كابوس 1996 يخيم على أفغانستان.. آلاف يفرون من “الشبح الأسود”
ويوثق شرفاني في حديث مع موقع “الجالية” الحقائب والأمتعة التي حزمها مع زوجته تمهيدا للمغادرة إلى مدينة مردان الباكستانية المجاورة، ومنها إلى الولايات المتحدة خلال شهور قليلة.
فشرفاني، كما غيره من الأفغان الذين عملوا مع القوات الأميركية يواجه خطر القتل من طرف حركة طالبان المتطرفة، إذ إنه تعتبره واحدا من أولئك المتعاونين مع القوات الأميركية، الذين تعهدت الولايات المتحدة بإجلائهم أثناء انسحابها، ويضاف إليهم عشرت الآلاف ممن يعتبرون أنفسهم خصوماً لطالبان بسبب نظامها المتشدد.
ويروي حكاية عائلته التي اضطرت أكثر من مرة للهجرة من بلدها،ويقول: “كان والدي حتى أواخر الستينيات يُعتبر من الوطنيين الأفغان، الذين تمت محاربتهم من قِبل الأحزاب الشيوعية الأفغانية طوال السبعينيات. وقتها لجأ والدي الذي كان مُدرساً جامعياً لمادة الكيمياء إلى باكستان، وهناك ولدت”.
وتابع: “عاد والدي مع والدتي أفغانستان منذ أوائل التسعينات، لكن سيطرة حركة طالبان المُتطرفة دفعته بعد سنوات قليلة للهجرة إلى المملكة المتحدة، لنعود سوية عام 2002 بعدما اسقطت الحركة. وهجرتي الآن إلى الولايات المُتحدة هي الثالثة لعائلتنا خلال أقل من أربعة عقود، لكنه يبدو وكأنه قدر أفغاني”.
طالبان تقترب والجميع خائفون
وخيار الرحيل بات لا رجعة عنه، فمقاتلو طالبان أستولوا على أجزاء واسعة من ولاية “وردك” الأفغانية، المجاورة للعاصمة كابل، وتعتبرها بوابتها الجنوبية الحيوية، الأمر الذي دفع القوات الأميركية لقصف مواقع الحركة للمرة الأولى منذ شهور، فقط لتأخير اندفاعة الحركة نحو العاصمة السياسية وأكبر مُدن البلاد.
مؤشرات قطع تذاكر الطيران من أفغانستان، والازدحام الشديد للمعابر الحدودية البرية التي تربطها مع باكستان وطاجكستان وأوزبكستان، تدل على أعداداً كبيرة من الأفغان يفرون إلى خارج البلاد قبل تبدل الأحوال بعيد الانسحاب العسكري الأميركي.
الناشطة المدنية الأفغانية سهرداد مغلوب شرحت في اتصال مع موقع “الجالية” أسباب هذه الهبة من النزوح، وتقول: “حقيقة أن طابور المستعدين لمغادرة البلاد ليسوا فقط من المتعاونين مع القوات الأميركية أو السفارات الأجنبية، وإن كان هؤلاء على رأس القائمة. فتخيل إعادة سيطرة حركة طالبان على المراكز الحضرية وبالذات العاصمة كابل، يُعيد للأذهان ما جرى خلال العام 1996، حيث بطشت الحركة بكامل النخب السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والمدنية في المدينة”.
طالبان تهدد شريحة واسعة
وتابعت: “لذا فإن جميع أعضاء الطبقات الأفغانية، والذين تكاثروا بشكل استثناني خلال السنوات الثمانية عشر الماضية، إنما يستعدون لمغادرة البلاد مباشرة، ولو لفترة مؤقتة، حتى يتمكنوا من استقراء الأوضاع العامة في الشهور الستة الأولى بعد الانسحاب الأميركي”.
الأمر المقلق بالنسبة للمجتمعات المحلية الأفغانية، بالذات من الطبقات التي تعتبر نفسها خصما لحركة طالبان المُتطرفة، هو هشاشة البنية العسكرية والأمنية التي للحكومة الشرعية في البلاد، التي تبدو فاشلة في مواجهة التهديدات، فكل يوم ثمة سقوط لمديرية أو مقاطعة أفغانية أخرى بيد الحركة، التي تُخليها مباشرة من مؤسسات الدولة، وتعيد فرض أحكامها المتطرفة على السكان المحليين.
مساعدات لا تحمي
الاجتماع الثلاثة الذي عقده الرئيس الأميركي جو بايدن مع الرئيس الأفغاني أشرف غني ومنافسه عبد الله عبد الله لم يُقدم أية تطمينات مباشرة لكثير من الأفغان، ففي وقت كان الرئيس الأميركي يشدد على حق الأفغان في تقرير مصيرهم، مع إضافة عبارة “العنف لا معنى له ويجب أن يتوقف”، التي لم تكن تعني شيئا لكثير من الأفغان.
الرئيس الأفغاني، من جانبه، يؤكد أن الجيش النظامي قد استعاد ستة مقاطعات خلال الجمعة الماضية، لكن الصورة مختلفة تماما، فوكالات الأنباء تنقل أخبارا متواترة عن استيلاء الحركة على مزيد من المقاطعات.
أما المساعدات والتعاون اللذين أبدا بايدن رغبته في استمرارهما، فلا تبدوان قادرتان على سد الفجوة التي سيتركها الانسحاب الأميركي، وفق خبراء.
والمتابعون للمشهد الأفغاني أبدوا خشيتهم من خسارة أفغانستان لكامل رأسمالها البشري دفعة واحدة خلال أسابيع قليلة. فالسنوات الثمانية عشرة الماضية حدثت تنمية اجتماعية وثقافية وتعليمية، وحتى اقتصادية وسياسية، في مختلف المراكز الحضرية في البلاد، بشكل صارت فيه الطبقة الوسطى الأفغانية تشكل ثقلاً ديموغرافياً في البلاد.
وهذه الطبقة ترى نفسها مهددة تهديدا وجوديا في حال استيلاء طالبان على البلاد.
بعض الجمعيات النسائية والشبابية والمدنية الأفغانية، التي أصدرت بيانات ومارست تحركات عبرت فيها عن استعدادها للتسلح والدخول في مواجهة مباشرة ضد حركة طالبان، لكن ذلك موضع شكل، ففي ظل غياب الأحزاب السياسية العقائدية المنظمة، فإن أية جمعيات أو تنظيمات مدينة لن يتنجح في تحقيق زخم شعبي مضاد لحركة طالبان.