اليمني عمرو جمال مخرج فيلم “المرهقون” يتحدث عن كواليس النجاح والجوائز
كتبت / مريم محمد
حصل الفيلم اليمني “المرهقون” (The Burdened) على العديد من الجوائز الإقليمية والعالمية، كما شارك العمل الذي أخرجه الشاب عمرو جمال في محافل دولية، بينها بانوراما مهرجان برلين الدولي ومهرجان ديربان السينمائي بجنوب أفريقيا.
قدم عمرو جمال فيلما سابقا هو “10 أيام قبل الزفاف”، بالإضافة إلى عدد من الأعمال التلفزيونية والمسرحية المتميّزة، واختار أن يلامس فيلمه “المرهقون” وقائع حقيقية شهدتها مدينة عدن في عام 2019. يتحدث عن تجربته ورؤيته الفنية وقضايا أخرى نكتشفها في الحوار التالي:
-
ما أبرز الجوائز التي حققها فيلم “المرهقون”؟
حاز الفيلم على العديد من الجوائز، إلى جانب عرضه في العديد من المهرجانات العريقة حول العالم، وهو ما تجاوز كل توقعاتنا. كانت بداية الرحلة في شهر فبراير/شباط الماضي في مهرجان برلين السينمائي الدولي، حيث حقق جائزتين، الأولى كانت جائزة منظمة العفو الدولية، والثانية المركز الثاني في تصويت جمهور قسم البانوراما.
توالت المهرجانات والجوائز والمشاركات بعد ذلك، حيث فاز بجائزة لجنة التحكيم لأفضل إخراج وأفضل سيناريو من مهرجان فالنسيا السينمائي الدولي، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة لأفضل فيلم من مهرجان تايبيه السينمائي الدولي في تايوان، وجائزة أفضل نص من مهرجان ديربان السينمائي الدولي في جنوب أفريقيا.
شاركنا في مهرجانات عريقة مثل بكين وسيدني وشنغهاي، ومهرجان يرفان السينمائي الدولي في أرمينيا. ويعرض “المرهقون” قريبا ضمن فعاليات مهرجان “روفا مونامور” في هولندا، وهناك العديد من المهرجانات التي سنعلن عنها في وقتها.
هذه التكريمات والجوائز والعروض المهمة في المهرجانات العريقة حول العالم، بالتأكيد أكسبتنا ثقة كبيرة، وأعتقد أنها ستكون حافزا مهما لجيل جديد من صناع الأفلام في اليمن.
-
كيف تم استقبال الفيلم أثناء عرضه في الفعاليات المختلفة؟
تم استقباله بحفاوة كبيرة في مختلف المهرجانات، لأنه لا توجد إنتاجات سينمائية كثيرة من اليمن، ومن خلال فيلمنا يمكن للجمهور العالمي أن يطل على اليمن ويشاهد تفاصيل الحياة اليومية لبلد مغيّب تماما عن الإعلام ويعاني منذ سنوات ظروفا سياسية وإنسانية صعبة.
والملفت بالنسبة لي كان تفاعل الجمهور بعد انتهاء عرض الفيلم، هذا التفاعل الإيجابي جعل العروض التالية أكثر ازدحاما وأكثر تفاعلا، مما يدل على أن الفيلم استطاع أن ينال إعجاب الجمهور بعد أن أثار فضوله، وهذا شيء مهم بالنسبة لي كصانع فيلم، فأنا لا أريد أن يكون الفيلم مثاراً للفضول فقط، بل أطمح أن نكون أنتجنا عملا جيد الصنع يدفع الجمهور للتفاعل مع أحداثه وشخصياته، وليس مجرد نافذة يطلون من خلالها على اليمن.
-
أحداث الفيلم تعتمد على واقعة حقيقية حدثت عام 2019 ، فلماذا فضلت اختيار هذه المرحلة تحديدا؟
ما جعل التاريخ مهما بالنسبة لي كمخرج للفيلم هو أن المجتمع اليمني مرّ في هذا العام بظروف شديدة القسوة.
كانت عدن منهكة بالوجود العسكري المكثف لأطراف متعددة، وتزامن هذا الوجود العسكري المفرط وغير المفهوم مع الانهيار المتسارع للاقتصاد كأحد توابع حرب 2015، وهذا ما دفعني لتسمية الفيلم “المرهقون”، حيث إنها شكلت مرحلة الإرهاق وبداية فقدان الأمل، وأعتقد أننا اليوم تجاوزنا الإرهاق إلى مراحل أشد وأعتى.
-
قدمت قصة الفيلم القاسية بلغة سينمائية شديدة العذوبة والهدوء أيضا، هل كان ذلك مقصودا؟
صحيح أن قصة الفيلم شديدة القسوة، لكني أنتمي إلى مدرسة لا تفضل صناعة فيلم عالي الصوت أو مثيرا للشفقة والاستجداء العاطفي. أحببت أن يكون الفيلم شديد العذوبة، وأن تكون هناك فرصة لتأمل المكان، كونها فرصة نادرة لتوثيق مدينة عدن من خلال فيلم سينمائي، وهو أمر قد لا يكون من السهل تكراره في وقت قريب.
لجأت إلى فكرة تصويره بهذه الطريقة الهادئة، التي تعتمد على لقطات واسعة متواصلة، حيث يكسب المكان أهمية لا تقل عن أهمية الشخصيات، وأبطال الفيلم رغم كل الظروف التي يمرون بها هم شخصيات قوية تحاول أن تعيش يوما آخر بكرامة وتحارب من أجل أن تحقق لأطفالها ولنفسها حياة كريمة.
ورغم كل الضغوط النفسية التي يتعرض لها أبطال العمل وما تسببه من نوبات غضب وحالات عدم اتزان، فإنهم يعتذرون إذا اخطؤوا في حق بعضهم، شخصيات من دم ولحم تشبه الشخصيات التي تحيط بي والتي أحببت أن أنقل طبيعتها إلى العالم، فالشخصية اليمنية تمتلك هذه الدرجة من العذوبة وعزة النفس التي شاهدتموها في الفيلم.
-
ما الصعوبات التي واجهتها أثناء تنفيذ الفيلم؟
اليمن بلد لا توجد فيه صناعة سينما. في الماضي، كانت هناك بعض دور العرض السينمائية، خصوصا في مدينة عدن التي عرفت السينما منذ الثلاثينيات حتى منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، بعد ذلك أغلقت تلك الدور لأسباب سياسية.
خلال تلك الفترة كان هناك إقبال جماهيري كبير على مشاهدة الأفلام، ولكنها كانت أفلاما مصرية وهندية وأميركية، ولم يكن هناك إنتاج سينمائي يمني، فعدد الأفلام اليمنية الروائية الطويلة لا تتجاوز الستة أعمال.
ولكن في السنوات القليلة الماضية بدأت تظهر محاولات من جيل الشباب لإنتاج بعض الأفلام القصيرة والطويلة.
أما معاناة صناع السينما في اليمن فهي المعاناة نفسها التي واجهت الشخصيات في فيلم “المرهقون”، فأنت تتكلم عن بلد انهارت فيه البنية التحتية، بلد للأسف معظم مدنه خاضعة لسيطرة مليشيا عسكرية، مما يجعل التحرك في الشارع بكاميرا أمرا صعبا للغاية باستثناء مدينة عدن، التي ما زالت فيها مساحة من حرية التعبير وإمكانية التصوير في الشارع.
في كل المدن اليمنية، يعتبر الحصول على كهرباء وماء مهمة معقدة للغاية، وأحيانا ينقطع الوقود لأيام عديدة، مما يسبب شللا عاما في الحركة حتى إن شبكات الاتصالات ضعيفة والتواصل بين الناس صعب للغاية.
كل هذه المعوقات تجعل التفكير في تصوير فيلم سينمائي كابوسا، حيث إن النفقات تكون مضاعفة وتشغل بالك كفنان مشكلات بعيدة كل البعد عن مشاكل صناعة السينما. كذلك ينقص البلد الكوادر السينمائية، إذ إنه منذ سنوات طويلة لم يتم تأهيل أية كوادر سينمائية، ولم يتم تطوير الممثلين والتقنيين. من الصعب أن تجد تقنيين محترفين في اليمن، ولا توجد أية أدوات سينمائية، هذه معوقات تجعل صناعة السينما أمرا شديد التعقيد في اليمن.
-
الفيلم تلقى دعما إنتاجيا من جهات ودول مختلفة، هل هناك جهات فرضت شروطا معينة على الفيلم؟
حظي الفيلم بالدعم من جهات محلية وأخرى دولية، استطعنا الحصول على تمويل من جهات حكومية ورجال أعمال، وهو التمويل الذي أنتجنا به الفيلم في مراحله الأولى، ثم استطعنا أن نحصل على تمويل ما بعد الإنتاج من جهات سينمائية، أهمها مهرجان البحر الأحمر ومهرجان كارلو فيفاري السينمائي ومهرجان مالمو للفيلم العربي، وكل هذه الجهات دعمتنا دون أي تدخل في النص.
بشكل عام أنا شخصيا لا يمكن أن أقبل دعما يشترط إضافات أو تعديلات في الفيلم، وكنت محظوظا بأن كل الجهات التي ذكرتها سابقا آمنت بفكرة الفيلم، وآمنت بنا كصناع، ولم يطلبوا أي تدخل في النص.