مستشار أمن قومي: أوروبا ترد صفعة الخذلان الأمريكي في حرب أوكرانيا بالاعتراف بالدولة الفلسطينية

أكد المستشار الدكتور طارق منصور – خبير استراتيجيات الحرب والأمن القومي – أن اعتراف إنجلترا وعدد من الدول الأوروبية بدولة فلسطين، إلى جانب قوافل فك الحصار، لم يكن بدافع الشفقة أو مجرد تضامن مع شعب يُذبح منذ عقود، بل جاء كوسيلة ضغط على واشنطن لتغيير موقفها من الحرب الروسية–الأوكرانية. فـ«تخلي أمريكا عن أوروبا» في تلك الحرب دفعها إلى الاعتراف بفلسطين.
وأوضح منصور أن القارة الأوروبية تعيش لحظة فارقة في تاريخها السياسي والاستراتيجي، ولم يعد خافياً أن العلاقات بين أوروبا والولايات المتحدة تمر بمرحلة من التصدع العميق. فمنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، راهنت أوروبا على أن الشراكة مع واشنطن ستمنحها مظلة حماية سياسية وعسكرية وقدرة على مواجهة موسكو بثقة وقوة، غير أن الواقع كشف عكس ذلك؛ إذ وجدت العواصم الأوروبية نفسها في مواجهة حرب استنزاف طويلة الأمد تدفع ثمنها وحدها، بينما انسحبت الولايات المتحدة تدريجياً من التزاماتها، مستخدمةً الملف كورقة مساومة سياسية واقتصادية.
وأشار إلى أن واشنطن أحكمت قبضتها على سوق الطاقة الأوروبية عبر الغاز المسال، وحولت الصناعات الدفاعية الأوروبية إلى مجرد مستهلك لمصانع السلاح الأمريكية، تاركةً حلفاءها يتخبطون في أزمات الطاقة والتضخم وانقسام الرأي العام.
وبيّن منصور أن الحقيقة المرة التي اكتشفتها أوروبا هي أن «أمريكا لا تحارب إلا بدماء غيرها، ولا تدفع إلا من جيوب الآخرين». فقد تركت القارة العجوز وحيدة في مواجهة الدب الروسي، تحترق بأزمات الطاقة وتختنق بغلاء المعيشة، بينما تحصد الشركات الأمريكية أرباحاً طائلة من الغاز والسلاح. ومن هنا أدرك الأوروبيون أن التبعية المطلقة لواشنطن تعني الهلاك البطيء، وأنهم مجرد ورقة في يد البيت الأبيض يستخدمها ثم يلقي بها متى شاء.
وأضاف أن هذه «الصحوة الأوروبية» ولّدت قناعة بأن التبعية لواشنطن لم تعد تضمن المصالح الأوروبية ولا تحفظ مكانتها، ولأول مرة بدأ الحديث الجدي داخل العواصم الأوروبية عن ضرورة صياغة «سياسة خارجية مستقلة» عن البيت الأبيض.
كما أشار منصور إلى أن مواقف دول مثل ألمانيا واليابان، التي ما زالت منحازة لواشنطن، تعود إلى كونها دولاً محتلة ومحاطة بالقواعد الأمريكية، وهو ما يسلبها استقلالية القرار السياسي.
واختتم المستشار الدكتور طارق منصور بالتأكيد أن قرار الاعتراف بدولة فلسطين – وهو الأكثر رمزية وتأثيراً – لم يأتِ من أجل عيون العرب أو بدافع إنساني بحت، بل لأن أوروبا لم تعد قادرة على الاستمرار أسيرة للرؤية الأمريكية المنحازة بالكامل لإسرائيل. ورأت أن الاعتراف بفلسطين خطوة مزدوجة: أولاً، استعادة شيء من استقلالها السياسي أمام واشنطن، وثانياً، محاولة إعادة بناء صورتها الأخلاقية المهتزّة في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي بعد عقود من ازدواجية المعايير.
وختم قائلاً: «اليوم أوروبا لا تعترف بفلسطين فقط، بل تعترف أيضاً بأنها لم تعد تطيق قيود التبعية لواشنطن. ومن هنا تبدأ مرحلة جديدة في التاريخ: أوروبا التي جُرحت في أوكرانيا، تحاول أن تتطهر في فلسطين».