التأمين البحري المستدام: أداة لتعزيز الممارسات البيئية المسؤولة

كتب / عاطف طلب
يُعَدّ التأمين البحري المستدام نهجًا متطورًا في القطاع التأميني البحري، حيث يدمج معايير البيئة والمجتمع والحوكمة (ESG) ضمن عملية تقييم المخاطر. فبينما يركز التأمين البحري التقليدي على عوامل مثل عمر السفينة وحالتها الفنية، يتسع نطاق التأمين المستدام ليشمل عناصر مثل كفاءة استهلاك الوقود، ونظم إدارة النفايات، والالتزام بالتشريعات البيئية.
يهدف هذا النهج إلى فهم الأبعاد الاقتصادية والبيئية والاجتماعية للأنشطة البحرية بشكل شامل، مع الأخذ في الاعتبار قضايا مثل تغير المناخ، والتلوث البلاستيكي، والصيد الجائر، التي لا تمثل تهديدات بيئية فحسب، بل تُشكل أيضًا مخاطر اقتصادية كبيرة.
آليات التأمين البحري المستدام
يعمل التأمين البحري المستدام على تشجيع السلوك المسؤول عبر آليات تربط بين التغطية التأمينية والأداء البيئي، من أبرزها:
- التسعير القائم على المخاطر: يتم منح خصومات في الأقساط للشركات التي تتبنى تقنيات وممارسات صديقة للبيئة.
- شروط التغطية: يتم اشتراط التزام المؤمن لهم بمعايير بيئية محددة.
- استراتيجيات الاستثمار: يتم توجيه الاستثمارات نحو المشاريع التي تساهم في حماية النظام البيئي البحري.
مميزات التأمين البحري المستدام
يتجاوز التأمين البحري المستدام النهج التقليدي ليشمل:
- تقييم المخاطر البيئية: تقييم التأثيرات البيئية المحتملة للأنشطة البحرية مثل التلوث وتدمير الموائل.
- تقييم الأثر الاجتماعي: التركيز على تأثير الأنشطة البحرية على المجتمعات الساحلية وسبل العيش.
- اعتبارات الحوكمة: تقييم هياكل الحوكمة في الشركات لضمان الشفافية والامتثال.
- إشراك أصحاب المصلحة: التواصل مع المنظمات البيئية والمجتمعات الساحلية والوكالات الحكومية.
- اتخاذ القرارات بناءً على البيانات: استخدام بيانات وتحليلات قوية لتقييم المخاطر وتتبع التقدم نحو أهداف الاستدامة.
فوائد التأمين البحري المستدام
يوفر هذا النهج فوائد لجميع الأطراف:
- لشركات التأمين: تعزيز السمعة، وجذب المستثمرين، وتقليل المخاطر طويلة الأجل.
- لحاملي الوثائق: انخفاض أقساط التأمين، وتحسين إدارة المخاطر، وتعزيز صورة العلامة التجارية.
- للبيئة والمجتمعات: تحفيز السلوك المسؤول، وحماية النظم البيئية البحرية، ودعم سبل العيش في المجتمعات الساحلية.
التحديات والفرص
يواجه تطبيق التأمين البحري المستدام تحديات عدة، مثل غياب التوحيد القياسي وفجوات البيانات، والتركيز على المدى القصير في نماذج التأمين التقليدية. ولكن، هناك أيضًا فرص كبيرة للنمو من خلال:
- تطوير أطر عمل موحدة: وضع تعريفات ومعايير واضحة.
- الاستثمار في البيانات: تحسين جودة البيانات البيئية والاجتماعية.
- مواءمة التفكير: ربط ممارسات التأمين بأهداف الاستدامة طويلة الأجل.
- بناء الشراكات: التعاون مع مختلف الأطراف المعنية.
دور التكنولوجيا والمبادرات العالمية
تلعب التكنولوجيا دورًا محوريًا في تمكين التأمين البحري المستدام، فمن خلال مراقبة الأقمار الصناعية والذكاء الاصطناعي، يمكن لشركات التأمين تتبع انبعاثات السفن، واكتشاف الانسكابات النفطية، وتقييم المخاطر بدقة أكبر.
كما تدعم العديد من المبادرات العالمية هذا التوجه، مثل:
- المنظمة البحرية الدولية (IMO): التي تضع لوائح لتقليل الانبعاثات من السفن.
- مبادئ بوسيدون (Poseidon Principles): التي تدمج اعتبارات المناخ في قرارات الإقراض البحري.
- ميثاق الشحن البحري (Sea Cargo Charter): الذي يهدف إلى زيادة الشفافية في تقارير الانبعاثات.
دور التمويل في دعم التأمين البحري المستدام
يمكن لقطاع التمويل البحري أن يؤثر بشكل كبير على استدامة الأنشطة البحرية. فمن خلال تبني معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية، يمكن للمؤسسات المالية تحفيز سلوكيات مسؤولة. كما يُعدّ “التمويل الأزرق” تطورًا واعدًا، حيث يوفر أدوات مالية لدعم المشاريع التي تساهم في بيئة بحرية صحية.
ولمعالجة تحديات التمويل، هناك حاجة إلى رفع مستوى الوعي، وتحسين توافر البيانات، ومواءمة الحوافز، وتعزيز الأطر التنظيمية.
رؤية الاتحاد
يرى الاتحاد أن التأمين البحري المستدام أصبح ضرورة استراتيجية، ويدرك أن شركات التأمين المصرية قادرة على لعب دور ريادي في هذا التحول من خلال:
- تصميم منتجات تأمينية مبتكرة.
- تشجيع الشركات على تبني المعايير البيئية.
- الاستثمار في أدوات القياس وإدارة المخاطر المستدامة.
- التعاون مع الجهات التنظيمية لتحديث التشريعات.
- تعزيز الوعي بأهمية الاستدامة في السوق المصري.
ويشير الاتحاد إلى أن هذا التوجه يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة، وخاصة الهدف رقم 14 المتعلق بالحفاظ على الحياة تحت الماء. كما يؤكد على حرصه على التنسيق مع الهيئات الدولية، حيث نظم مؤخرًا “منتدى الشرق الأوسط للتأمين البحري” لمناقشة موضوع الاستدامة في التأمين البحري.