا للضغط على الحكومة الإثيوبية حتى يتم التفاهم والوصول لاتفاق عادل بشأن المياه، مستبعدا استخدام مصر للخيار العسكري في ظل أن “هذا المشروع فاشل بالنسبة لإثيوبيا ولن يتم استخدامه في الزراعة هناك، لعدم وجود أراض زراعية كافية صالحة لاستهلاك كميات كبيرة من المياه، فضلا عن أن السد العالي يعوض أي عجز في المياه وبالتالي التأثير على مصر سيكون محدودا جدا”.