مصطفى بكر داغر صانع العود: ورثت الحرفة من آبائي وأجدادي.. وورشتي بحدائق القبة تجسد صمود حرفة صناعة العود يدويً
كتب/ عاطف طلب
كان العود ولا يزال مضرب المثل في الطرب الموسيقي، وقبل في أصالة آلة العود: منّ لم يطربه العود وأوتاره فهو فاسد المزاج وليس له علاج”، أي أن العود هو مقياس للطرب.
ولاقى العود في مصر على مدار التاريخ احتفاءً خاصًا به، حيث برزت أسماء من المخضرمين في العزف عليه إلى جانب براعة تصنيعه بالطريقة اليدوية التقليدية. ولا يزال بعض الصناع يعملون على إعادة إحياء تصنيع العود يدويًا، في وقت تتعرض هذه الحرفة للاندثار، ويحاول أصحابها الصمود في وجه صناعته الآلية التي يعتبرونها دخيلة على الفن.
“الجالية” التقت مصطفى بكر داغر، أحد الصامدين أمام رياح الموسيقى الدخيلة ليحافظ على بقاء العود كآلة موسيقية لها تاريخ.
وقبل أن تحتار في الاسم، فنعم هو ابن شقيق الموسيقار المصري العالمي عبده داغر، الذي يسميه البعض بيتهوفن الشرق، لكن من وجهة نظرنا أن عبده داغر في منطقة منفردة وله مملكته الموسيقية التي لا ينازعه فيها أحد.
“داغر” قال لموقع “الجالية”: لا يزال العود يقف وسط الآلات الموسيقية الشرقية شامخًا ومحتفظًا بجمهوره الواسع من “السمّيعة” وعشاق الطرب الأصيل، إذ يُعرف بأنه “سلطان الآلات العربية “، ولا يوجد ما يضاهي مكانته في التخت الموسيقي.
واوضح داغر أن ورشته بحدائق القبة تجسد الصمود اليدوي في أقوى صوره، حيث تتنقل العين بين تفاصيل إبداعية أقرب إلى الروائع الفنية إلى جانب جمال صوته وتميزه.
حدثني عن البداية؟
صناعة آلة العود ترجع إلى الآباء والأجداد، وهذه كانت بوابة دخولي إلى عالم الإبداع، والمهارة الفائقة والتي تعلمت فيها فنون تصنيع العود بكل أجزائه ومراحله، حيث شاهدت خلالها تصنيع كثير من الأعواد على يد جدى ومن بعده والدى، وورشتي مستمرة حتى الآن في حدائق القبة على نهج أبي وجدي.
كيف كانت مهارة الوالد في ذلك؟
والدى بكر داغر ورث المهنة عن والده وهو في السادسة من عمره وبرع في صناعة العود على مدى سنوات طويلة.
وماذا عن الجد؟
بدأ الجد مصطفى داغر الكبير في العزف على العود في مدينة طنطا قبل أن يشرع في صناعته منذ 1940 وتتلمذ على يديه مجموعة كبيرة من الفنانين فقد كان منزله ملتقى للفنانين والموسيقيين.
هل اقتصر نشاط العائلة على التصنيع؟
لم يقتصر نشاط العائلة على صناعة العود فحسب بل تعدى لمنافسة كبار العازفين حول العالم حتى خلدت ألمانيا اسم عمى العازف عبده داغر بإنشاء تمثال في حديقة الخالدين في برلين والذى يعد موتسارت العرب الذى صاحب بيتهوفن.
والفنان عبده داغر أحد أهم من أنجبت الموسيقى العربية عبر تاريخها كعازف لآلة الكمان والعود والذى أسس منهج دراسي عربي لتعليم الموسيقى وتتلمذ على يديه آلاف الموسيقيين من جميع أنحاء العالم.
كيف تتطور صناعة العود؟
للعرب دور كبير في تطوير آلة العود، فيعتبر العود من أهم الآلات الشرقية والعربية على الإطلاق فهو كما قيل فيه “سلطان الآلات ومجلب المسرات” بتفوقه وسيطرته على جميع الآلات الشرقية عموما والعربية، فالعود الآلة الأولى في التخت الموسيقى العربي.
مع بداية القرن العشرين بدأ الازدهار الحقيقي والمعاصر لآلة العود وخاصة بعد إنشاء معهد الموسيقى العربية عام 1923، ليثرى الحياة الفنية في مصر والعالم العربي بفضل فنانين دارسين للآلات الموسيقية.
ما أهمية العود في التخت الشرقي؟
العود آلة ضرورية في التخت العربي لما لها من مكانة خاصة عند الملحنين والاستغناء عنه من رابع المستحيلات وذلك يرجع لسهولة العزف عليه ووضوح الأصوات النابعة منه.
متى بدأت أنت ممارسة المهنة؟
بدأت ممارسة المهنة وأنا صغير، وعمري المهني حاليًا سنوات طويلة صنعت خلالها مئات الأعواد سواء لشخصيات عامة أو فرق موسيقية.
شعورك بعد هذه السنوات؟
صانع العود يعطى من روحه “نفسه” فيما يصنعه وهى حقيقة ربانية تؤثر على أصوات ونغمات العود هذا بالإضافة إلى الخامة المصنع منها.
الأبانوس أفضل أنواع الأخشاب في صناعته.. والسوقين المصري والسعودي الأفضل
أهم خامات تصنيع العود؟
الأهم في صناعة العود هو الخشب حيث يتوقف درجة نقاء الصوت والذى يؤثر على صوته ونغماته وفقًا لنوع الخشب فجميع الأخشاب تأتي من إفريقيا والهند فهناك خشب “زان، بلوط، ورد، جوزتركي، صندل، ابانوس، وصاج هندي” والمجنة والفينجى والبليساندر والورد والجوز كل منها لها صوت مختلف ويعد أفضل أنواع الأخشاب هو خشب الأبانوس لقدرته على إعطاء أكبر درجة من نقاء الصوت، إلى جانب أن طريقة تقفيلة تتحكم في شكل النغمات الصادرة منه.
وعن الصنعة؟
لكل صانع عود لمسة خاصة به تستطيع أن تميز صانعه من خلال شكل “القصعة” أو “رقبة العود” وكذلك شكل الواجهة.
وذلك يرجع إلى وجود خامات خشب جيدة في ذلك الوقت وهو ما كان يتيح لهم العمل والإبداع في تصنيع الآلة الوترية الموسيقية الوحيدة التي يحتضنها العازف ليصدر نغمات موسيقية خرجت من قلبه أولا قبل أن يصدرها من عوده.
ما مراحل تصنيع العود؟
يمر العود بعدة مراحل خلال تصنيعه قبل أن يصدر في شكله النهائي، نقطعه على شكل أضلاع، ثم نقوم بكيّه وتبريده وصنفرته، وبجعل جانبيه متساويين تمامًا، ولا بد أن يتطابق الجانب الأيسر تمامًا مع نظيره الأيمن، وهكذا نعالج الخشب، بحيث يقاوم العوامل الجوية، بشكل سليم ومتناسق
ثم يتم تشكيل سائر أجزائه مثل الرقبة وبيت المفاتيح، إلى أن يتم ربط الظهر والوجه، وفي كل مرحلة لا بد أن أشعر بالرضا والانسجام، لأحصل في النهاية على العود الذي سيضيف لي كحرفيّ، وسيُرضي الفنان.
ثم نبدأ بالقصعة وهى الجزء الخلفي للآلة ثم ننتقل إلى واجهة العود “الوش” ومن ثم الجزء الأخير الذى تثبت به الأوتار ويسمى “الرقبة” وهناك بعض الابتكارات التي أضافها صانعو العود على الآلة.
عمي عبده داغر من أفضل من أنجبت الموسيقى العربية
كيف تنحكمون في جودة الصوت؟
الحصول على الصوت الرائع المطلوب للعود يتوقف على عدة عوامل منها نوع الخشب المستخدم، ونوع الأوتار، لكن في الوقت نفسه يبقى أهم عامل هو مهارة الحرفي وبراعته في التصنيع اليدوي، فإنه وحده الذي يستطيع أن يجعل العود بصوت رائع حتى لو استخدم (فتلة صنارة) بدلاً من أغلى أنواع الأوتار».
كيف ترى العود حاليًا؟
أشعر بالحزن لأن المهنة النادرة في طريقها للاندثار في مصر، رغم الطلب المتزايد عليها، وذلك بسبب ارتفاع أسعار المواد الخام والأخشاب من جهة، ومن جهة أخرى ندرة الحرفيين الذين يهتمون بتعلمها وتطويرها.
فالعود هو روح الموسيقى، لأنه لا يوجد عود يشبه الآخر، فمن يعمل في صناعة العود لا بد من تسخير كافة حواسه لخدمته حتى ينتهى منه.
والأسعار؟
يختلف سعر العود وفقاً لنوع الخشب المصنع منه وتختلف درجة الأصوات وفقاً لنوع الخشب، وهناك خشب الورد معطياً صوت الجاهور، وخشب الجوز معطياً صوت “حنين”.
..والأوتار؟
هناك المصري والصيني والألماني ويفضل في صناعته الأوتار الألماني، ونظرًا لارتفاع سعرها استبدلها بالأوتار الصيني وأنها تكفي لسد الغرض وليست سيئة، بينما تصنع الأوتار المصرية من النحاس ولكن يستخدمها في صناعة أوتار العود للمبتدئين، إلا إذا جاء مبتدئ ويريد أوتار بعينها وفقاً للمواصفات التي أوصى به معلمه.
أوتار العود تنقسم الى قسمين:
قسم القرارت والذى يصنع من الحرير الملفوف بالنحاس، وقسم الجوابات والذى يصنع من البلاستيك وهو خامة معينة كل وتر بسمك معين وكل وتر يختلف عن الآخر.
ما الفرق بين عود المحترف والمستجد في التعلم؟
لا فرق سوى المرأة التي توضع على الرقبة الخاصة بالعود فيوضع عليها التقسيمات الموسيقية حتى يسير عليها في البداية، وكذلك الأوتار تصنع من النحاس المصري، ويصنع من خشب الزان وهو أرخص أنواع الخشب في عالم أخشاب العود، بينما مع المحترف تظل المرأة ممسوحة من السلم الموسيقي لأنه يحفظها جيدًا.
وأصعب مرحلة في التصنيع هي تجميع أجزاء العود معًا وتسمي مرحلة “التقفيل” حيث تمثل الصعوبة في ضبط الوجه مع “القصعة” وهي المجوفة بالتزامن مع خزنة الصوت، ولكل عود خزنة للصوت توضع داخله وتعمل على تجميع الصوت داخل تجويف العود وإطلاقه بشكل أقوى، وهي عبارة عن صندوق خشبي مستطيل له أبعاد معينة وتبدأ مقاستها من 9 سم حتى 11 سم، وهذه الأبعاد تكن بصورة تقديرية من الصانع.
ماذا عن التصدير؟
العود المصري له اسم وتاريخ يباع في الخليج، خاصة بالسعودية، فحركة بيع العود بالسعودية مثلها في مصر بشكل كبير، إذ يباع فى مصر لعدد أغلبهم من طلاب الموسيقى ممن يبحثون عن العود التعليمي بالإضافة إلى العازفين وطلاب بيت العود، وهناك دول تنافس مصر فى صناعة العود، لكن يظل العود المصرى العود الشرقى هو الأصيل.
حلمك لآلة العود؟
حلمى للعود كبير أن أطور فى شكله وإن كنت عملت بعض التحديثات وأهم تطوير هو “الزند” الثابت بحيث يكون الاثنين قطعة واحدة خاصة أن الزند العادى يكون على قطعتين مربوطة بخابور قد يؤثر بعد فترة على الأوتار لذلك كانت فكرة الزند الثابت وجاءت ممتازة جدًا وأعجبت العازفين.
وحلمك؟
أحلم أن يتم تعليم آلة العود والعزف عليه في جميع المدارس لأن الفن ينعكس على شخصية الطالب بحيث يكون طالب سوى مرهف المشاعر.