كورونا زاد فقراء فرنسا.. والطلبة والمهاجرون من الأكثر تضررا

كتبت / أصال سمير

كشف تقرير رسمي في فرنسا، أن وباء كورونا كان له أثرٌ بالغ على الوضع الاقتصادي الاجتماعي في فرنسا، فأدى إلى زيادة الفقر، بشكل ملحوظ، لكن الأزمة كانت أقل حدة بالمقارنة مع 2008، والفضلُ في ذلك يعود إلى ما قدمته الحكومة من مساعدات.

بعد مرور أكثر من سنة على انتشار وباء كورونا، أصدر المجلس الوطني لسياسات مكافحة الفقر والاستبعاد الاجتماعي بتكليف من الحكومة الفرنسية، أول تقرير له عن تطور مستوى الفقر في فرنسا خلال الأزمة الصحية، مكون من 150 صفحة، يرصد الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والنفسية للوباء.

وتعلق رئيسة المجلس، فيونا لازار، عقب التقرير قائلة “إن الأزمة الصحية لم تخلق فقراء أكثر من الأزمة الاقتصادية لعام 2008 ، ويرجع الفضل في ذلك جزئيًا إلى المساعدات الحكومية.

وتشير بيانات المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية الفرنسي، إلى أن نحو 300 ألف شخص فقدوا وظيفتهم بين ديسمبر 2019 وديسمبر 2020 ، مقابل مليون في عام 2008، كما أثرت الخسارة الفعلية في الدخل على 41 في المئة، على الفئة العمرية 18-24 عامًا، و 42 في المئة للفئة 25-44 عامًا و37 في المئة للفئة 45-59 سنة”.

في المقابل، عبرت عن صدمتها من إلحاق الأزمة “خسائر فادحة بالشباب والطلاب في لحظة محورية في حياتهم، قد تكون لها عواقب سلبية على المدى الطويل”.

محنة الطلبة

وفي هذا الشأن، يقول أحمد من المغرب، الذي تخرج حديثا من كلية الاقتصاد بمدينة غرونوبل، جنوب شرقي البلاد في تصريحه لموقع “سكاي نيوز عربية” إنه يعاني من ضيق الحال وضغط نفسي كبير.

ويتابع “تمنحنا فرنسا بعد التخرج من إحدى مدارسها أو كلياتها سنة للبحث عن عمل قبل العودة إلى بلدنا الأصلي. لكن مع تداعيات الأزمة الصحية، لم يعد من السهل الحصول على فرصة. حاليا أقيم في السكن الجامعي وأستفيد من المساعدات الغذائية وبعض الوجبات من الجمعيات. وينطبق هذا الحال على المهاجرين كما الفرنسيين من أصدقائي. أحيانا أجد نفسي واقفا في صفوف الانتظار إلى جانب العشرات من الفرنسيين، من الطلبة والعاطلين عن العمل”.

وجاء في التقرير  أن الأزمة أدت إلى انخفاض، وفي بعض الأحيان إلى فترات انقطاع طويلة عن العمل، لا سيما العاملين لحسابهم الخاص، والعاملين المؤقتين أو بعقود محددة المدة. كما يؤكد أن الزيادة في عدد المستفيدين من المساعدات الغذائية تعكس حقيقة أن جزءًا متزايدًا من السكان يكافح من أجل سد الرمق.

ويبدو أن المساعدات الاجتماعية لم تحم العديد من الأسر من الفقر، كما أن تدابير البطالة الجزئية لم تحم الموظفين المستقرين، وهذا ما يؤكده بلال من تونس في حديثه لموقع سكاي نيوز عربية، “كنت أعمل نادلا بإحدى المقاهي بباريس، وبعد الإقفال دخلت في بطالة جزئية ما يعني دخلا أقل. وبعد مرور حوالي تسعة أشهر أعلن صاحب المقهى إفلاسه وأصبحت بدون عمل”.

وأضاف بلال “علي إعالة أسرتي المكونة من طفلين وزوجتي التي فقدت بدورها عملها ودفع الديون المتراكمة. في أحيان كثيرة ألجأ إلى المساعدات الغذائية وتضامن الجمعيات”.

مهاجرون في عين العاصفة

وفي اتصال موقع “سكاي نيوز عربية” مع رئيس مكتب المنظمة الدولية “التحالف من أجل الحرية والكرامة” بباريس، علي فينجيرو، يوضح أن الفئة الأكثر تأثراً مادياً بأزمة كوفيد19 هي طبقة المهاجرين غير النظاميين.

ويقول “حقيقة أنهم غير نظاميين تحرمهم من جميع أشكال الحماية الاجتماعية الملازمة للعمال أو العاطلين عن العمل. إذ تم طرد العديد منهم من وظائفهم لعدم تمكنهم من الاستفادة من برنامج البطالة الجزئي الذي توفره الحكومة. وذلك نظرًا لعدم إدراج هذه الفئة من السكان في أرقام البطالة، ولم يتم اتخاذ أي تدابير لإبقائهم في العمل”.

ويضيف “يمر الطلاب الأجانب كذلك في فرنسا بوقت عصيب، فقد لاحظنا بعد عدة أشهر فقط من بداية الوباء، توصلهم ببعض المساعدات الضئيلة، من خلال تدابير مثل سلال التضامن بالشراكة مع عدد قليل من سلاسل التوزيع الكبرى. لكن، من الواضح أنها غير كافية خاصة بالنسبة للذين لم يتلقوا مساعدة من أقاربهم وأولئك الذين كانوا يعتمدون على وظائف بنصف دوام لتلبية احتياجاتهم، إذ أنها تختفي بمرور الوقت بسبب الأزمة. مثلا قطاع توصيل الوجبات تطور خلال هذه الأزمة، غير أن المنافسة بين العاملين في هذا المجال أصبحت أكثر شراسة”.

أما المسؤول عن متجر بقالة التضامن في مدينة روبيه، شمالي فرنسا فريد أشوش، فلم يعد قادرا على استيعاب كل القصص المأساوية والشهادات المفجعة التي تمر على مسامعه يوميا.

ويشرح لموقع “سكاي نيوز عربية” أنه عبر متجر البقالة التضامني، يتم السماح للأشخاص الذين يواجهون صعوبات اقتصادية بالتسوق واختيار المنتجات التي يرغبون في استهلاكها ، بجودة عالية وبثمن لا يتعدى 20 في المئة من قيمتها الأصلية.

وتتم إحالة الأشخاص المستفيدين إلى متجر البقالة التضامني بعد دراسة ملفاتهم من طرف مساعد اجتماعي، على أن يتم تمكين كل زبون مستفيد من تنفيذ مشروعه الشخصي في وقت وجيز.

الموظفون الفقراء

ويلاحظ أشوش أنه في مدينة روبيه التي يعيش فيها أكثر من 40 في المئة من الساكنة تحت عتبة الفقر، ظهور “طبقة جديدة من الموظفين الفقراء” الذين لا يتوفرون إلا على الحد الأدنى من الأجر.

ويصرح متأسفا “مع الإقفال العام، ظهرت مصاريف جديدة أثقلت كاهل الأسر، من بينها ارتفاع فاتورة الماء والكهرباء والغاز بسبب الزيادة في الاستهلاك خصوصا على مستوى التدفئة، والحاجة إلى شراء حواسيب لمتابعة الدراسة عن بعد بالنسبة للأبناء. ومع إقفال المطاعم في المدارس، يتوجب على الأسر تحضير المزيد من الوجبات ما يعني نفقات أكثر”.

ومن الحالات الإنسانية التي طبعت ذاكرة هذا الناشط المدني، أم من مالي لعشرة أطفال، تتبادل الحذاء الوحيد في المنزل مع أبناءها. “كانت صدمة كبيرة عندما علمنا أن طفلا ينتظر عودة أمه ليستطيع الخروج، فقط لأنه لا يملك حذاء”.

وبلغة الأرقام، يقيس فريد أشوش هذا الانفجار كل يوم. إذ زاد عدد العائلات التي تلجأ إلى متجر البقالة التضامني بانتظام في المناطق الشمالية من المدينة من 100 إلى 700. ما دفعه إلى فتح نقطة استقبال ثانية في غربي المدينة، تساعد أكثر من 120 أسرة بعد أسبوع واحد فقط من انطلاقها.

وبحسب التقرير، من المرجح أن يرتفع عدد الأشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر زيادة حادة في عام 2021 ، ولتقدير مدى هذا التغيير، يقترح المجلس الوطني لسياسات مكافحة الفقر والاستبعاد الاجتماعي بحلول الخريف نظام “بارومتر” ربع سنوي لرصد آثار الأزمة على السكان الأكثر ضعفا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى