سيد عبد الفتاح يكتب: أكتوبر.. ملحمة العزة والانتصار التي أعادت لمصر كرامتها وللعالم توازنه

في السادس من أكتوبر عام 1973، لم يكن مجرد يومٍ في التاريخ، بل كان لحظة ميلاد جديدة للأمة المصرية، يومٌ استعاد فيه المصريون ثقتهم بأنفسهم، واستعاد الوطن كرامته وهيبته، وأعاد جيش مصر العظيم رسم خريطة المنطقة بأكملها بدماء أبنائه وشجاعتهم التي فاقت حدود الخيال.
كانت السماء مصرية، والأرض مصرية، والعزيمة لا تعرف المستحيل. حين دوّت صيحات “الله أكبر” في جنبات الجبهة، اهتزت الأرض تحت أقدام العدو، وسقطت أسطورة “الجيش الذي لا يُقهر” تحت ضربات رجال آمنوا بوطنهم وبقضيتهم العادلة.
لم يكن العبور معجزةً عسكرية فحسب، بل كان عبورًا نفسيًا وحضاريًا من الهزيمة إلى النصر، من الانكسار إلى الكبرياء، من الانغلاق إلى الأمل. عبورٌ رسمه جيل من الرجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وسجلوه بأحرف من نور على ضفاف القناة، حيث سقطت أوهام الغطرسة الإسرائيلية، وتهاوت خطوط “بارليف” التي قيل إنها لا تُقهر.
لقد كانت حرب أكتوبر درسًا خالدًا في الإرادة الوطنية، حين توحّد المصريون من أقصى الشمال إلى الجنوب خلف راية الوطن، بلا انقسام ولا تردد، يقودهم قائد مؤمن شجاع هو الرئيس الراحل محمد أنور السادات، الذي قاد الأمة بعبقرية القائد وثقة المنتصر، ليكتب لمصر فجرًا جديدًا يعيد للعرب مكانتهم وللإنسان المصري احترامه بين الأمم.
وإذا كان التاريخ يكتب أحداثه بالحبر، فإن مصر كتبت نصرها في أكتوبر بالدم والشرف والبطولة، لتصبح الحرب رمزًا خالدًا للإيمان بالحق والقدرة على تحقيق المستحيل، ولتقول للأجيال القادمة: إن من يملك الإيمان بوطنه لا يُهزم، وإن مصر — التي أنجبت أبطال أكتوبر — قادرة دائمًا على تجاوز الصعاب وصناعة النصر مهما كانت التحديات.
لقد هُزمت إسرائيل في أكتوبر لا بالسلاح فقط، بل بالعقل المصري، وبالروح الوطنية، وبالابتكار العسكري الذي حطّم كل الحسابات والمعادلات. ومن يومها لم يعد الشرق الأوسط كما كان، ولم يعد العالم ينظر إلى مصر إلا بإجلال واحترام، لأنها أثبتت أن السلام لا يُنتزع إلا من موقع القوة، وأن إرادة الشعوب أقوى من كل الجيوش والأساطير.
واليوم، ونحن نحتفل بذكرى النصر العظيم، فإننا لا نحتفل بماضٍ مضى، بل بروحٍ لا تموت.. روح أكتوبر التي تسكن وجدان المصريين جميعًا، وتذكّرنا أن البناء يحتاج نفس الشجاعة التي خضنا بها الحرب، وأن معارك التنمية لا تقل أهمية عن معارك التحرير.
سلامٌ على شهداء أكتوبر، وسلامٌ على أبطالها الأحياء الذين ما زالوا رمزًا للعزة والكرامة، وسلامٌ على كل من آمن بأن هذا الوطن يستحق أن نحيا ونموت من أجله.
لقد كان السادس من أكتوبر انتصارًا لمصر.. وللإنسانية كلها