“خباز ماكرون”.. كيف استحوذ التونسيون على سر”خبز الإليزيه”؟
كتبت/ ميرا فتحي
“حرفة أبوك لا يغلبوك” مثل شعبي ينطبق على محمود مسدي، الذي أحب صناعة الخبز من أبيه، تعود منذ سن الثامنة على مرافقة والده إلى مخبز العائلة، حيث كان يبدأ عمله انطلاقا من الرابعة صباحا، يساعد في عجن الخبز وتخميره ثم ينتقل إلى مرحلة البيع عندما يفتح المخبز أبوابه أمام الزبائن.
ولم يتخيل محمود يوما أن زبونه الأول سيصبح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعد أن يحصل على لقب أفضل “باغيت” في فرنسا عام 2018 في مسابقة سنوية تنظمها بلدية باريس. وأنه هو نفسه في سن 27 سيعجن “الباغيت” وينقله كل صباح عند السادسة صباحا إلى قصر الإليزيه ليزين مائدة فطور الرئيس وسيدة فرنسا الأولى بريجيت ماكرون.
“مشهد توزيع الخبز كل صباح في قصر الإليزيه سيبقى خالدا في ذاكرتي، خصوصا لقائي المتكرر بالرئيس ماكرون والسيدة بريجيت التي كانت تصف خبز “الباغيت” الذي تصنعه أصابعي باللذيذ”، هكذا عبر محمود بكل فخر في حديثه لموقع الجالية العربية.
أفضل باغيت
ويعد محمود واحدا من خبراء الخبازين التونسيين في فرنسا، الذين أصبحوا ينافسون بقوة الخبازين الفرنسيين في مسابقة صاحب أفضل باغيت (خبز طويل) في فرنسا، إذ تناوب على جائزتها في العشر سنوات الأخيرة 5 خبازين من أصل تونسي.
ثم عاد لينسج خيوط بداية قصته مع النجاح والشهرة قائلا: “شاركت في المسابقة عام 2017 وحللت في المرتبة السابعة، أمر لم يحبطني بل حفزني لتصحيح أخطائي في صناعة هذا الخبر التقليدي المصنف مفخرة فرنسية، عدت وتدربت من جديد وأضفت بعض التقنيات على مهارتي التي اكتسبتها من أبي منذ الصغر، لأنه في الأصل يملك مخبزا في باريس، واستطعت الظفر بلقب أفضل خباز عام 2018”.
في عمر الثامنة
محمود الذي حصل على شهادة في الكيمياء، أكد أنه لم يكن أبدا بعيدا عن مجال الخبازة، إذ أنه بدأ العمل مع أبيه منذ سن الثامنة، ويضيف: “كنت أستيقظ يوميا على الساعة الرابعة صباحا رفقة أبي، نتوجه إلى المخبز الذي يعتبرها أبي إرثا عائليا كبيرا، كنت أساعده في عجن الخبز وأراجع دروسي في نفس الآن. كان روتينا يوميا يستهويني، دفعني لترك العمل بشهادتي، وإتقان حرفة والدي”.
ورغم معارضة والدته للقرار، نظرا لرغبتها في أن يصبح ابنها الوحيد كيميائيا أو مهندسا، استطاع محمود أن يبهر أمه ومحيطه بنجاحه في المسابقة وتزويد الإليزيه بالخبز لمدة عام من مخبز العائلة.
ويقول في هذا الشأن: ” أظن أنني ثأرت لوالدي بذاك الفوز لأنه كان قد شارك في المسابقة في إحدى السنوات ولم يفز، كما أقنعت والدتي أن المهن اليدوية لها شأنها في المجتمع أيضا. وبعد إعلان الجائزة مباشرة، تم التواصل معي من طرف الإليزيه كما هو التقليد، حتى أعلمهم بقبولي أو رفضي إمداد الرئاسة الفرنسية بالخبز يوميا، فكان جوابي، نعم بالتأكيد موافق، كان فخرا كبيرا لي ولأسرتي”.
خبز الباغيت الفرنسي
وعن أهم ما يميز خبز محمود الذي زين مائدة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أكد الخباز التونسي أنه يجب أن يكون عجينه خمر الوقت الكافي، وأن يطبخ جيدا بحيث يكون رطبا ومنفوخا من الخارج، وبداخله ثقوب على شكل فقاعات غير منتظمة، وعند قضمه يكون هشا طيبا، يذوب في الفم بكل سهولة.
أما فيما يخص حياته بعد الجائزة، فيوضح أنها تغيرت بشكل كبير، ويتابع “تغيرت حياتي بالكامل، اكتسبت احترام وثقة الجميع، لم يعد مخبز التونسي أو العربي في عيون الفرنسيين، بل مخبز الرئاسة الفرنسية، الكل يريد أن يتذوق مما يتناوله الرئيس، مما زاد من عدد زبنائننا الذين يقفون أحيانا في طوابير طويلة. كونت كذاك صداقات جديدة من ذهب، كما أصبحت تحت الأضواء، إذ أجريت عدة مقابلات تلفزيونية ومكتوبة لأنني أريد أن أمرر شغفي بصناعة الخبز لكل من يمارس هذه الحرفة أو يقلل من قيمتها”.
ويختم محمود حكيه قائلا: “خبز الباغيت أول ما يشتريه السائح الأجنبي بمجرد وصوله إلى فرنسا، شهرته تشبه شهرة برج ايفيل، أشجع الكل على المشاركة في المسابقة، والسعي وراء الفوز لأنه ليس مستحيلا، كما أنه يفتح آفاقا جديدة، فنحن بعد ذلك النجاح، استطعنا فتح مخبزا في حي باريسي آخر، كما نعمل على افتتاح مخبز في كندا ودول أخرى”.
ونشير إلى أن المسابقة التي تخص خبز “الباغيت” الفرنسي الشهير التي تنظم منذ العام 1994 من طرف بلدية باريس، تضم لجنة تحكيم مكونة من كبار الخبازين والصحفيين المتخصصين في المطبخ والمخابز، يقومون بتقييم كل خبز حسب شكله الخارجي ومذاقه ونكهته ومكوّناته ورائحته ولونه.
ويتسلم الفائز شهادة تقدير ومبلغ 4 آلاف يورو مع اعتماد الفائز لكي يصبح الممول الرسمي لقصر الإليزيه بالخبز كل صباح لمدة عام كامل.
ونظرا لسمعة وشهرة هذا النوع من الخبز الفرنسي على مستوى العالم، قرر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عام 2018 دعم حملة تهدف إلى إدراج خبز الباغيت الفرنسي في قائمة التراث العالمي غير المادي والتي تشرف عليها منظمة اليونيسكو.