أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في التأمين: من الابتكار إلى الضرورة الاستراتيجية لحماية الثقة

كتب/ عاطف طلب

يشهد قطاع التأمين العالمي تحولًا جذريًا بفعل التطور السريع في تطبيقات الذكاء الاصطناعي (AI)، التي باتت تُستخدم على نطاق واسع في الاكتتاب، وإدارة المطالبات، وكشف الاحتيال، وخدمة العملاء. وقد أسهمت هذه التقنيات في رفع كفاءة التشغيل، وتحسين جودة القرارات، وخفض التكاليف، وتقديم تجربة أكثر سلاسة للمؤمَّنين.

 التحدي الأخلاقي: آثار مباشرة على حياة الأفراد

هذا التطور المتسارع يضع الصناعة أمام تحديات أخلاقية معقدة، تتعلق بالعدالة والشفافية والخصوصية والمساءلة واحتمال اتساع فجوة التفاوت الرقمي. وعلى خلاف قطاعات أخرى، فإن الأخطاء الناتجة عن الذكاء الاصطناعي داخل صناعة التأمين قد تُسفر عن آثار مباشرة على حياة الأفراد، سواء عبر:

  • تسعير غير عادل.

  • رفض مطالبات.

  • تقييد الوصول إلى التغطية التأمينية.

من هنا، يتحول الالتزام بالأخلاقيات من “خيار رقابي” إلى “ضرورة استراتيجية” للحفاظ على الثقة في السوق التأمينية.

 الذكاء الاصطناعي في التأمين: دور متنامٍ وتأثيرات عميقة

يشهد قطاع التأمين توسعًا كبيرًا في استخدام الذكاء الاصطناعي عبر سلسلة القيمة، وأبرز التطبيقات تشمل:

  • 1. الاكتتاب الآلي: تحليل ضخم للبيانات باستخدام نماذج تعلم الآلة، ما يرفع دقة تسعير المخاطر ويخفض العمل اليدوي.

  • 2. تقييم وتسوية المطالبات: تسريع معالجة المطالبات عبر تقنيات التعرف على الصور والتحليل التنبؤي.

  • 3. كشف الاحتيال: اكتشاف الأنماط غير الطبيعية التي قد تشير إلى نشاط احتيالي.

  • 4. إدارة علاقات العملاء: روبوتات الدردشة والمساعدات الافتراضية تُقدم دعماً فورياً وشخصياً.

  • 5. النمذجة التنبؤية ومنع الخسائر: التنبؤ بالحوادث أو تدهور الحالة الصحية لتقديم توصيات وقائية.

ورغم الفوائد الكبيرة، تتطلب هذه التطبيقات حوكمة دقيقة لضمان الاستخدام المسؤول.

 أبرز التحديات الأخلاقية

تتمركز التحديات الأخلاقية في النقاط التالية:

  • 1. التحيّز الخوارزمي والتمييز: قد تُعيد النماذج الذكية إنتاج تحيزات كامنة في البيانات التاريخية، ما يؤدي إلى رفع أقساط التأمين لفئات معينة أو رفض تغطيات نتيجة نماذج منحازة، مما يهدد مبدأ العدالة في القطاع.

  • 2. غياب الشفافية وصعوبة التفسير: تعمل كثير من نماذج الذكاء الاصطناعي كـ”صندوق أسود”، ما يثير تساؤلات حول كيفية تبرير الأقساط وقدرة العميل على الاعتراض على قرارات آلية غير مفهومة.

  • 3. حماية الخصوصية والبيانات: تتطلب الأنظمة الذكية معالجة بيانات شخصية حساسة، ما يثير قضايا تتعلق بجمع البيانات دون موافقة واضحة ونقص الوعي بطرق استخدامها.

  • 4. التشغيل الآلي مقابل الإشراف البشري: الاعتماد المفرط قد يقلل دور الحكم البشري، ما يحد من القدرة على تقييم الحالات الخاصة وتصحيح القرارات غير العادلة.

  • 5. تحديات التحليلات التنبؤية: يثير التسعير المبني على التوقعات المستقبلية أسئلة حول ما إذا كان سيصبح أصحاب المخاطر المرتفعة “غير قابلين للتأمين”، وكيفية ضمان التوازن بين تقييم المخاطر والعدالة المجتمعية.

 فوائد الالتزام الأخلاقي لشركات التأمين

الاستثمار في “ذكاء اصطناعي أخلاقي” يحقق مزايا استراتيجية مهمة:

  • بناء ثقة العملاء وتعزيز ولائهم.

  • حماية السمعة وتقليل المخاطر القانونية.

  • تحسين جودة النماذج واتخاذ القرارات.

  • دعم الابتكار ضمن إطار آمن وواضح.

  • تعزيز النمو الشامل واستدامة القطاع.

 رؤية الاتحاد المصري للتأمين للحوكمة الأخلاقية

أكد الاتحاد المصري للتأمين أن تبنّي الذكاء الاصطناعي في السوق المصرية يمثل خطوة استراتيجية، مشددًا على ضرورة الدمج بين التقنية والحوكمة الأخلاقية عبر:

  1. الالتزام بالمعايير الأخلاقية في دورة حياة النماذج (عدالة، شفافية، قابلية للشرح).

  2. مكافحة التحيّز والتمييز وإجراء اختبارات دورية للموديلات، خاصة في التأمين الطبي وتأمينات الحياة.

  3. حماية البيانات وخصوصية العملاء والالتزام الصارم بالقوانين.

  4. تعزيز الشفافية وتمكين العملاء من فهم القرارات الآلية والاعتراض عليها والمطالبة بالمراجعة البشرية.

  5. دعم التحول الرقمي المسؤول المتوازن بين التطور وحماية حقوق المستهلك.

خلاصة: يظل الذكاء الاصطناعي فرصة واعدة لإعادة تشكيل مستقبل قطاع التأمين، لكنه في الوقت نفسه مسؤولية كبيرة. يتطلب الاستفادة القصوى منه دمج المبادئ الأخلاقية والحوكمة الرشيدة لضمان أن يكون هذا التحول شاملًا، عادلًا، ويحافظ على الثقة المجتمعية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى