الاتحاد المصري للتأمين يوضح تأثير الأوضاع الجيوسياسية على قطاع التأمين

كتب / عاطف طلب

 أصدر الاتحاد المصري لشركات التأمين تقريراً يوضح فيه الأوضاع الجيوسياسية الراهنة وتأثيرها على صناعة التأمين عالمياً ومحلياً، مقدماً تعريفاً للمخاطر الجيوسياسية وتداعياتها المختلفة.

ما هو الخطر الجيوسياسي؟

يُعرف الخطر الجيوسياسي بأنه خطر ينشأ عن التفاعلات بين الدول، ويشمل ذلك العلاقات التجارية، والشراكات الأمنية، والتحالفات، ومبادرات المناخ متعددة الجنسيات، وسلاسل القيمة الجيوسياسية، والنزاعات الإقليمية، والتهديدات الجيوسياسية على مستوى الدولة، والتأثير التجاري واسع النطاق. من أمثلة التهديدات التجارية المرتبطة بهذه المخاطر: العقوبات، ومخاطر السمعة، والحروب التجارية والحمائية، وإعادة هيكلة سلاسل القيمة الجيوسياسية، والتقلبات الاقتصادية/المالية العالمية.

لقد أصبحت الجغرافيا السياسية في العصر الحديث أداة حيوية لفهم العلاقات الدولية ومخاطر التدخل العسكري والعقوبات الاقتصادية، كما تلعب دوراً محورياً في تحديد فرص ومخاطر الاستثمار في مختلف القطاعات، بما فيها قطاع التأمين.


صناعة التأمين: المفهوم والنطاق العالمي

تعد صناعة التأمين نظاماً اقتصادياً يوفر الحماية من المخاطر المالية من خلال جمع الأقساط من الأفراد أو الكيانات وتوزيع التعويضات على المتضررين. تشمل هذه الصناعة فروعاً متعددة مثل التأمين الصحي، والتأمين على الحياة، والتأمين ضد الحريق، والتأمين البحري، وتأمين المسؤوليات. كما تُعد إعادة التأمين عنصراً رئيسياً، إذ تساعد شركات إعادة التأمين في توزيع المخاطر جغرافياً ومالياً لتقليل الأثر المحتمل للكوارث والأزمات الكبرى.

في الاقتصاد المعولم، أصبحت شركات التأمين جزءاً لا يتجزأ من آليات النمو، حيث تؤمّن الأصول والعمال والعمليات والتجارة. وبالتالي، فإن أي اضطراب سياسي أو جغرافي يؤدي مباشرة إلى إعادة تقييم المخاطر وزيادة التكاليف.

العلاقة بين الأوضاع الجيوسياسية وصناعة التأمين

تتأثر صناعة التأمين بالأوضاع الجيوسياسية من عدة جوانب رئيسية، منها:

  • زيادة معدلات المخاطر: تؤدي التوترات السياسية إلى تغيرات في التوقعات المتعلقة بالخسائر، ما ينتج عنه ارتفاع الأقساط وزيادة الحذر في الاكتتاب.
  • تغير شروط إعادة التأمين: في حالات النزاعات أو العقوبات الدولية، قد تفرض شركات إعادة التأمين شروطاً أكثر صرامة على الدول المعنية.
  • تعطل سلاسل الإمداد: تؤثر الحروب أو العقوبات على النقل والتجارة العالمية، مما يرفع من قيمة التأمين البحري والنقل.
  • زيادة المطالبات: في حالات مثل الغزو أو الاحتلال أو العقوبات، قد ترتفع المطالبات بشكل مفاجئ، مما يؤدي إلى خسائر حادة لشركات التأمين.
  • صعوبة تسوية المطالبات عبر الحدود: تتأثر قدرة الشركات على الوفاء بالتزاماتها بسبب القيود المصرفية أو المالية الناتجة عن النزاعات.

أمثلة تاريخية ومعاصرة لتأثير الأوضاع الجيوسياسية على صناعة التأمين

شهدت صناعة التأمين العالمية أحداثاً مفصلية أظهرت بوضوح تأثير الأوضاع الجيوسياسية، منها:

  • أحداث 11 سبتمبر 2001: غيرت ملامح سوق التأمين العالمي، خاصة التأمين ضد الإرهاب، حيث ارتفعت الأقساط وزادت المنتجات التأمينية الخاصة بالكوارث الإرهابية.
  • الحرب الروسية الأوكرانية (2022 – حتى الآن): أدت إلى تغييرات حادة في أسعار التأمين على الشحن والنقل البحري في البحر الأسود، وقيود على التعاملات المالية، وارتفاع تكاليف إعادة التأمين.
  • هجمات الحوثيين في البحر الأحمر (2023 – حتى الآن): تسببت في ارتفاع أسعار التأمين على الشحن البحري عبر قناة السويس، وتحويل مسار العديد من السفن، مما أثر على عوائد القناة وحجم الأعمال لشركات التأمين المحلية.

تشمل أبرز المخاطر الجيوسياسية المؤثرة حالياً: النزاع الإيراني الإسرائيلي، والنزاع في بحر الصين الجنوبي، والانقلابات في أفريقيا وغرب الساحل، والعقوبات الغربية على روسيا وإيران وفنزويلا.

التأثيرات الجيوسياسية على الاقتصاد العالمي وصناعة التأمين العالمية

تداخلت الجغرافيا السياسية بشكل كبير مع الاقتصاد العالمي في العقدين الأخيرين، مما ألقى بظلاله على استقرار الأسواق المالية وسلاسل الإمداد وتكلفة الخدمات اللوجستية وأسعار السلع ونظم التمويل العالمية. أصبحت صناعة التأمين لاعباً رئيسياً في إدارة المخاطر، وفي الوقت نفسه، أكثر عرضة للتقلبات والخسائر واسعة النطاق.

  • النزاعات الدولية وتأثيرها على سلاسل الإمداد والتجارة العالمية: تعطل حركة التجارة العالمية وتؤدي إلى إغلاق ممرات حيوية أو فرض قيود، مما يزيد من تكاليف النقل ويدفع إلى زيادة الطلب على التأمين (خاصة البحري والجوي وتأمين الشحنات).
  • العقوبات الاقتصادية وتأثيرها على صناعة التأمين: تفرض تحديات على شركات التأمين من حيث تقديم التغطيات أو تسوية المطالبات، مما يؤثر على التغطيات في قطاعات مثل التأمين البحري والطاقة والتجارة الدولية.
  • ارتفاع تكلفة إعادة التأمين: تدفع الأوضاع الجيوسياسية شركات إعادة التأمين إلى إعادة تقييم المخاطر، مما يؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار إعادة التأمين وانعكاس ذلك على أسعار وثائق التأمين.
  • تأثر بعض فروع التأمين بالصراعات المسلحة: تتأثر فروع مثل التأمين البحري والطيران والطاقة بشكل مباشر بالنزاعات، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار أو فرض استثناءات خاصة بمخاطر الحرب والإرهاب.
  • تأثير المخاطر الجيوسياسية على نماذج التسعير والتقييم: تلجأ شركات التأمين إلى إدراج أقساط إضافية، خفض التغطيات في المناطق عالية المخاطر، وزيادة الاعتماد على تقارير المخاطر السياسية.
  • تطور التشريعات التأمينية: بدأت الهيئات الرقابية في تعديل الأطر القانونية لتشجيع تغطيات المخاطر السياسية وتكوين احتياطات مالية لمواجهة الكوارث الجيوسياسية.

تأثير الحروب على صناعة التأمين وإعادة التأمين

لطالما اعتُبرت الحرب خطراً يصعب تأمينه، وغالباً ما تُستثنى من وثائق التأمين. ومع ذلك، يمكن ترتيب تغطيات محددة من خلال التعاون بين القطاعات. يوفر التأمين الدعم ضد الخسائر المالية، كما تقدم الصناعة التوجيه والخبرة لمساعدة العملاء على فهم نقاط ضعفهم.

أمثلة لبعض النزاعات وانعكاسها على صناعة التأمين العالمية

  • الحرب الروسية الأوكرانية (2022 – مستمرة): أدت إلى زيادة أسعار التأمين البحري في البحر الأسود بنسبة تجاوزت 400%، وانسحاب شركات تأمين، وفرض قيود على التغطية بسبب العقوبات.
  • التصعيد في الشرق الأوسط (2023-2025): انعكس على أسواق التأمين بارتفاع تكاليف التأمين البحري والجوي في الخليج العربي والبحر الأحمر، وزيادة أسعار التغطيات ضد الحرب والإرهاب.
  • التوتر في بحر الصين الجنوبي (منذ نهاية القرن الماضي – حتى الآن): دفع شركات التأمين إلى رفع أقساط التأمين على السفن التي تمر عبر المنطقة وتصنيف بعض المياه كمناطق عالية الخطورة.

دور شركات التأمين العالمية في تقييم المخاطر السياسية والاستجابة للأزمات

أدركت شركات التأمين العالمية الحاجة إلى أدوات متطورة لتقييم المخاطر الجيوسياسية، فبدأت في توظيف محللين سياسيين وخبراء أمنيين وأنظمة ذكاء اصطناعي. كما أطلقت بعض الشركات منتجات تأمينية متخصصة لتغطية “المخاطر السياسية” (مثل مصادرة الأصول، تعطيل العمليات، فرض قيود على تحويل الأرباح، أعمال الشغب).

للاستجابة للأزمات المفاجئة، تلجأ شركات التأمين إلى:

  • تفعيل بنود الطوارئ في الوثائق.
  • الانسحاب المؤقت من الأسواق المتأثرة.
  • إعادة التفاوض مع شركات إعادة التأمين.
  • زيادة التحوط عبر التأمينات المشتركة.

انعكاس التوترات الجيوسياسية على صناعة التأمين المصرية

تشكل الأوضاع الجيوسياسية ضغوطاً متعددة الأوجه على صناعة التأمين في مصر، من ارتفاع تكاليف إعادة التأمين وتقلب أسعار الصرف وزيادة معدلات التضخم، إلى تغير نية المستثمرين وتراجع قيمة المحافظ الاستثمارية.

  • التأثير على أسعار إعادة التأمين في السوق المصري: يؤدي ارتفاع الأسعار عالمياً إلى فرض أعباء إضافية على شركات التأمين المصرية، وتقليص حدود التغطية أو فرض استثناءات.
  • التأثير على أسعار بعض فروع التأمين:
    • التأمين البحري: يتأثر بشدة بالتهديدات في مضيق باب المندب والبحر الأسود والعقوبات الاقتصادية، مما يزيد تكاليف التأمين على السفن والبضائع العابرة لقناة السويس.
    • تأمين الطيران: يثير قلقاً بسبب النزاعات الإقليمية، مما يؤدي إلى تعليق أو إلغاء الرحلات وارتفاع أسعار التذاكر، ويفرض على شركات التأمين إعادة تقييم نماذج تسعير المخاطر.
  • زيادة أقساط التأمين على الشحن والنقل: قد ترفع شركات التأمين المصرية أسعار تغطية مخاطر الحرب، وقد تفرض شركات إعادة التأمين العالمية شروطاً أكثر صرامة.
  • ارتفاع المطالبات التأمينية: قد تضطر الشركات لدفع مطالبات كبيرة بسبب الأضرار الناجمة عن الصراعات.
  • تعديل وثائق التأمين: قد تقلل الشركات التغطية للمخاطر المرتبطة بالمناطق الساخنة أو تطلب ضمانات إضافية، وقد تظهر الحاجة لمنتجات تأمينية جديدة.

آثار الهجمات الإسرائيلية الإيرانية على سوق التأمين في الشرق الأوسط

أفادت وكالة بلومبرج بتاريخ 18 يونيو 2025 بارتفاع تكلفة التأمين على السفن المبحرة في الخليج العربي، حيث وصلت إلى 0.2% من قيمة السفينة للرحلات المتجهة إلى الخليج (ارتفاعاً من 0.125%). كما تضاعفت الرسوم للسفن الراسية في إسرائيل ثلاث مرات لتصل إلى 0.7%.

وذكرت وكالة رويترز بتاريخ 17 يونيو 2025 أن أقساط التأمين ضد مخاطر الحرب على الشحنات المتجهة إلى إسرائيل ارتفعت بما يصل إلى ثلاثة أمثال ما كانت عليه قبل أسبوع من بداية الحرب، لتتراوح تكلفة الرحلة التي تستغرق سبعة أيام بين 0.7% و1.0% من قيمة السفينة.

رأي الاتحاد المصري لشركات التأمين

يتوقع الاتحاد أن يظل العالم عرضة لتوترات سياسية ونزاعات متكررة. لذلك، يوصي الاتحاد بما يلي:

  • إعادة تصميم نماذج التسعير والاستهداف الاكتواري لتشمل المتغيرات الجيوسياسية.
  • تنويع مصادر إعادة التأمين من خلال شركات إقليمية أو تحالفات في آسيا وأمريكا الجنوبية.
  • تعزيز الاستثمار في التكنولوجيا لتوفير نماذج تقييم مخاطر أكثر مرونة وسرعة.
  • التوسع في تأمين مخاطر التوريد والمخاطر السياسية للمصدرين والمستوردين في الأسواق عالية المخاطر.
  • تطوير منتجات تأمينية جديدة تتماشى مع المخاطر الجيوسياسية، مثل تأمين اضطرابات النقل أو تأمين سلسلة الإمداد الدولية.
  • تفعيل دور صناديق الطوارئ والاحتياطات الفنية بما يتناسب مع اتساع نطاق المخاطر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى