التاريخ لمن يدفع أكثر.. الآثار المصرية سلعة رائجة بالمزادات ومواقع الإنترنت
في هدوء، وبلا أي اعتراض رسمي مصري معلن، باعت دار سوثبي للمزادات (Sotheby’s) مطلع ديسمبر/كانون الأول الجاري 13 قطعة أثرية مصرية، في واقعة ليست الأولى، وربما لن تكون الأخيرة، خاصة أن مواقع الإنترنت التي تبيع الآثار المصرية بشكل علني تتزايد يوما بعد يوم.
وتضمنت القطع التي باعتها دار المزادات تميمة من الذهب على شكل “معبودة الحرب” عند الفراعنة “سخمت” بسعر خمسين ألف دولار، وغطاء تابوت داخلي ملون بحالة رائعة بمبلغ 116 ألف دولار.
كما بيع عدد من الأقنعة والتماثيل، بينها ثلاثة تماثيل أوشابتي (وهي تماثيل مصغرة تدفن مع الموتى) لقائد الأسطول الملكي في عصر الأسرة 26، تراوحت أسعارها بين 6300 و15 ألف دولار.
التاريخ لمن يدفع أكثر
واعتادت دار “سوثبي” (أكبر دور المزادات مبيعا في العالم) على بيع الآثار المصرية خلال السنوات السابقة، وتنافسها في ذلك دار “كريستيز” في لندن، التي باعت في يوليو/تموز الماضي تمثالا نادرا لرأس “توت عنخ أمون” بنحو ستة ملايين دولار، رغم الاعتراضات المصرية الرسمية وقتها.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي باعت “كريستيز” في مزاد أقامته بمدينة نيويورك مجموعة من الآثار المصرية، من بينها تابوت خشبي بحالة نادرة يعود إلى الحقبة الوسيطة الثالثة (945-889 ق.م)، وبيع بثلاثة ملايين و255 ألف دولار.
بدورها تنظم “دار بونهامز” البريطانية مزادات عديدة لبيع الآثار المصرية، كان آخرها في 28 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وتضمن نحو ثلاثين قطعة أثرية.
وكان من بين الآثار المهمة التي بيعت في هذا المزاد تمثال من الحجر لامرأة (ملكة أو معبودة) يرجع إلى بدايات العصر البطلمي، وبيع بنحو 98 ألف دولار، بالإضافة إلى أربع جرار كانوبية (آنية استخدمها قدماء المصريين لتخزين وحفظ أحشاء الموتى) بيعت بمبلغ 62 ألف دولار.
بيع بلا رقيب
لا يقتصر الأمر على دور المزادات الكبرى، فهناك عشرات المواقع الإلكترونية التي تعرض آلاف القطع الأثرية المصرية للبيع المباشر أو عن طريق المزادات، وتتم عملياتها في هدوء، ولا يبدو أنها تلفت انتباه السلطات المصرية التي لا تتحرك إلا إذا أثيرت ضجة إعلامية وشعبية.
من بين الكثير من المواقع التي رصدتها الجزيرة نت يبرز موقع “ميدوسا آرت” (medusa art) الكندي، وهو أحد أشهر تجار الآثار على الإنترنت، ويخصص قسما للآثار المصرية القديمة يعرض مئات القطع الأثرية المتنوعة بحالات رائعة، ترجع إلى حقب زمنية مختلفة، وأغلبها بيع بالفعل كما يشير الموقع.
وتشمل معروضات الموقع تماثيل كاملة ونصفية وأوشابتي، بجانب الآنية التي يزيد عمر بعضها على أربعة آلاف عام، وحلي مختلفة الأشكال، فضلا عن لوحات حجرية منقوشة باللغة الهيروغليفية.
موقع آخر يعمل منذ سنوات في بيع القطع الأثرية والمصرية خاصة، وهو موقع “إنجنت ريصورس” (ancient resource) الذي أسسه الأميركي غابرييل فاندفورت، ويقول إنه حصل على القطع الأثرية من مزادات عالمية ومتاحف كبيرة في أوروبا وأميركا.
ويبيع الموقع آثارا مصرية متعددة، تشمل تماثيل وأقنعة وتمائم وحليا وأسلحة بدائية وعملات نقدية، بجانب مجموعة من كتان المومياوات.
بدوره يبيع موقع “بركات جاليري” مجموعة من روائع الآثار المصرية، تشمل التماثيل واللوحات الحجرية المنقوشة بالهيروغليفية والأقنعة.
ولا يعرض الموقع أسعارا لأغلب معروضاته، كما لا يقدم تاريخ امتلاك القطع المعروضة، ويكتفي بنبذة تصف تاريخها ومادة صنعها، وتتوزع هذه القطع على معارضه المختلفة في بريطانيا وأميركا وهونغ كونغ والإمارات وكوريا الجنوبية.
اعلان
ومن بين المعروضات التي يقدمها الموقع مجسم للمعبود “آمون” على هيئة كبش بسعر 22 ألف دولار، وتمثال حجري للصقر “حورس” بسعر 25 ألف دولار.
كما يقدم موقع “لابادا” (LAPADA) الذي يضم مجموعة كبيرة من تجار الآثار والأعمال الفنية، أكثر من مئتي قطعة أثرية مصرية.
وبجانب المواقع المتخصصة، تنتشر عروض بيع الآثار المصرية على مواقع المزادات الإلكترونية الشهيرة مثل كاتاويكي وإيباي.
وسبق أن رصدت وزارة الآثار عام 2013 نحو ثمانمئة قطعة أثرية معروضة للبيع على إيباي، وحاولت وقف بيعها، لكن إدارة الموقع ردت آنذاك بأنه إذا أرادت مصر استرداد هذه القطع فعليها أن تشتريها.
تحركات منقوصة
تقول وزارة الآثار المصرية إنها تتابع كافة المزادات العالمية، والمواقع الإلكترونية الخاصة ببيع وتجارة الآثار، وتتواصل مع أصحابها للمطالبة بشهادات رسمية تثبت ملكية الآثار المعروضة.
ووفقا لتصريحات سابقة لمدير إدارة الآثار المستردة شعبان عبد الجواد، فإنه إذا لم يتم تقديم شهادة الملكية يعتبر الأثر مسروقا أو مهربا، وتبدأ محاولات استعادته.
لكن في حالات أخرى صرح مسؤولون بأنهم يكتفون بمقارنة معروضات المزادات بالقطع المفقودة من مصر، وإذا لم تكن ضمنها فلا يتم اتخاذ إجراءات بشأنها.
وتشير أرقام وزارة الآثار المصرية إلى أن أكثر من 32 ألفا وستمئة قطعة أثرية فقدتها مصر على مدار أكثر من خمسين عاما، في حين يقدر الأمين العام لاتحاد الأثريين العرب محمد الكحلاوي أن 30% من آثار مصر فقدت منذ عام 2011، وتقدر قيمتها بثلاثة مليارات دولار.
وتعلن القاهرة من حين إلى آخر استرداد قطع أثرية مسروقة ومهربة، ولكن تواجه عملية استرداد الآثار غالبا صعوبات بالغة، خاصة أن الجهات المالكة ودولها تشترط بدورها على مصر إثبات ملكيتها، أو خروجها بطريقة غير مشروعة.
وفشلت وزارة الآثار في استرداد العديد من القطع النادرة، كما حدث في واقعة بيع تمثال “توت عنخ أمون”، وقبلها بيع تمثال الكاتب الفرعوني “سخم كا” الذي كان مملوكا لمتحف “نورث هامبتون” البريطاني، وتم بيعه في مزاد بدار كريستيز عام 2014 بمبلغ قياسي بلغ 15.8 مليون جنيه إسترليني.
ويلجأ البائعون عادة إلى وثائق قد لا يمكن التأكد من صحتها تزعم خروج هذه القطع من مصر قبل اتفاقية اليونسكو وقبل صدور قانون حماية الآثار المصري عام 1983، حتى أن إحدى معروضات دار المزادات استندت إلى ورقة صغيرة مكتوبة بخط اليد على قاعدة إحدى القطع الأثرية لإثبات ملكيتها وخروجها بصورة شرعية.
ثغرات القانون
كانت القوانين المصرية تعطي بعثات التنقيب الأجنبية الحق في الحصول على نصف الآثار المكتشفة، في وقت كانت فيه تجارة الآثار مشروعة، حتى أن بازار المتحف المصري بالقاهرة كان يبيع الآثار المكررة.
وظل استنزاف الآثار المصرية إلى الخارج متواصلا بشكل رسمي حتى صدور قانون حماية الآثار 117 لسنة 1983 الذي حظر تجارة الآثار، وخفض النسبة التي تحصل عليها البعثات الأجنبية من الآثار المكتشفة إلى 10% بشرط التكرار، ولأغراض البحث العلمي والعرض المتحفي فقط.
وفي فبراير/شباط 2010 تم تعديل القانون لتصبح جميع الآثار المكتشفة ملكا للدولة.
وبينما أُغلق الباب الرسمي لخروج الآثار من البلاد، فإن أبوابا أخرى للتهريب استمرت عبر عصابات منظمة تضم بعض المسؤولين الكبار أو تحظى برعايتهم، وتقدر بعض التقارير والإحصاءات غير الرسمية حجم سوق تجارة الآثار في مصر بنحو عشرين مليار دولار سنويا.