عناد الريحاني ونيازي كاد يهدد ظهور فيلم “سي عمر”

كتب/ أشرف بيدس
شهد استوديوهات السينما كثير من المشاكسات والصراعات والخناقات بين صناع الفيلم, وهددت بعدم استكمال مشروعهم السينمائي, ولولا تدخلات البعض ما كانت الجماهير شاهدت هذه الأعمال العظيمة, وبقيت الأفلام, وذهبت المشاكل أدراج الرياح, فالفنان بطبيعته يبغي التميز وينحاز لوجهة نظره التي يري أنها الأصوب, وعندما يصادف رأيين مختلفين لأثنين من كبار العاملين بالفيلم, مثلا البطل والمخرج, او البطل والبطلة, أو المؤلف والمخرج, يتم الاحتكام لطرف ثالث ليصفي المياه الراكدة, حتي تدور الكاميرا مرة أخري, وفي الغالب تصل الأطراف المتنازعة إلي حل وسط يجمع بين الرأيين لارضاءهما, والامثلة كثيرة, سنوالي ذكرها تباعا, والملفت أن كل الأفلام العظيمة شهدت نزاعات وخلافات في اروقة التصوير, رغم أنه من المفترض أن المناقشات تتم قبل التصوير, حتي اذا بدأ العمل, فعلي الجميع أن يمتثل للمصلحة العليا, ولا يصح أن التراشق أو التلاسن, لكن العمل الفني يصبح في هذه الحالة أصبح منتج يتأثر بأي عوامل سلبية.

كانت النية منعقدة علي استثمار نجاح فيلم “سلامة في خير” من خلال الاقدام علي تقديم عمل أخر يجمع بين نجيب الريحاني والمخرج نيازي مصطفي في فيلم “سي عمر”, لكن الفيلم شهد مشاحنات بين نجيب الريحاني ونيازي مصطفي هددت بعدم استكمال الفيلم, والحكاية بدأت عندما شاهد الريحاني ما تم تصويره من الفيلم والتي كانت تعادل النصف تقريبا, فجن جنونه وهب واقفا يصرخ فى وجه “نيازى” قائلا: “مين البطل أنا ولا القصرى”، وخرج تاركا المكان، ولم يكمل تصوير الفيلم إلا بعد أن كتب نصف الفيلم الآخر مستأثرا لنفسه بالأحداث كلها، والحقيقة أن ما يشاهد نصف الفيلم الأول يدرك على الفور ودون تحيز أن مشاهد “الريحانى” أكثر بكثير من مشاهد “القصري”، لكن مشاهد الأخير أكثر تأثيرا وفاعلية، وأخف دما، ربما لأن الشخصية ثرية بالتفاصيل وصاحبة الحدث الدرامى، كما أن “القصرى” أبدع فى تجسيدها، ولا نبالغ عندما نقول إن المشاهد التى جمعت بينهما كانت الغلبة “للقصرى” قبولا وكاريزما وإضحاكا، وأغلب الظن أن ذلك ما أثار حفيظة “الريحانى” وربما غيرته.
في النهاية رضخ نيازي مصطفي كونه أحد موظفي استوديو مصر, وهو الأمر الذي أسفر عنه تولي نجيب الريحاني اخراج الجزء الثاني ويلاحظ ان جميع المشاهد بداخل القصر وهو إخراج مسرحى ذو المنظر الواحد..

حفل الفيلم بثلاث أغاني: الأولي لحن الورد تلحين رياض السنباطي, غناء بديعة صادق, ولحن الختام تلحين ابراهيم حسين, غناء اجلال زكي, والثالثة موال من تلحين وغناء محمد الكحلاوي. وجميعها تأليف بديع خيري.
حكى الكاتب المسرحي الكبير بديع خيري في أحد حواراته الفنية والتي جاءت بمجلة “الكواكب” عام 1952 عن أهم كواليس للفيلم الأشهر “سي عمر”، الذي قام بإخراجه المخرج نيازي مصطفى، فقال: “تعلمت من صديقي ورفيقي الفنان نجيب الريحاني الالتزام والاحترام وأيضا التمسك بوجهة نظره في العمل، خاصة عندما يكون على حق.. أثناء الإعداد لفيلم “سي عمر”، تم الاتفاق على أن يقوم نجيب الريحاني بكتابة الحوار والسيناريو للفيلم، وبالفعل انتهى الريحاني من كتابته، وأثناء تصوير مشاهد الفيلم حدثت اختلافات كثيرة في وجهات النظر بين المخرج والريحاني، ما جعلني أقوم بدور حمامة السلام بينهما حتى نصل جميعا إلى نقطة التراضي واستمرار العمل.. إلى أن جاء مشهد في الفيلم اعترض عليه نيازي مصطفى بشدة وصمم على رأيه، وفي المقابل لم يتنازل الريحاني أيضا عما كتبه بل قرر الانسحاب من الفيلم وعرض رغبته في رد الأموال التي حصل عليها، واعتبر أن مجهوده السابق خلال تصويره للمشاهد السابقة هدية منه للاستديو..

لم تفلح جهودي هذه المرة في الصلح أو الوصول إلى منطقة وسطى، وبالتالي تم الاتفاق على تشكيل لجنة محايدة من خارج الفيلم تماما للحكم على المشكلة، وبالفعل اجتمع أطراف المشكلة مع أعضاء اللجنة حتى توصلت اللجنة إلى أن الريحاني على حق وأن كل ما كتبه في صالح العمل ومجريات أحداثه، وبالتالي نزل الجميع على قرار اللجنة بمن فيهم المخرج، وتم الصلح وواصل الجميع العمل في فيلم اعتبر بعد ذلك من أهم كلاسيكيات الفن المصري والعربي أيضا”.



