قرار بتشكيل لجنة وطنية للتحقيق في المزاعم الأمريكية حول استخدام أسلحة كيميائية

كتب/ سالم الشمري
في خطوة تعكس التزامًا راسخًا بالشفافية والمسؤولية الدولية، أصدر رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، قرارًا بتشكيل لجنة وطنية رفيعة المستوى للتحقيق في المزاعم الأمريكية التي تتهم الجيش السوداني باستخدام أسلحة كيميائية خلال ما أطلق عليه السودان “حرب الكرامة”. ويأتي هذا القرار، الذي أعلنه مكتب الناطق الرسمي وإدارة الإعلام بوزارة الخارجية السودانية، ليؤكد على موقف السودان الرافض لهذه الاتهامات والتزامه باتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية.
جاء في نص البيان الصادر عن وزارة الخارجية السودانية: “إلتزامًا بتعهدات السودان الدولية ومنها اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، وفي إطار الشفافية التي تنتهجها حكومة السودان وعدم قناعتها بصحة اتهامات الإدارة الأمريكية باستخدام السودان للأسلحة الكيميائية، أصدر السيد رئيس مجلس السيادة قرارًا بتشكيل لجنة وطنية تضم وزارة الخارجية، وزارة الدفاع وجهاز المخابرات العامة، للتحقيق في المزاعم الأمريكية، على أن ترفع تقريرها فورًا.”
هذه الخطوة الاستباقية من جانب الخرطوم تأتي في ظل تصاعد الضغوط الدولية والمزاعم المتكررة من الجانب الأمريكي، والتي لم يقدم بشأنها حتى الآن أدلة مادية قاطعة تدعم هذه الادعاءات الخطيرة. ويعكس قرار تشكيل اللجنة الوطنية رغبة السودان في إثبات براءته وتفنيد هذه المزاعم من خلال تحقيق داخلي شامل وموثوق به.
تشكيل اللجنة وأهدافها: تحقيق شامل وموثوق
تضم اللجنة الوطنية المشكلة بموجب قرار رئيس مجلس السيادة ممثلين عن ثلاث جهات حكومية رئيسية: وزارة الخارجية، وزارة الدفاع، وجهاز المخابرات العامة. هذا التشكيل المتكامل يهدف إلى ضمان إجراء تحقيق شامل يغطي كافة الجوانب الدبلوماسية والعسكرية والأمنية المتعلقة بهذه المزاعم. إن وجود ممثلين عن هذه المؤسسات الحيوية يضمن الوصول إلى المعلومات والوثائق اللازمة، بالإضافة إلى الخبرات المتخصصة في مجالات الدفاع والأمن الدولي.
الأهداف الرئيسية لهذه اللجنة تتمثل في:
- التحقق من صحة المزاعم الأمريكية: إجراء تحقيق دقيق ومستقل لتقييم صحة المزاعم المتعلقة باستخدام أسلحة كيميائية.
- جمع الأدلة والشهادات: جمع كافة الأدلة المتاحة، بما في ذلك شهادات الشهود، الوثائق، والتحليلات الفنية، لدعم أو دحض المزاعم.
- الامتثال للتعهدات الدولية: التأكيد على التزام السودان باتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، وتقديم دليل على التزامه بالشفافية والتعاون الدولي.
- إعداد تقرير شامل: رفع تقرير مفصل وفوري إلى رئيس مجلس السيادة، يتضمن نتائج التحقيق والتوصيات اللازمة.
من المتوقع أن تعمل اللجنة بكامل طاقتها لضمان إنجاز مهمتها في أقصر وقت ممكن، وهو ما يعكس جدية الحكومة السودانية في معالجة هذا الملف بأقصى سرعة وشفافية.
“حرب الكرامة” والخلفية السياسية:
تُطلق الحكومة السودانية مصطلح “حرب الكرامة” على العمليات العسكرية الجارية في البلاد، والتي تهدف إلى استعادة الاستقرار والأمن في مواجهة التحديات الأمنية المستمرة. وفي خضم هذه العمليات، برزت مزاعم أمريكية حول استخدام الجيش السوداني لأسلحة كيميائية، وهي اتهامات يرفضها السودان بشدة ويصفها بأنها عارية عن الصحة وتفتقر إلى الأدلة الدامغة.
وقد أكد المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية السودانية، في تصريحات صحفية، أن قرار تشكيل هذه اللجنة يعكس التزام السودان الراسخ بمبادئ القانون الدولي الإنساني واتفاقيات حظر الأسلحة الكيميائية التي وقع عليها وصادق عليها. وأضاف أن السودان يؤمن بضرورة التحقيق الشفاف والمهني في أي مزاعم تتعلق بانتهاكات للقانون الدولي، وأن هذه اللجنة ستكون الأداة المناسبة لتحقيق ذلك.
تداعيات القرار وتوقعات المجتمع الدولي:
لقد لاقى قرار تشكيل هذه اللجنة ترحيبًا من قبل مصادر دبلوماسية مطلعة، طلبت عدم الكشف عن هويتها، معتبرة إياها إشارة إيجابية على استعداد الخرطوم للتعاون الدولي وإزالة أي شبهات قد تضر بسمعة البلاد. وأشارت المصادر إلى أن هذه الخطوة قد تساهم في تخفيف حدة التوترات الدبلوماسية بين واشنطن والخرطوم، وتفتح الباب أمام حوار بناء قائم على الحقائق بدلاً من التكهنات والاتهامات غير المدعومة.
ومع ذلك، أكدت المصادر أن نجاح هذه اللجنة وفاعليتها سيعتمد بشكل كبير على استقلاليتها، وسرعة إنجازها لعملها، والشفافية في نشر نتائج تحقيقاتها. وتتطلع الأوساط الدولية إلى رؤية تقرير اللجنة وتفاصيله، خاصة وأن هذه المزاعم تحمل في طياتها تداعيات خطيرة على الساحة الدولية وتؤثر على العلاقات الدبلوماسية والتعاون الأمني.
يأتي هذا التطور في وقت يشهد فيه السودان تحديات داخلية وإقليمية معقدة. فالحرب الدائرة في البلاد تتسبب في معاناة إنسانية كبيرة وتفاقم الأوضاع الاقتصادية. وفي ظل هذه الظروف، تبرز أهمية معالجة المزاعم الدولية بكل شفافية ومسؤولية لضمان عدم تدهور الوضع أكثر وتجنب فرض عقوبات أو إجراءات قد تزيد من الأعباء على الشعب السوداني.
تعمل الدبلوماسية السودانية بجد لإيصال رسالة واضحة إلى المجتمع الدولي بأن السودان ملتزم بالمعايير الدولية وأنه ليس لديه ما يخفيه. ويعتبر تشكيل هذه اللجنة رسالة قوية تؤكد على هذا الالتزام، وتسعى إلى دحض أي مزاعم كاذبة قد تستخدم لتشويه صورة الجيش السوداني أو البلاد بشكل عام.
في الختام، يمثل قرار رئيس مجلس السيادة بتشكيل هذه اللجنة الوطنية خطوة محورية في مسار تعامل السودان مع هذه القضية الحساسة. ويبقى التحدي الأكبر أمام اللجنة هو إجراء تحقيق شامل وموضوعي، وتقديم تقرير شفاف يدحض المزاعم الأمريكية بالأدلة، مما سيعزز من مصداقية السودان على الساحة الدولية ويسهم في بناء الثقة مع الشركاء الدوليين. إن العالم ينتظر بفارغ الصبر نتائج هذا التحقيق، والتي سيكون لها بلا شك تأثير كبير على العلاقات السودانية-الأمريكية، وعلى مكانة السودان في المنظمات الدولية وحل النزاعات الإقليمية.