هكذا أنقذ الضباب الرئيس وغيّر تاريخ أميركا
يصنف جورج واشنطن كأحد أهم الشخصيات بتاريخ الولايات المتحدة الأميركية حيث قاد الأخير البلاد للخروج عن الهيمنة البريطانية بفضل إسهاماته العسكرية في خضم حرب الاستقلال كما شغل أيضا منصب أول رئيس للولايات المتحدة الأميركية فاستمر في المنصب لنحو 8 سنوات ما بين عامي 1789 و1797 قبل أن يفارق الحياة يوم 14 كانون الأول/ديسمبر 1799 عن عمر يناهز 67 سنة.
في الأثناء، كاد مستقبل الولايات المتحدة الأميركية أن يتغير بشكل كامل مع جورج واشنطن سنة 1776. فخلال ذلك العام، كاد بطل الاستقلال الأميركي أن يلقى حتفه رفقة الآلاف من جنوده المنتمين للجيش القاري (Continental Army) بمنطقة نيويورك لولا تدخل بعض العوامل الطبيعية التي ساهمت في إنقاذه في اللحظات الأخيرة من براثن البريطانيين.
معركة بروكلين
وتعود أطوار هذه الواقعة لأواخر شهر آب/أغسطس 1776. فقبل 4 أشهر من معركة ترينتون (Trenton)، التقى الجيش القاري بالقوات البريطانية بمعركة بروكلين (Brooklyn) المعروفة أيضا بمعركة لونغ آيلند ضمن واحدة من أكبر معارك حرب الاستقلال.
فعقب تراجعهم من بوسطن خلال شهر آذار/مارس 1776، وجّه البريطانيون أنظارهم نحو مدينة نيويورك واضعين خطة لعزلها رفقة كامل منطقة نيوإنجلند عن بقية المستعمرات. وبالتزامن مع ذلك، نقل جورج واشنطن عددا هاما من قواته نحو نيويورك أملا في الدفاع عنها و عن مينائها الذي اعتبره موقعا استراتيجيا.
وانطلاقا من ذلك، استعدت قوة بريطانية تكونت من 32 ألف جندي لمواجهة قوات الجيش القاري التي قدر عددها بنحو 19 ألف جندي بقيادة واشنطن. ومع اقتراب الجيش البريطاني، عبر القائد الثوري الأميركي رفقة جنوده النهر الشرقي ليمر من مانهاتن نحو بروكلين استعدادا للدفاع عنها.
هزيمة جورج واشنطن
وفي خضم معركة بروكلين، تلقت قوات الجيش القاري هزيمة قاسية حيث سقط نحو ألفي فرد من قوات واشنطن بين قتيل وجريح وأسير بينما لم تتجاوز الخسائر البريطانية المائة جندي. وبفضل تضحية فرقة تكونت من 400 جندي انحدروا من ماريلاند، أفلت نحو 9 آلاف جندي من الجيش القاري من الأسر حيث أمّنت هذه الفرقة انسحاب بقية الجنود نحو مرتفعات بروكلين. وأمام استحالة انتصاره وتضييق البريطانيين الخناق عليه، أمر جورج واشنطن ما تبقى من جنوده بترتيب عملية انسحابهم عبر النهر الشرقي.
ولإنجاح عملية الانسحاب، التي كانت شبه مستحيلة بسبب تواجد البريطانيين على مقربة منهم، استولى رجال جورج واشنطن على كل المراكب القريبة لاعتمادها في عبور النهر بشكل سري ليلا مستغلين عتمة الظلام لتجنب البريطانيين.
إنقاذ الضباب لجورج واشنطن وجنوده
في غضون ذلك، تدخلت يوم 29 آب/أغسطس 1776 بعض العوامل الطبيعية التي ساهمت في إنقاذ جورج واشنطن وقوات الجيش القاري الناجين. بعد يوم ممطر أعاق تقدم البريطانيين، واصلت قوات واشنطن طريقها نحو النهر عقب اجتيازها لمناطق مليئة بالوحل. ومع اقتراب موعد شروق الشمس وزوال الظلام، تخوّف جورج واشنطن من انكشاف أمر عملية الانسحاب وهجوم بريطاني مباغت قد يتسبب في مقتله رفقة العديد من الجنود الذين ظلوا على الجهة المقابلة من اليابسة. لكن وبشكل مفاجئ، حلّ خلال ساعات الصباح الأولى ضباب كثيف بالمنطقة جعل الرؤية شبه منعدمة من على بعد 20 قدما. وبفضل هذا الضباب، واصل الجيش القاري انسحابه من المنطقة بشكل آمن حيث فضّل البريطانيون انتظار انقشاع الضباب لمواصلة ملاحقتهم للأميركيين.
لاحقا، تفاجأ البريطانيون برحيل الجيش القاري بأكمله من المنطقة حيث ساهم هذا الضباب في إنقاذ حياة آلاف الجنود الأميركيين الذين نجوا من براثن القوات البريطانية رفقة قائدهم جورج واشنطن الذي ركب على متن آخر قارب نجاة غادر المكان نحو مانهاتن لتتواصل بذلك الحرب الثورية التي انتهت باعتراف بريطانيا باستقلال الولايات المتحدة الأميركية.