إبداعات صغيرة على جدران أصيلة: حين تتفتح زهور الفن بأنامل فتيات

المغرب – كتبت/ غفران بوق.

في مدينة أصيلة، جوهرة المحيط الأطلسي، لا يقتصر الجمال على زرقة البحر أو بياض الأزقة، بل يمتد ليتجلى على جدرانها، حيث تُروى القصص وتُنسج الأحلام بالفرشاة والألوان. هناك، في مرسم أصيلة، وُلدت تجارب فنية مُلهمة لمجموعة من الفتيات اللواتي خضن أولى خطواتهن في عالم الجداريات، كلٌّ بطريقتها الخاصة ورؤيتها الفنية العميقة.

 

 

 

 

 

 

رحاب بونجوم: من المبتدئة إلى فنانة تحكي بالألوان

 

كانت رحلة رحاب بونجوم بداية لمغامرة فنية بكل المقاييس. قبل ثلاث سنوات، لم تكن تعرف شيئًا عن الفرشاة أو عن لغة الجدران، لكن شيئًا بداخلها كان يتوق لاكتشاف الفن. بدأت من الصفر، تحت إشراف الأستاذة كوثر الشريكي، وها هي اليوم تقف بثقة أمام جدارية ثالثة تعبر عن نضجها الفني. رسمت رحاب قلعة شامخة وسط تلال خضراء، وكأنها ترمز للحلم الذي كبر بداخلها. الجدارية بالنسبة لها لم تكن مجرد رسم، بل مرآة لمسار داخلي من الشك إلى اليقين، ومن التردد إلى الإيمان العميق بالفن كوسيلة للتعبير والنمو.

 

نجمة الكعبوري: حين تتحول اللوحة إلى مرآة الذات

 

من خلال جدارية بعنوان “الحياة، التحول، والهوية”، تنقل نجمة الكعبوري تأملاتها العميقة حول التغير الداخلي، مستخدمة رموزًا كالعثة والزهور والنجوم. تقول نجمة إن الجدارية لم تكن مجرد عمل على جدار، بل تجربة شخصية. اختارت أن تجعل العثة في اللوحة رمزًا للتحول الصامت، بينما تمثل الزهور النمو. أما النجوم التي تضيفها دائمًا في أعمالها فهي بصمتها الخاصة وتوقيعها الحالم على كل لوحة. أعمال نجمة لا تعكس الواقع فقط، بل تعكس ما لا يقال، وما يُحَسّ، وما يُحلم به.

 

آية البقالي: الكتاب المفتوح على عالم الجداريات

 

خاضت آية البقالي تجربتها بطريقة سردية تشبه كتابة رواية. منذ أن دخلت إلى عالم الفن، شعرت أنها تكتب كتابًا جديدًا عنوانه “عالم الجداريات”. بدأت بجدارية جماعية تحمل رموزًا مثل الطاووس والأرجوحة والورود، تعبيرًا عن السلام والفرح والحياة. عملت مع زميلتيها ملاك وأمامة في تناغم واضح. ثم اختارت تنفيذ جدارية فردية بعنوان “طريق الجنة”، حيث رسمت درجًا ينتهي بباب مشرق، تحيط به الألوان الهادئة والرمزية، في تجسيد روحي للطموح والسلام الداخلي. كانت رسالتها بصرية وعاطفية: أن الطريق إلى النور مزهر بالأمل.

 

نور دعنون: تجربة التعاون العابر للقارات

 

عاشت نور دعنون تجربة فريدة من نوعها، من خلال مساعدتها للفنانة الأجنبية أوشرينا القادمة من ليتوانيا. كانت اللغة جسرًا للتواصل، والفن وسيلة للتقارب. كشفت تفاصيل التجربة، من العمل في الصباح تحت شمس أصيلة إلى العودة في المساء وسط ضجيج المدينة القديمة، عن جمالية التعلم التشاركي. رسمت نور الشعر، وتعلمت خلط الألوان، وصعدت السلم لأول مرة لتعمل على الجزء العلوي من الجدارية، متجاوزة خوفها، واكتشفت أن في الفن شجاعة تُمتحن وترتقي. كانت الجدارية لوحة تعاونية نابضة بالثقافات، حيث اندمجت النجوم والفسيفساء في جسد فتاة ترمز للهوية والجمال.


كل واحدة من هؤلاء الفتيات لم ترسم فقط على الجدران، بل رسمت على صفحة من حياتها. لم يكن مرسم أصيلة مجرد فضاء للرسم، بل مختبرًا للنمو، ومنصةً لإطلاق الصوت الداخلي عبر الألوان. من الخجل الأول إلى الفخر الأخير، تشكلت هذه التجارب كأنها لوحات متجاورة على جدار واحد: جدار الإبداع النسائي المغربي.

هكذا تبوح الجداريات بقصص لا تروى إلا باللون… وحين تمر بجدار في أصيلة، تذكر أن خلفه حلم فتاة كان يبحث عن النور، ووجده في لمعة فرشاة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى