رواية «أحلام صهيل الخيول».. عزيمة في مواجهة المحن!
بقلم: عمرو الأمير
إنني أؤمن بالتأثير النفسي الكبير للرواية البِكْر لأغلب الأدباء؛ إذ لم تكن نفس الأديب تنحو لكتابة هذا النوع الأدبي إلا لوجود مخزون من المشاعر المكبوتة، التي أخذت تبحث طويلًا عن مخرج لها، فلا تجد غير القالب الفني، ولن تجد أفضل من الفن الروائي، إذ يسقط مداد القلم ليسطّر رواية إلا إذا عاش الكاتب تفاصيلها في خياله، وتأثر بها تأثرًا كبيرًا، وهذا ما ألحظه في رواية «أحلام صهيل الخيول» للأديبة والإذاعية شيرين فكري.
توجد بالرواية عدة آليات فنية، استطاعت الكاتبة من خلالها أن تخطط لجوانب قصتها؛ ومنها: رسم الشخصيات، واسترجاع الأحداث أو «الفلاش باك» وهي آلية تتكرر كثيرا، والفانتازيا وهو ما يتمثل في ظهور طيف «حورية» ومحاوراتها مع «مالك»، وتنويع الرواة في السرد حيث نجد الراوي المعلق على الأحداث، والراوي العليم بالتفاصيل، وغيره ذلك من الآليات الفنية. لقد حرصت شيرين فكري على أن تقوم حبكة الرواية على الفلاش باك في مواضع كثيرة تصل إلى 12 مرة، إذ يسترجع «مالك» مواقفه مع «حورية» منذ أن عرفها، وأحلامهما معًا، ثم لقاءاته السابقة مع خصومه «أحمد عاصم» ووالده «الشرقاوي»، و«مرام» المرأة اللعوب، وخطيبته الخائنة. إن الكاتبة لم تشأ أن تبدأ الرواية بتسلسل زمني منتظم، بل تخلل هذا التسلسل استرجاع الذكريات، وفي ذلك إظهار لمدى الآلام التي يشعر بها «مالك»، إذ إن الذكريات أشد مرارة من المصيبة حين وقوعها، لأن المصيبة تترك آثارا لا تندمل إن خسرنا معها أحباءنا الذين عشنا معهم أجمل الذكريات. لذا أرى أن الكاتبة وُفّقت تمامًا في استعمال آلية الاسترجاع الزمني لإظهار المآسي التي يعيشها مالك، والتي استطاع التغلب على آثارها والنجاح في حياته، وتحقيق حلم المنتجع السياحي الذي كان أملًا يراود زوجته الفقيدة «حورية».
ثم نأتي إلى إبداع ريشة الكاتبة في رسم شخصيات حكايتها؛ فقد حالفها التوفيق في هذا الجانب أيضًا؛ إذ إن طبيعة هذه الشخصيات وأنماطها وسماتها في الرواية كلها تسير متناسقة مع تصرفاتها؛ فـ«مالك» البطل المثابر، الذي عانى من خيانة خطيبته السابقة «مريم»، وأكمل الزمان عليه الضربات بخيانة صديقه «عاطف»، وزاده لطمة بوفاة زوجته حبيبته «حورية» التي عوضته من مصيبة خيانة «مريم» واحتوته وأبدلته فرحًا بعد حزنًا، ووفاءً بعد خيانة، ثم تلقى خبر وفاة فرسته المفضلة «ماتش»، ثم فاجأه صديقه المجرم «أحمد عاصم» بحرب شعواء محاولًا الضغط على والده ليبيع له فيلا العائلة، ولما فشل حاول قتل «مالك» وأرسل عصابته لإشعال النار في الفيلا، كل هذه المصائب واجهها مالك بصبر وجلد، وحسم وعزم، وقد استخدمت الكاتبة قدراتها في رسم طبيعة شخصية مالك ودور التربية الأسرية؛ لتقنع القارئ أن هذا الرجل ما كان ليصمد أمام عواصف هذه المصائب إلا لسمات شخصية فيه.
أما شخصية «حورية» فقد رسمتها الكاتبة في صورة المرأة المدبرة، الحريصة على تحصيل العلم والقراءة والاهتمام بالتفاصيل، إنها تمثل المرأة الواعية المثقفة، التي لديها القدرة على وزن الأمور بميزان الحكمة، فكانت سماتها الشخصية مرتبطة ارتباطًا عميقًا بدورها في الرواية، فكانت البطل الحقيقي المحرك للأحداث. وهكذا تسير الكاتبة في تصوير السمات النفسية والتصرفات لشخصيات الرواية؛ لتكون نبراسا يضيء أسباب تصرفاتهم وأدوارهم في القصة.
ولنأتِ إلى آلية استخدام الرواة؛ فنجد «الراوي العليم»، وهو عليم بحقيقة شخصيات الرواية ونواياهم وأهدافهم، وقد ظهرت شخصية الراوي العليم في رسم الشخصيات كما أوضحنا، وتفسير تصرفاتهم والتنبؤ بها كذلك. ثم الراوي «المعلّق على الأحداث»، وتظهر شخصيته في تعليقاته على تصرفات الشخصيات ومآلات نواياهم. وإن كان الراوي العليم هو النوع الأكثر شيوعًا في الروايات، فإن الكاتبة أضافت إليه الراوي المعلق؛ وذلك لأن روايتها تهدف إلى إيصال رسالة سامية؛ وهي أنه لا يصح إلا الصحيح، ومَن زرع حصد. إنها لم تكن تهدف لكتابة عمل أدبي بغرض الإمتاع الفني فقط، إن لها هدفًا، وإن لها رسالة تريد إيصالها، رسالة إلى القابضين على جمر الحياة، وإلى المثابرين من أجل تحقيق أحلامهم، وإلى المحبطين لئلا يتركوا طموحاتهم تغرق أمام سيل المصائب والمعوقات.
وإذا انتقلنا إلى الحبكة الروائية، تظهر أمامنا قدرة الكاتب على توظيف جميع أحداث الرواية؛ من تصرفات الشخصيات، وتسلسل زمني، وغيرها، لتسير بشكل فني مترابط ومتناسق نحو حل العقدة أو نهاية المشكلة أو اللغز أو الصراع. ولقد سارت أحداث الرواية مسيرة موفقة منذ البدء حتى الانتهاء.
ولم تنسَ الكاتبة إرواء شغف القارئ بمعلومات قيمة عن طبيعة الخيل، فقد أفردت في آخر الرواية 6 صفحات تحت عنوان «حقائق مذهلة» فيها معلومات هي جديدة عليّ؛ إنها أول مرة أعرف أن الخيل تتميز بامتلاكها خمسة قلوب؛ الأول في الجهة اليسرى في الصدر، وواحد في كل حافر ليساعد في إكمال الدورة الدموية للأطراف؛ وأن عدد الأصوات التي يطلقها الخيل 8 أصوات.
وإن كانت الرواية الأولى للكاتبة على هذا القدر من الفنية والإبداع، فهي بداية مبشرة لمسيرتها الناضجة في العالم الروائي، لتحوز مكانة كبيرة بين الروائيين، على أن تستمر في العطاء الإبداعي والتطوير الفني لإنتاجاتها.