د . حامد محمود يكتب: ادارة بايدن وطوفان الاقصى .. دوافع التأييد الامريكى الاعمى لاسرائيل ” 3 – 3 “
المدير التنفيذى لمركز الفارابى للدراسات والابحاث الاستراتيجية
وبطبيعة الحال هناك تفسر جملةٌ من الأسباب الانحياز المطلق لبايدن وإدارته إلى إسرائيل، وهي:
الشغف الشخصي لبايدن بالصهيونية وبإسرائيل، وهو لا يفتأ يعيد تصريحًا أطلقه منذ عقود يتباهى فيه بصهيونيّته، “لا تحتاج أن تكون يهوديًا حتى تكون صهيونيًا”. وهو يكرر دائمًا أنه “لو لم تكن هناك إسرائيل، لكان علينا أن نخترع إسرائيل”. وقد أعاد تكرار هذه المواقف، في خطابه في العاشر من الشهر الجاري، الذي كان الأكثر تماهيًا مع إسرائيل، وتبنّى على نحو مطلق موقفها.
الحسابات السياسية؛ فاقتراب الانتخابات الرئاسية، العام المقبل، يمثّل فرصة لبايدن وللديمقراطيين لتقديم أنفسهم باعتبارهم داعمين أقوياء لإسرائيل وأمنها، بعد سنواتٍ من التوتر مع نتنياهو وحكومته اليمينية، واستغلال الجمهوريين ذلك لاتهامهم بالتخلي عن إسرائيل، خصوصًا في ظلّ مساعي إدارة بايدن لإحياء الاتفاق النووي مع إيران.
وتُظهر استطلاعات الرأي تراجع دعم الديمقراطيين لإسرائيل، وتحديدًا في صفوف الجناح التقدمي في الحزب وكانت علاقات بايدن قد شابها توتر كبير مع نتنياهو، هذا العام تحديدًا، على خلفية إصرار حكومة الأخير على تمرير حزمة قوانين “الإصلاح القضائي”، التي تسببت في انقسام إسرائيلي حاد. ويزعم الجمهوريون أن صفقة تبادل السجناء بين إيران والولايات المتحدة، الشهر الماضي (أيلول/ سبتمبر)، وما تضمنته من إفراج مشروط عن ستة مليارات دولار مجمّدة تعود لإيران، ساهمت في تمويل عملية حماس، رغم أن إيران لم تستلمها حتى الآن. كما أن إدارة بايدن وجدت نفسها في موقع الدفاع عن سياستها الشرق أوسطية؛ فقد حمّلها بعض الخبراء مسؤولية ما جرى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وعدّوه دليلًا على فشل مقاربتها للشرق الأوسط، التي قامت على توسيع الاتفاقات الإبراهيمية، التي بدأتها إدارة دونالد ترامب، للتطبيع بين دول عربية وإسرائيل، في حين تجاهلت الفلسطينيين. ويسوق الناقدون هنا تصريحًا لمستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، في 29 أيلول/ سبتمبر 2023، أشاد فيه بمقاربة الإدارة في الشرق الأوسط قائلًا: إن “منطقة الشرق الأوسط أكثر هدوءًا اليوم مما كانت عليه منذ عقدين من الزمن”. وكان الافتراض القائم هو أن تحقيق نوع من السلام بين العرب وإسرائيل سيرغم الفلسطينيين على القبول بما تريد إسرائيل فرضه عليهم، بعد أن يجدوا أنفسهم معزولين في ظل تطبيع سياسي واقتصادي عربي – إسرائيلي، في حين أن الأحداث تثبت أنه لا يمكن التغاضي عن معاناة الفلسطينيين ومطالبهم المشروعة بالحرية والكرامة والاستقلال.
علاقة التحالف الأميركي – الإسرائيلي الوثيقة؛ إذ إن الولايات المتحدة تنظر إلى إسرائيل على أنها قاعدة متقدمة لها في المنطقة، وهي تشكّل حجر الزاوية في مقاربتها الأمنية في الشرق الأوسط. إلا أن الهشاشة الأمنية والعسكرية التي بدت عليها إسرائيل صباح يوم السابع من أكتوبر فاجأت واشنطن وصدمتها وزعزعت ثقتها بها. وبهذا المعنى، يهدف التدخل الأميركي المباشر إلى منع حدوث انهيار إسرائيلي محتمل في حال توسّع الصراع، وما قد ينجرّ عن ذلك من تداعيات على الحسابات الاستراتيجية الأميركية. وبما أن إدارة بايدن جاءت إلى البيت الأبيض معلنةً أن الصين هي “التحدّي الجيوسياسي” الأساسي للولايات المتحدة، وبدرجة أقلّ روسيا، فإنها سعت إلى تخفيض الالتزامات الأميركية في الشرق الأوسط. وعمدت هذه الإدارة، لتحقّق ذلك، إلى محاولة البناء على مقاربة إدارة ترامب في توسيع نطاق التطبيع العربي – الإسرائيلي، خصوصًا على مستوى العلاقات بين السعودية وإسرائيل، وبناء هيكل إقليمي أمني جديد مرتبط بها، وعزّزته بمكون اقتصادي، يتمثل في الممرّ الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، الذي طُرح على هامش قمة العشرين التي عُقدت في نيودلهي، في الشهر الماضي (أيلول/ سبتمبر)، لمنافسة مبادرة الحزام والطريق الصينية. وافترضت إدارة بايدن في كل ذلك أن إسرائيل ستكون بمنزلة الرافعة لحلفائها العرب لمعادلة النفوذ الإيراني وقدراته في المنطقة، إلا أن ذلك بدا كأنه يتداعى بعد هجوم حماس الأخير. وهذا ما دفع إدارة بايدن إلى العودة إلى المنطقة لتمكّن إسرائيل من ترميم صورة الردع التي تلقّت ضربة كبيرة، وكي تمنع فتح جبهاتٍ جديدة ضدّها، قد تتسبب في حرب إقليمية ربما لا تتمكّن إسرائيل من مواجهتها