“وليمة الوهم وخِداع الفهم” “قصة قصيرة”

بقلم: السيد الجمل

أبدأ قصتى القصيرة بقرع جرس الوعى والسؤال هنا هل تكفي النوايا الحسنة لحماية المبادئ والقيم ؟”
في هذه القصة، اروى لكم عن حديقة آمنه كان يحرسها الوفاء ، قبل أن يغتالها “الوهم”. هي ليست مجرد حكاية عن ذئبٍ جائع وقطيعٍ مفقود، بل هي مرآة لكل مسؤولٍ ظنَّ يوماً أنَّ الاستراحة من الواجب “حق”، وأنَّ مهادنة العدو “ذكاء” وأن إضاعة الامانه رفاهية . فالمسؤول الذي يغفل عن أمانته لا يخسر منصبه فحسب، بل يسقط من عرش كرامته أولاً. حين تضيع الأمانة، لا يتبقى من “الحارس” سوى اسمه، وتتحول هيبته إلى سخرية على ألسن الخصوم.
ففى “وليمة الوهم” نتعرف كيف يمكن لـ “كلمة معسولة” أن تهدم حصوناً عجزت عنها الأنياب ؟ وكيف يجد المرء نفسه فجأة حارساً للفراغ، بلا قطيع،وبلا كرامة وبلا هوية !

في حديقة خضراء تتربع على سفح جبل، كان القطيع يغفو في طمأنينة، يحرسُه كلبان مشهود لهما بالبأس واليقظة هما “صخر” و” فخر “. لم يكن الذئب “مكر” غبياً ليواجههما وجهاً لوجه، فمخالب الصدق في حراستهما كانت أقوى من أنياب جوعه.

ذات مساء، اقترب “مكر ” من حدود الحديقة الآمنة ، لكنه لم يأتِ مكشراً عن أنيابه، بل جاء منحنياً، يجرُّ خلفه صوتاً يقطر أسىً ونصحاً . وقف على مسافة آمنة ونادى “يا حراس الفضيلة، يا رمز الوفاء إلى متى تظلون عبيداً لسوط الراعي مقابل عظمةٍ يابسة؟”.

تأهب “صخر” للنباح، لكن “مكر ” تابع بسرعة “أنا لا أريد شاة، أنا أريد كرامتكم. الراعي ينام في كوخه الدافئ ويترككم للصقيع، يبيع الصوف واللحم، ولا يترك لكم سوى التعب والارهاق . نحن أبناء البرية أولى ببعضنا، لنتعاهد على السلم، ناموا أنتم الليلة، وسأقوم أنا بدور الحراسة متطوعاً، لنثبت للراعي أننا لسنا بحاجة لسلطته”.

تردد “فخر “، لكن كلمات الذئب عن “المساواة” و”التحرر من استغلال الراعي” لامست في نفسه غروراً نائماً. همس لصاحبه: “ربما صدق، هو ذئبٌ وحيد وكسير، ونحن اثنان، لنرتح قليلاً ونرى صدق نواياه” وكانت هذه هى اللحظة الفارقة .

ومع هبوط الليل وسكون الحركة، استسلم الكلبان لغفوةٍ عميقة، ليست غفوة تعب، بل غفوة “ثقة مزيفة”حينها، لم يهاجم “مكر” القطيع بالدماء والضجيج، بل تسلل بهدوء وفتح ثغرة في السياج، وأشار لرفاقه المختبئين خلف الصخور. وعندما انبلج خيط الفجر الأول، لم يستيقظ “صخر” و”فخر ” على صوت المخالب، بل على صمتٍ جنائزيٍّ ثقيل. كانت الحديقة شاسعة خالية وموحشة كما لو أن القطيع لم يطأها يوماً .

نظر الكلبان إلى بعضهما، وفي عيونهما انكسرت تلك الصورة التي رسمها الذئب عن “التحرر”. لم تكن الهزيمة في اختفاء الشياه، بل في تلك الفجوة التي اتسعت في روحهما ، فجوة الثقة التي استبدلا بها يقظتهما بوهم الأمان.
لم يترك “مكر ” خلفه دماءً، بل ترك ما هو أقسى ، ترك لهما “الوعي المتأخر”. وقف بعيداً عند حافة الغابة، لم يضحك، بل ألقى كلماته كأنها حجر في بئر عميقة “إنّ أعتى الأسوار لا تسقط بالمعاول، بل بالرغبة في تصديق أن العدو يمكن أن يرتدي ثوب الحراس لقد منحتكما ليلة من الراحة، لكنكما منحتما العالم درساً فى أن من البلاهة أن تصدق عدوك ، وأن من يتخلى عن جوهره مقابل ‘فكرة’ لا يملكها، ينتهي به الأمر حارساً للفراغ.”

غاب الذئب في ضباب الجبل، وظل الكلبان واقفين أمام السياج المفتوح، يدركان يقيناً أن القطيع لم يذهب إلى بطون الذئاب فحسب، بل ضاع في تلك اللحظة التي قرر فيها الحراس أن يكونوا محايدين بين الأمانة والسراب. فوهم التحرر يمكن أن يكون فخاً للعقول قبل أن يكون فخاً للأجساد.
والمسؤول الذي يفرّط في مسؤوليته، والموظف الذى يستغل وظيفته فيجد نفسه في النهاية “لاشيء” لا يخسر منصبه فحسب، بل ينسلخ عنه رداؤه الأغلى إذ تلوثت سمعته وأضاع كرامته ، وفقد هيبته ، وانحدرت مكانته ، فالهيبة لا تُباع، والأمانة لا تُجزأ من ضيعهما، ضاع .”
فبين هيبة المسؤول وضياع الأمانة خيط رفيع يسمى ‘اليقظة’. واترك لكم الإجابة على هذا السؤال
هل صادفتم في حياتكم العملية أو الاجتماعية ‘ذئاباً’ ارتدت ثياب النصح لتسلب الحقوق؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى