أعماق المريخ وفرت فرصة لظهور الحياة قبل مليارات السنين
كتبت/ميثاء راشد
خلصت دراسة علمية جديدة إلى أن المنطقة الأكثر ملاءمة للحياة على كوكب المريخ قبل مليارات السنين كانت تقع على عمق يصل إلى عدة كيلومترات تحت سطحه، ويرجع ذلك حسب الباحثين إلى ذوبان الصفائح الجليدية السميكة تحت السطح بتأثير الحرارة الجوفية.
قد تساعد هذه النتائج، كما يقول الباحثون، في حل لغز مصدر الدفء الذي ساد المريخ في تلك الفترة المبكرة ويحير العلماء منذ زمن.
وجاء ذلك في دراسة قادها باحثون من جامعة روتجرز (Rutgers University) الأميركية ونشرت في دورية “ساينس أدفانسز” (Science Advances)، في 2 ديسمبر/كانون الأول الجاري.
مفارقة الشمس الفتية
تشبه شمسنا مفاعلا نوويا ضخما يولد الطاقة عن طريق دمج الهيدروجين في الهيليوم، لكنها كانت أقل تألقا قبل حوالي 4 مليارات سنة، ولم يزد سطوعها على 70% عما هو عليه اليوم. وأدت زيادة سطوعها بمرور الوقت، إلى نشر الدفء على أسطح الكواكب في نظامنا الشمسي تدريجيا. لذلك اعتقد العلماء أن مناخ المريخ كان متجمدا في الفترة المبكرة من عمر المجموعة الشمسية.
غير أن الحقيقة تبدو غير ذلك، بحسب بيان صحفي لجامعة روتجرز، إذ تشير العديد من الأدلة الجيولوجية، مثل مجاري الأنهار القديمة، وأدلة أخرى كيميائية، كالمعادن الموجودة على سطح المريخ، إلى أن الكوكب الأحمر كان يحتوي على مياه سائلة وفيرة بين 4.1 مليارات و3.7 مليارات سنة قبل الآن، وهي الحقبة المعروفة لدى العلماء بعصر “نواشيان” (Noachian). ويطلق العلماء على هذا التناقض الظاهر بين السجل الجيولوجي والنماذج المناخية اسم “مفارقة الشمس الفتية الباهتة”.
ووفقا للمؤلف الرئيسي لوجندرا أوجها، الأستاذ المساعد في كلية الآداب والعلوم في جامعة روتجرز، فإن عمليات المحاكاة الحاسوبية تظهر أن الدفء الذي ساد سطح كوكب المريخ في تلك الحقبة لا يمكن أن يكون ناجما عن غازات الدفيئة وبخار الماء في جو المريخ. لذلك فإن النماذج المناخية لا تزال غير قادرة على تفسير ما حدث.
حرارة جوفية
لحل المعضلة، اقترح أوجها وزملاؤه في الدراسة الجديدة أن تكون للمريخ حرارة جوفية عالية في الماضي أدت إلى ذوبان الماء تحت السطح. فالمريخ مثله مثل بقية الكواكب الصخرية (الأرض والزهرة وعطارد)، يحتوي على الكثير من العناصر مثل اليورانيوم والثوريوم والبوتاسيوم التي تولد الحرارة عبر الاضمحلال الإشعاعي.
ويمكن، في مثل هذا السيناريو حسب الباحثين، أن يوجد الماء السائل من خلال الذوبان الذي يحصل في قاع الصفائح الجليدية السميكة، حتى لو كانت الشمس أضعف من الآن.
فعلى الأرض، على سبيل المثال، تشكل الحرارة الجوفية بحيرات عميقة في مناطق الغطاء الجليدي في غرب أنتاركتيكا (Antarctica) -القارة القطبية الجنوبية- وغرينلاند والقطب الشمالي الكندي. ومن المحتمل أن ذوبانا مماثلا قد حصل على المريخ البارد والمتجمد قبل 4 مليارات سنة وهو ما يفسر وجود الماء السائل تحت سطحه.
الحياة في أعماق المريخ
وفحص العلماء مجموعات مختلفة من بيانات المريخ لمعرفة ما إذا كان التسخين عن طريق الحرارة الجوفية ممكنا في عصر “نواشيان”. وأظهروا أن الظروف الملائمة للذوبان تحت السطح كانت موجودة في كل مكان على المريخ القديم.
ورغم أن مناخه كان دافئا ورطبا قبل 4 مليارات عام، فإن عوامل مختلفة مثل فقدانه المجال المغناطيسي، وانقشاع غلافه الجوي والانخفاض اللاحق لدرجات الحرارة مع مرور الوقت، أدت إلى تحول الكوكب إلى ما نراه اليوم.
في المقابل، ظل الماء السائل مستقرا في أعماق كبيرة فقط، وإن كانت الحياة قد وجدت على المريخ، فقد تكون قد اتبعت الماء السائل إلى أعماق أكبر تدريجيا، وفقا للباحثين.
“في مثل هذه الأعماق، كان من الممكن أن تستمر الحياة من خلال النشاط الحراري المائي (التسخين) وتفاعلات المياه الصخرية. لذلك، قد تمثل الطبقة تحت السطحية البيئة الصالحة للحياة الأطول عمرا على المريخ.” كما يقول أوجها.
وبحسب مؤلفي الدراسة، فإن مركبة الفضاء المريخية “إنسايت” (InSight) التابعة لناسا التي هبطت في عام 2018 ستسمح للعلماء بإجراء تقييم أفضل لدور الحرارة الجوفية في قابلية كوكب المريخ لإيواء شكل من أشكال الحياة خلال عصر “نواشيان”.