د. الضويني يستعرض جهود الأزهر بقيادة الإمام الأكبر في رعاية ذوي الهمم
وكيل الأزهر: الإسلام ضرب أروع الأمثلة في حفظ حقوق ذوي القدرات والهمم
كتب/ جودة لطفي
قال فضيلة الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، إن المؤتمر الدولي الثالث لكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بالقاهرة «الرِّعايةِ الشَّرعيَّةِ والقانونيَّةِ لذوي الهممِ في ضوءِ رؤيةِ مصرَ 2030»، يعالج اليوم قضيَّة مهمَّة، من أجل تقديم إضافة علميَّة مجتمعيَّة جديدة تُضافُ إلى سجلِّ هذه المؤسَّسةِ العريقةِ الَّتي حملتْ –منذ إنشائِها- أمانةَ الدِّينِ ونقلِ علومِه، ودعوةِ النَّاسِ إليه، وتهذيبِ وجدانِهم، وتوجيهِ سلوكِهم، وترجمتْ على أرضِ الواقعِ أُسُسَ المحبَّةِ والسَّلامِ بينَ جميعِ البشرِ، وأعلتْ من شأنِ الكرامةِ الإنسانيَّةِ والإخاءِ.
ونقل وكيل الأزهر خلال كلمته في مؤتمر كلية الشريعة والقانون بمركز الأزهر للمؤتمرات تحيَّات فضيلةِ الإمامِ الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر، ورجاءَه الصَّادقَ لهذا المؤتمرِ أن يؤتي ثمراتِه المباركةَ شرعًا وقانونًا، كما قدم وكيل الأزهر الشُّكرِ والتَّقديرِ لعلماءِ الأزهرِ وخاصَّةً من كليَّةِ الشَّريعةِ الَّذين لا يزالون يثبتون مرَّةً بعد مرَّةٍ أنَّ الأزهرَ ليس جدرانًا صامتةً، وإنَّما هو عقولٌ مفكِّرةٌ وقلوبٌ متَّقدةٌ؛ فقد أحسنوا في اختيارِ عنوانِ مؤتمرِهم، راجيًا أن يخرج المؤتمر بوثيقة أزهريَّة جديدة تكشفُ ملمحًا مهمًّا من ملامحِ تميُّزِ تراثِنا وتاريخِنا في العنايةِ بذوي الهممِ، وتقدِّمُ لهم عنايةً وضمانةً شرعيَّةً وقانونيَّةً تكفلُ لهم حقوقَهم.
وأكد فضيلته أن الإسلام جاء بجملةٍ من المبادئِ الأخلاقيَّةِ والقيمِ الحضاريَّةِ الَّتي تعصمُ النُّفوسَ، وتحفظُ الأرواحَ، وتضبطُ حركةَ الحياةِ والأحياءِ، فلا فرقَ في الإسلامِ بين بني الإنسانِ بسببِ اللَّونِ، أو الجنسِ، أو اللِّسانِ، فهم جميعًا من أصلٍ واحدٍ: أبٍ واحدٍ، وأمٍّ واحدةٍ، قالَ تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء».
وأضاف فضيلته أن ديننا الإسلامي قد ضربَ أروعَ الأمثلةِ في توفيرِ الرِّعايةِ الكاملةِ لذوي الهممِ، والعملِ على قضاءِ حوائجِهم، وجعلَ لهم الأولويَّةَ في التَّمتُّعِ بكافَّةِ الحقوقِ الَّتي يحصلُ عليها غيرُهم دون تمييزٍ، كما عُنيت الشَّريعةُ الإسلاميَّةُ بكلِّ فئاتِ المجتمعِ، ولم يفضِّل أحدًا على أحدٍ أو أمَّةً على أمَّةٍ إلَّا بالتَّقوى؛ قال تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» فمقياسُ الأفضليَّةِ في الإسلامِ هو التَّقوى.
وتابع وكيل الأزهر أنه من خلالِ هذه المبادئِ نفَّذت الدَّولةُ المصريَّةُ العديدَ من التَّدابيرِ والسِّياساتِ لتعزيزِ حقوقِ الأشخاصِ ذوي الإعاقةِ، كإعلانِ عامِ 2018 عامًا لذوي الاحتياجاتِ الخاصَّةِ، وفي العام نفسِه صدرَ قانونُ 10 لسنةِ 2018م ولائحتُه التَّنفيذيَّةُ، والَّذي ينصُّ على حقوقٍ وامتيازاتٍ عديدةٍ لذوي الهممِ، ويُعزِّزُ دمجَهم في المجتمعِ، ويدعمُ تمكينَهم العلميَّ والعمليَّ.
وأوضح فضيلته أن الأمر لم يتوقَّف عند قانونٍ بل إنَّ دستورَ 2014م في مادته (٨١) كفل أن تلتزمَ الدَّولةُ بضمانِ حقوقِ الأشخاصِ ذوي الإعاقةِ والأقزامِ، صحِّيًّا واقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا وترفيهيًا ورياضيًا وتعليميًا، وتوفيرِ فرصِ العملِ لهم، مع تخصيصِ نسبةٍ منها لهم، وتهيئةِ المرافقِ العامَّةِ والبيئةِ المحيطةِ بهم، وممارستِهم لجميعِ الحقوقِ السِّياسيَّةِ، ودمجِهم مع غيرِهم من المواطنين، إعمالًا لمبادئِ المساواةِ والعدالةِ وتكافؤِ الفرصِ.
وبيَّن وكيل الأزهر أن عقيدة القيادةِ السِّياسيَّةِ في مصرَ منذ 2014 راسخةً في دعمِ ذوي الهممِ كشريكٍ أساسيٍّ في كافَّةِ المحافلِ الرِّئاسيَّةِ، وكان سيادةُ الرَّئيسِ عبد الفتاح السِّيسي شديدَ الحرصِ على مشاركتِهم مناسباتِهم الخاصَّةَ، وليس هذا فقط بل والعملِ على إتاحةِ الفرصةِ لهم لتقديمِ مهاراتِهم وقدراِتهم الخاصَّةِ أمامَ العالمِ أجمع، كمشاركةِ متحدِّي الإعاقةِ بمنتدى شبابِ العالمِ 2018 بورشةِ «تمكينِ الأشخاصِ ذوي الإعاقةِ، نحو عالمٍ متكاملٍ» والَّتي شهدت لفتاتٍ إنسانيَّةً رائعةً من قِبلِ المشاركين في المنتدى تجاه ذوي الإعاقةِ بعد أن عصبَ المشاركون بالجلسةِ أعينَهم لمشاركةِ ذوي الإعاقةِ ألمَهم وفقدانَ البصرِ.
ولفت فضيلته إلى أنه في إطار وعيِ القيادةِ السِّياسيَّةِ وإرادتِها الواضحةِ تحرَّكت كافَّةُ أجهزةِ الدَّولةِ في سبيل إقرارِ تمتُّعِ ذوي الإعاقةِ بجميعِ حقوقِ الإنسانِ والحرِّيَّاتِ الأساسيَّةِ على قدمِ المساواةِ مع الآخرين. ولا عجبَ في ذلك فهم شريحةٌ غيرُ قليلةٍ من المجتمعِ، ومن بينهم عديدٌ من النَّماذجِ المُتميِّزةِ علميًّا ورياضيًّا بل وفي مختلفِ المجالاتِ، والدَّولةُ تنظرُ إليهم باعتبارِهم جزءًا رئيسيًا من قُوَّةِ العملِ، ومُكوِّنًا مهمًّا للَّثروةِ البشريَّةِ، وتحرصُ الدَّولةُ على تعظيمِ الاستفادةِ منها في إطارِ التَّوجُّهِ الأوسعِ بالاستثمارِ في البشرِ.
وأكد فضيلته أن الأزهرَ الشَّريفَ وعلى رأسِه فضيلةُ الإمامِ الأكبر قد أولى ذوي الهممِ عنايةً خاصَّةً، ولم يكن هذا الاهتمامُ بأبناءِ الأزهر من ذوي الهممِ في جميعِ مَراحلِ التَّعليمِ الجامعيَّةِ وقبلَ الجامعيَّةِ مِنَّةً أو تفضُّلًا، وإنَّما هو واجبٌ تقومُ به المؤسَّسةُ عن إيمانٍ ورضًى، حيث يتجاوزُ عددُهم 4135 طالبًا وطالبة، كما يهتمُّ بشكلٍ خاصٍّ بأبنائِه كريمي البصرِ الَّذين بلغَ عددُهم ما يقربُ من ألفي طالبٍ.
وأشار فضيلته إلى أنه في سبيلِ ذلك قامَ الأزهرُ الشَّريفُ بخطواتٍ كبيرةٍ من أجلِ تعليمِ أبنائِه من ذوي الهممِ، منها على سبيلِ المثالِ لا الحصر، إنشاءُ مركزِ «إبصار» بالجامعةِ بفرعِ مدينةِ نصر، وفرعِ أسيوط، وفرعِ طنطا، بالإضافةِ إلى المركزِ الموجودِ بفرعِ الدَّراسةِ بكليَّةِ أصولِ الدِّينِ، وقد زُوِّدت هذه المراكزُ بأحدثِ أجهزةِ الكمبيوترِ اللَّازمةِ لتدريب «متحدِّي الإعاقةِ البصريَّةِ» وعلى يد أساتذةٍ في مثلِ حالاتِهم، ولكنَّهم أصحابُ خبراتٍ جيِّدةٍ في هذا المجالِ.
وذكر فضيلته أن هناك أيضا صندوق تكافلٍ اجتماعيِّ بالجامعةِ خاصًا بالطُّلَّابِ والطَّالباتِ ذوي القدراتِ الفائقةِ، يوفِّرُ لهم كلَّ ما يحتاجونه من أجهزةٍ تعويضيَّةٍ أو دراجاتٍ ناريَّةٍ مجهَّزةٍ، أو أيِّ أجهزةٍ أو أدواتٍ تيسِّرُ لهم تحدِّي الإعاقةِ. كما عقدَ الأزهرُ العديدَ من الدَّوراتِ لتأهيلِ الطُّلَّابِ وتعليمِهم القراءةَ والكتابةَ بطريقةِ «برايل» في المرحلةِ قبلَ الجامعيَّةِ والَّتي كان آخرُها بالتَّعاونِ مع مؤسَّسةِ أخبارِ اليوم، كما عَقَد شراكةً مع وزارةِ التَّضامنِ لتوفيرِ بطاقةِ الرِّعايةِ الشَّاملةِ الَّتي تعطيهم الكثيرَ من المميِّزاتِ، فضلًا عن تَوفيرِ الأجهزةِ التَّعويضيَّةِ للمحتاجين وصرفِ إعانةٍ شهريَّةٍ لهم من بيتِ الزَّكاةِ والصَّدقاتِ المصريِّ الَّذي يشرفُ عليه فضيلةُ الإمامِ الأكبرِ شيخِ الأزهرِ.
وتحدث وكيل الأزهر عن تحريم الإسلام كل ما يُخلُّ بتكريمِ الإنسانِ، ولم يفرِّق بين بني الإنسانِ لأيِّ سببٍ، ومن باب أولى ذوو الهمم، الَّذين حثَّت الشَّريعةُ على التَّأدُّبِ معهم بآدابِ الإسلامِ الَّتي تزرعُ المحبَّةَ والودَّ وتقطعُ أسبابَ الشَّحناءِ والحزنِ، ومن ذلك أنَّه جعلَ السُّخريةَ والاستهزاءَ والهمزَ من المحرَّماتِ والكبائرِ، حيث يقولُ اللهُ تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ، وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَان،ِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ»، وهكذا نهى القرآنُ الكريمُ ونهى النَّبيُّ صلَّي اللهُ عليه وسلَّم نهيًا قاطعًا وعامًّا أن تُتَّخذَ العيوبُ الخَلقيَّةُ سببًا للتَّندُّرِ أو التَّقليلِ من شأنِ أصحابِها؛ ولذا كان من الواجبِ أن يُعطى ذوو الهممِ حقوقُهم كاملةً في المساواةِ بغيرِهم ليَحيَوا حياةً كريمةً قدرَ الإمكانِ.
وفي ختام كلمته، أكد وكيل الأزهر أن الرِّضى بقضاءِ اللهِ وقدرِه علامةٌ على صدقِ الإيمانِ وسببٌ قويٌّ لتحصيلِ الرَّاحةِ والطُّمأنينةِ في الحياةِ، فيعيشُ ذوو الهممِ ممَّن ابتلي بشيءٍ من الإعاقةِ العقليَّةِ أو العضليَّةِ أو العصبيَّةٍ بنفسيَّةٍ عجيبةٍ تجعلُ الأصحَّاءَ المعافين يتَّخذونهم قدوةً لهم في الصَّبرِ والتَّسليمِ، بل قد يكونُ المُبتلى أعظمُ قدرًا عند اللهِ أو أكبرُ فضلًا على النَّاسِ علمًا وجهادًا وتقوًى وعفَّةً وأدبًا. وما يقدِّمُه الأزهرُ لذوي الهممِ وما زالَ يقدِّمُه يتوافقُ مع حزمةِ الإجراءاتِ الَّتي أعلنَها الرَّئيسُ عبدُ الفتَّاح السِّيسي في احتفاليَّةِ «قادرون باختلاف»؛ الَّتي تستهدفُ إبرازَ قدراتِ وإبداعاتِ ذوي الهممِ والإسهاماتِ في إبرازِ الجمهوريَّةِ الجديدةِ ممَّا يفتحُ لهم آفاقَ المستقبلِ وفقَ رؤيةِ مصرَ 2030.
وتعقد كلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر بالقاهرة تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر أ.د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، المؤتمر الدولي العلمي الثالث، تحت عنوان: «الرعاية الشرعية والقانونية لذوي الهمم في ضوء رؤية مصر 2030»، على مدار يومي السبت والأحد 6و7 مايو 2023م، بمركز الأزهر للمؤتمرات.