محمد اسماعيل عبده يكتب : الانسان يعيش خمس مرات ولا يفنى
عندما تسأل الانسان كم مرة تعيش ؟
فالنسبة الغالبة تجيب : مرة واحدة ونسبة أقل تجيب : نعيش فى الحياة الدنيا ونعيش فى الأخرة !
والحقيقة الثابتة أن الانسان يعيش خمس مرات ولا يفنى على الإطلاق وكل حياة من الخمسة تختلف تمامآ عن الأخرى فى التكوين .. والتكليف وكل شىء :
أولآ حياة الذر :
حياة الذر ( الأرواح) وهى الحياة الأولى لجميع ابناء آدم فمنذ أن صنع الله سبحانة وتعالى آدم بيده ونفخ فيه من روحه جاءت الحياة لآدم ولجميع ذريته ومسح رب العزة على ظهر آدم فأخرج كل ذرية آدم وسألهم : ( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ ) [الاعراف (172)
وهنا نلاحظ أن العلى القدير يسأل ألست بربكم ؟ قالوا : وهذا يغنى أنهم موجودون فجميع الأرواح موجودة فى عالم الذر : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ ) [ الأعراف (٢٧١) ] .
ونلتقى فى تلك الحياة ونتعارف ونتآلف فكثير من الأحيان تجد شخصآ تنفر منه وشخصآ آخر تتقرب اليه وهو ما حدثنا عنه النبى ( صلى الله عليه وسلم ) حين قال ” الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف ” رواه البخارى ومسلم
وفى كثير من الأحيان ترى شخصآ أو موقفآ وتشعر أنك قد التقيت به من قبل على نفس الوتيرة , فيفسرها العلم بأن الفص الأيمن فى المخ أكبر ظن الفص الأيسر ويقول الله سبحانه وتعالى هنا : ( إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا ) [ الكهف : ٤٨ ] فأتبع سببآ .. فما هى الأسباب .
فتلك هى الحياة الأولى والتى تكون فيها روح فقط .
ثانيا حياة الأجنة :
فعندما يأذن الله سبحانه وتعالى ويجتمع أبوك وأمك فتخرج النطفة معها الروح إلى داخل الرحم لمدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تتجاوز تسعة أشهر تأكل وتشرب وتلعب كل هذا وأنت فى بطن أمك وإذا وضعنا السونار نجدك تتحرك فهل تتذكر تلك الأيام التى كنت فيها فى بطن أمك وهى واقعة أمامك بالقطع لا .
وهذا يعنى أن حياة الذر التى تبعد عن حياة الأجنة رالآف السنين هى أولى بألا تتذكرها وفى هذه نكون روح وبدن فقط .
ثالثآ الحياة الدنيا :
عندما يشاء الله سبحانه وتعالى لك الأنتقال إلى حياة جديدة تعرف بالحياة الدنيا بمجرد أن تلدك أمك تصرخ وتبكى عندما يوجزك القرين وهو شيطان فيرسل الله سبحانه وتعالى ملكآ ليحفظك منه .
ولا يسأل الله عن السنوات الأولى فى الحياة الدنيا حتى يكتمل عقلك فتصبح صاحب روح وجسم وعقل ونفس .
وعند اكتمال إدراكك تصبح مكلفآ أمام الله عن العهد الذى أخذته وأنت فى عالم الذر لهذا يقول الله سبحانه وتعالى ( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ ۖ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ) [ الزمر : ٨٣ ]
الجميع يعلم أن الاله هو الله ولكن هناك من لا يقدر على تكليف ربه وهناك من يضل وهناك من يضلل , وهناك من يتكبر ، وكلهم فى النار إذا ما ذهبوا إلى ربهم على تلك الوتيرة .
فهى فترة الأختبار إما تصلح فتكون من أصحاب الجنة وأما تغلبك نفسك وتزين السوء فتهوى إلى أسفل سافلين فى جهنم حفظنا وحفظكم الله .
وتعيش من العمر ما قدره الله لك فى الحياة الدنيا ثم تقبض روحك إلى ربها الذى نفخ فى آدم وذريته وأنت منهم لتدب فيكم الحياة يقبضها الله كاتبآ عليك الموت من هذه الدنيا ليذهب أهلك وذويك ليضعوك فى القبر على وجه السرعة حتى لا تخرج رائحتك وينتهى اسمك بمجرد خروج الروح الذى كرمك بها الله .
فلا يقولون شيعوا فلان بل يقولون جثمان المرحوم وهم لا يعلمون إن كان كتبت له الرحمة من عدمه ، وحولك من يبكى وحولك من ينوح وأنت تسمع كل همسه، تسمع أكثر مما يسمع الإنسان الحى ولكنك لا تستطيع أن تفعل شيئآ ، فاذا ما كان من حولك على صراخ افزعوك مما هو قادم وإن كان على النحو الذى يرضى الله بتلاوة آياته والدعاء بالمغفرة فيهونون عليك ويبشرونك بعدم الخوف .
فيضعوك فى القبر ويغلقونه ويتركوك فى حياة جديدة هى حياة البرزخ .
رابعآ حياة البرزخ :
تصعد الروح إلى بارئها والعقل والجسد إلى تراب الأرض وتبقى النفس هى التى تعذب أو تنعم تماما كالنائم الذى يشعر بكابوس رهيب وإلى جواره من يشعر بأنه فى النعيم ويأتى ملك الموت الى كليهما فإن كنت بمشيئة الله من الصالحين رأيت نورآ يخرج من كفنك فتسأله من أنت ؟
فيقول لك أنا رفيقك فى الدنيا دخلت وكنت بين لحمك وكفنك وقد صاحبتنى فى الدنيا ولن أتركك بالمشيئة إلا فى الجنة ويقول أنا القرٱن وتجد رجل وجهه منير ضاحك فتسأله من أنت ؟
فيقول أنا عملك الصالح جئت لأصطحبك إلى الجنة بعد سؤال الملكين فيأتى الملكان فيقيمانه ويسألانه ما أسمك ؟
ما اسم النبى الذى بعث فيكم ؟
وما اسم الدين الذى تتبعه ؟
ومن أين اكتسبت مالك ؟
وفى آى شىء أنفقته ؟
وتنتهى الاسئلة بيسر وتفتح له طاقة يرى فيها الجنة فتكون الفترة التى يقضيها فى القبر إلى الجنه كركعتين شكر لله فيقول ربى عجل بيوم البعث حتى أدخل الجنة .
اما إن كان العمل سيئآ حفظنا وحفظكم الله فإن قبره يكون ظلمة ويرى عمله السيء فى صورة رجل قبيح وعندما يسأله وعندما يسأله الملكان لا يستطيع إلا أن يقول آه آه آه .
فتفتح له طاقه ظن جهنم أعاذنا وأعاذكم الله فيسأل الله أن يطيل أمده فى القبر لا يدخل النار من هول رؤيتها .
وفى مقام البرزخ فإن العملات المستخدمةهناك هى ثلاث عملات فقط :
العملة الأولى :
الصدقة الجارية فيكون العبد فى مرتبة وقد أقام عملا خيريآ خالص النية لله فكل من يستفيد منه له فيه كفل فينقله إلى مرتبة أفضل .. وهكذا .
العملة الثانية :
علم ينتفع به أن يتعلم ويعلم الغير لا شيء الا وجه الله الكريم فكلما أنتفع به امرؤ كلما أضيفت له حسنات تنقله الى مرتبة أفضل .
العملة الثالثة :
الولد الصالح الذى يدعو له ونلاحظ هنا أنه لم يقل الولد بل قال الولد الصالح فإن لم يترك ولدآ صالحآ يخشى الله ويتقيه ويعود اليه فمهما دعا لك لن تنال شيئا أما إن كان صالحآ سليم القلب مؤمنآ بالله ورسوله فإن الله يستجيب لدعائه لك وكلمة الولد هنا تعنى الذكر والانثى .
خامسآ الحياة الآخرة :
بأذن الله سبحانه وتعالى ببداية البعث والنشور فتخرج نارآ من عدن تحشر الناس إلى محشرهم يوم البعث والنشور هذا اليوم الذى يشفق فيه الآدمى على إخواته من ابناء آدم ظن هول اليوم عندما يذكر وتستحضر بداية مشهده فإنك تصوم عن الكلام يأمر الله سبحانه وتعالى ملك الموت أن يقبض أرواح الأحياء ويسأل لمن الملك اليوم ؟ فتجيب الملائكة : لله الواحد القهار ، فيأمر بقبض أرواح الملائكة ثم يقبض روح ملك الموت وينادى لمن الملك اليوم .. لمن الملك اليوم .. لمن الملك اليوم .. فلا أحد يجيب فيجيب سبحانه وتعالى لله الواحد القهار ويمر زمان لا يعلمه الا الله لا يكون فى كون الله الا هو وعندما يأذن الله سبحانه وتعالى أن تقوم القيامة فيحيى الملائكة ويأمر اسرافيل بالنفخ فى البوق ليخرج كل أبناء آدم منذ أن نفخ الله فيهم حتى لحظة الساعة فيخرجون على هيئة آدم عليه السلام الطول يعادل ٥٤ مترآ والعرض يعادل ٨ امتار تلك كانت آدم عليه السلام وهنا يقول المولى عز وجل : {وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18) } [ نوح]
وقد أثبت العلم أن الفقرة الأخيرة فى العمود الفقرى ىلأنسان تحمل جميع الشفرات الوراثية له ويخرج على هيئته التى كان عليها فى الدنيا ولكن بهذا الجسد ليتحمل العناء وتدنو الشمس فوق الرؤوس فمن الناس من يكون عرقه لرجليه ومنهم من يكون الى منتصفه ومنهم من يكون قارب على وجهه ، كلا حسب عمله وقد كان أمامك أن تعرف قيمة الله سبحانه وتعالى فاستكبرت واليوم ستعرف قيمة رب العزة .
ويظل البشر على هذه الحالة الا من رحم الله فينادى الله أين المتحابون فى جلالى فكل من أحب فردا فى الله يلتقى به ليكونوا تحت العرش فلا يذوقون بردآ ولا زمهريرآ ثم ينادى سبعة يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل الا ظله ، الامام العادل ، وشاب نشا فى عبادة الله ، ورجل قلبه معلق فى المساجد ورجلان تحابا فى الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ، ورجل دعته امرأه ذات منصب وجمال فقال أنى أخاف الله ، ورجل تصدق يصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ” رواه البخارى ومسلم عن ابى هريره رضى الله عنه.
ويناجى البشر داعين الله أن ينصب الميزان حتى وإن دخلوا النار هكذا يقول بعضهم فيذهبون الى ابى البشرية آدم ويقولون يا آدم انت ابو البشر ادعو لنا ربك أن ينصب الميزان فيقول لهم إن ربى قد غضب اليوم غضبآ لم يغضبه ظن قبل وأنى قد عصيته وأكلت ظن الشجرة انا لست لها اذهبوا الى ابراهيم ابو الانبياء فيذهبون الى ابو الانبياء ابراهيم ويقولون يا ابو الانبياء سل لنا ربك ان ينصب الميزان ليقول لهم ان ربى قد غضب اليوم غضبآ لم يغضبه ظن قبل وانى قد كذبت عندما قلت انى سقيم ولم اكن سقيما وعندما قلت انما فعل بآلهتكم كبيرهم انا لست لها اذهبوا الى موسى كليم الله فيذهبون الى موسى كليم الله يقولون يا كليم الله سل لنا ربك ان ينصب الميزان فيقول لهم ان ربى قد غضب اليوم غضبا لم يغضبه من قبل وانى قد قتلت نفسا من قبل انا ىست لها اذهبوا الى نبى الله محمد فيقول انا لها .. انا لها ويسجد تحت العرش يسأل الله أن ينصب الميزان فتتطاير الصحف فيتلقفها البشر كلا لصحيفته فهنيئا لمن يتلقفها بيمينه ورغم انف من يتسلمها بالشمال”فأما من أوتى كتابه بيمينه فيقول سبحانه وتعالى :{ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24) }وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25)[الحاقة :٥٢ – ٩١
وهنا يبدأ الحساب ويأتى الصالح ليقف أمام الله فيسأله عبدى هل فعلت كذا وكذا ؟ فيقول : اى ربى . فيقول له : سترتك فى الدنيا واسترك اليوم ، الا ان لك اخ قد اخذت منه الف جنيها ولم تردها له اذهب واتى به ليسامحك عنها او تتحمل من سيئاته او تعطيه من حسناتك ، فانى له فى هذا الموقف ان يأتى بمن له اموال عنده قد لا تساوى شيئا ويظل يبحث الى ان يهديه الله لصاحبه ، فإن كان يحتاج الى حسنات فيقول له ليس بإمكانى ، فإما بحاجه لحسنات .وان كان ظن الله عليه بفائض ظن الحسنات فيقول له : عفوت عنه فيقول الله خذ بيدى اخيك الى الجنة .
أما العاصى الكاذب يأتى أمام الله ويقول له عبدى فعلت كذا ؟ فيقول بلسانك : لا لا لا ربى ، فيخرسه الله ويتكلم لسانه ويقول : نعم فعلت ، وكذلك هل بطشت احد بيدك ؟ فيقول له لا ربى ، فتتحدث الايدى : لا ربى لقد ضربت فلان فيقذف به فى النار ، اعاذنا واعاذكم الله .
والكل لابد وان يمشى على الصراط وهو كحد السيف واسفله النار ، وبه كلاليب تعمل على ان تأخذك فاذا مررت على الصراط ووصلت لبدايات الجنة فقد فزت فوزآ عظيمآ.
اما إن اخذتك النيران فسوف تنقى لفترة لا يعلمها الا الله سبحانه وتعالي اذا كنت مسلما سوف تمحص، ثم تؤخذ الى نهر الحياة ثم تدخل الجنة وعندما يدخل أهل الجنة فى الجنة ويدخل أهل النار فى النار يأت. الله بكبش هو الموت يذبحه قائلا يا اهل الجنة خلود بلا موت .. ياهل النار خلود بلا موت .
هكذا فإننا نعيش خمسة مرات ولا نفنى .. فأين نحن من الخالق القدير العظيم . ؟
اساله أن يغفر لى ولكم ولأمواتنا وامواتكم وأن يرحمنا فيما قدره لنا .