سرقَ سفينة حجاج هنود في البحر الأحمر.. عملات عربية قديمة ظهرت في أميركا قد تحل لغز قرصان القرن الـ17
كتبت/ ليان مروان
في عام 2014 اُكتشف -بواسطة جهاز للكشف عن المعادن- عملة عربية من القرن الـ17 في بستان بولاية رود آيلاند شمال شرق الولايات المتحدة وهي أصغر ولايات أميركا التي كانت أول المستعمرات الـ13 التي أعلنت عصيانها على السلطات البريطانية في 1776.
وفي السنوات التالية، اكتشف هواة آخرون -مهتمون بالبحث عن الكنوز الأثرية- المزيد من العملات العربية التي تعود لنفس الفترة الزمنية في جميع أنحاء منطقة نيو إنغلاند التي تقع بها ولاية رود آيلاند، وكانت تلك الاكتشافات محيرة للباحثين؛ إذ لم ينخرط المستوطنون الأوروبيون الأوائل في العالم الجديد بأعمال تجارية مع العرب، بحسب مؤرخي تلك الحقبة، فكيف وصلت العملات العربية إلى المستعمرات الجديدة؟
يربط بحث جديد أجراه المؤرخ الهاوي جيم بيلي مجموعة من الاكتشافات في ورقة جديدة تحاول ملء تفاصيل لغز عمره أكثر من 3 قرون، وتساعد المؤرخين في حل اختفاء القرصان الذي فقد أثره منذ زمن طويل.
عملات يمنية في أميركا
بيّن تقرير ويليام جيه كول لوكالة “أسوشيتد برس” (Associated Press) أن بيلي عثر على أول عملة من القرن الـ17 -تم سكها باليمن عام 1693- في بستان فواكه بعد عامين من اكتشافه لعدد من العملات المعدنية الأخرى التي تعود إلى الحقبة الاستعمارية.
ويمكن أن تُثْبت العملات العربية المكتشفة حديثا -وهي من بين أقدم العملات التي تم التنقيب عنها في أميركا الشمالية- أن قبطان سفينة قرصنة بريطاني سيئ السمعة يدعى جون إيفري (اسمه الأصلي هنري إيفري) وصل إلى نيو إنغلاند بعد أن اختفى -على ما يبدو- في عام 1696 على إثر أعمال قرصنة وحشية، ونشر بيلي النتائج التي توصل إليها في مجلة بحثية لجمعية النقود الأميركية.
وقال بيلي لوكالة أسوشيتد برس “إنه تاريخ جديد لجريمة شبه كاملة”.
وبعد أن عثر بيلي على العملة الأولى، اكتشف باحثون آخرون -بواسطة أجهزة الكشف عن المعادن- 10 عملات معدنية أخرى في ماساتشوستس، شرق الولايات المتحدة، و3 في رود آيلاند، واثنتين في ولاية كونيتيكت؛ حتى إنه جرى اكتشاف عملة معدنية في ولاية كارولينا الشمالية، حيث زُعم أن إيفري هبط مع طاقمه بعد أن انتحل صفة تاجر رقيق.
قالت سارة سبورتمان -وهي عالمة آثار في ولاية كونيتيكت- لوكالة أسوشيتد برس “يبدو أن بعض أفراد طاقمه (القرصان إيفري) كانوا قادرين على الاندماج والاستقرار في نيو إنغلاند”، وتابعت “لقد كان الأمر أشبه بمخطط لغسيل الأموال”.
وقد ولد هنري إيفري في عام 1653، وهو أحد أشهر القراصنة الإنجليز في القرن الـ17، وخدم في البحرية الملكية وعمل على سفن القراصنة والعبيد -(التي كانت تجارة مزدهرة آنذاك)- قبل أن يتحول إلى القرصنة في عام 1691، وذلك وفقا لموسوعة “بريتانيكا” (Britannica) البريطانية.
سفينة الحجاج
في 7 سبتمبر/أيلول 1695 قاد إيفري سفينته إلى البحر الأحمر -بحسب دراسة نشرتها مطبعة جامعة “كامبردج” (Cambridge)، ليستولي على سفينة تعود لسلطان مغول الهند أورنكزيب عالم كير (1618 – 1707) آخر سلاطين مغول الهند العظماء والابن الثالث للشاه جيهان الذي تميز حكمه بالازدهار.
وكانت السفينة -التي تدعى كنج سواهي- تقل حجاجا مسلمين عائدين إلى الهند من مكة المكرمة، وكانت محملة أيضا بالذهب والفضة والمجوهرات، وكما كتب غرايم ماسي في صحيفة “إندبندنت (Independent) البريطانية قام طاقم القراصنة بغزو السفينة، وقتلوا الرجال واغتصبوا النساء بحسب الروايات التاريخية.
بعد ذلك، هربوا جميعا من منطقة الشرق الأوسط إلى جزر البهاما، ملاذ القراصنة في البحر الكاريبي، حيث بيعت سفينة القرصنة أو دمرت.
لكن إمبراطورية مغول الهند لم تغض الطرف عما جرى بحق سفينة السلطان ورعاياه، لذا قامت بإغلاق العديد من المراكز التجارية لشركة الهند الشرقية الإنجليزية في الهند؛ وعلى إثر ذلك أعلن ويليام الثالث (1650 – 1702) ملك إنجلترا وأسكتلندا وأيرلندا مكافآت مالية كبيرة لأي شخص يتمكن من أسر إيفري وشركائه، وفي النهاية تم القبض على العديد من أفراد طاقمه و شنقهم أو نفيهم.
ومن ناحية أخرى، نجا القرصان إيفري من الأسر، ولا يزال مصيره مجهولا، ولم يكن لدى المؤرخين سوى دليل على أن المسؤولين الحكوميين اعتقلوا 6 من أفراد طاقم السفينة بالقرب من الساحل الأيرلندي في عام 1696، لكن القبطان القرصان نفسه لم يُعثر عليه في أي مكان.
اختفاء القرصان
ولكن الآن، يقدم بحث المؤرخ الهاوي بيلي دليلا على أن القرصان سيئ السمعة وطأت قدمه أميركا الشمالية، حيث تظاهر بأنه تاجر رقيق في تسعينيات القرن الـ19، وقام باستعباد أسرى سود من جزيرة لاريونيون الفرنسية (في المحيط الهندي، شرق مدغشقر). وتشير الوثائق أيضا إلى أن إيفري وطاقمه حصلوا عام 1696 على سفينة جديدة رست في نيوبورت، وتحديدا في برود آيلاند التي أصبحت مركزا رئيسيا لتجارة الرقيق في أميركا الشمالية في القرن الـ18، وذلك مع حوالي 48 شخصا مستعبدا، وفقا لأسوشيتد برس.
وقال بيلي لوكالة أسوشيتد برس إن “هناك وثائق أساسية توضح أن المستعمرات الأميركية كانت قواعد عمليات للقراصنة”.
وحصل المؤرخ الهاوي بيلي على إجازة الأنثروبولوجيا من جامعة رود آيلاند، وعمل باحثا في الاستكشافات الأثرية لحطام السفن، ونشر النتائج التي توصل إليها في مجلة بحثية لجمعية النقود الأميركية، وهي منظمة مكرسة لدراسة العملات المعدنية القديمة.
وقال كيفن ماكبرايد -وهو أستاذ علم الآثار في جامعة “كونيتيكت” (Connecticut)- “إن أبحاث بيلي لا تشوبها شائبة”، وقال مارك هانا -أستاذ التاريخ المشارك بجامعة “كاليفورنيا سان دييغو” (California, San Diego) وخبير القرصنة في أوائل أميركا- إنني عندما شاهدت صورا لعملة بيلي لأول مرة “فقدت عقلي”.