البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي يحدثان ثورة كبرى في علاج الأمراض
كتبت/ مريم محمد
تعزز البيانات التقدم في قطاع الرعاية الصحية في كل مكان بالعالم، حيث تعتمد المستشفيات ومقدمو الرعاية الصحية ووكالات التأمين والباحثون حول العالم عليها لتقديم خدماتهم للمرضى والمحتاجين.
ومع ذلك، فإن جمع هذه البيانات ليس مهمة سهلة على أي شخص داخل نظام الرعاية الصحية، ويرجع ذلك في الدرجة الأولى إلى عنصر أساسي واحد وهو أننا بشر بقدرات محدودة.
خبرات جديدة
تتغير الخبرات الطبية مع كل مرض أو علاج جديد يتم اكتشافه، وكشفت جائحة كورونا أن نظام الرعاية الصحية العالمي لم يكن مستعدا للتعامل مع مثل هذه الكارثة، وقد اكتسبت البشرية والقطاع الطبي خبرات مهمة أدت إلى تغير الكثير من المفاهيم السابقة، ويعود السبب في هذا التغيير إلى التكنولوجيا التي مكنت من التحول السريع في تطوير اللقاحات والعلاجات الفعالة.
مثلا، مع التطور التكنولوجي الحاصل باستخدام الذكاء الاصطناعي أصبح بالإمكان فحص أعراض الكثير من الأمراض داخل المنزل والتأكد منها قبل اتخاذ قرار الذهاب إلى الطبيب، وذلك كما ذكرت دراسة أجرها علماء من جامعة واترلو الكندية، وتم نشرها على منصة الجامعة مؤخرا.
وباستخدام التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي تم جمع وتحليل كميات كبيرة من البيانات بنجاح لمعرفة الأنماط المرضية، وتمت إضافة هذه البيانات الجديدة إلى تلك الموجودة سابقا، والتي ساعدت جميعها في تقدم البحث الطبي الذي ساعد في تطوير اللقاحات الفعالة.
لكن، ماذا لو تطور فيروس “كوفيد-19” إلى سلالة أكثر قوة وفتكا ولم تكن لدينا التكنولوجيا اللازمة لتتبعها أو دراستها بشكل فعال؟ كنا بكل تأكيد سنخسر المزيد من الأرواح البشرية في الوقت الذي سنمضيه في جمع البيانات ونقلها وتحليلها.
يعد الفيروس أيضا مثالا رائعا على كيفية تطور تكنولوجيا البيانات الضخمة، فقد كان هناك الكثير لفهمه خلال الوباء من حيث نتائج البحث وتنوع العلاج وأوجه القصور في البنية التحتية الطبية.
وساعدت طرق معالجة البيانات الضخمة أثناء الوباء بشكل كبير في تقصير وقت رد الفعل الذي كنا نتوقعه بدون البنية التحتية التكنولوجية الحالية، وذلك حسب تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي (World Economic Forum) تم نشره مؤخرا.
التحليل التنبؤي للبيانات
في بداية الوباء ساعد التحليل التنبؤي للفيروس -الذي انتشر بمدينة ووهان الصينية- في تقييم الكيفية التي يمكن للفيروس أن ينتشر من خلالها في جميع أنحاء العالم، وفي الوقت الذي كان لا يزال من الصعب فهم قدرات وخطورة الفيروس تماما لكن ومن خلال تحليل البيانات الضخمة صار بإمكاننا أن نعرف أن وباء عالميا قادم.
وطوال فترة الوباء وحتى الآن ساعد هذا التحليل التنبؤي المبني على البيانات في توقع الموجات التالية للمرض في العديد من البلدان، كما أصبح بالإمكان أيضا تقييم التأثير المتوقع لكل موجة من خلال فهم نقاط البيانات، مثل البنية التحتية للرعاية الصحية والكثافة السكانية في هذا البلد أو ذاك، ولم يكن كل هذا ممكنا قبل بضعة عقود.
اليوم، تعمل النماذج التقنية المبنية على الذكاء الاصطناعي على تطوير نفسها باستمرار للتنبؤ بخطورة انتشار الأمراض ومدى تأثيرها في مناطق معينة من العالم، وذلك حسب ما ذكرت دراسة أعدها مجموعة من العلماء وتم نشرها أخيرا في “مجلة الطب التحويلي” (Journal of Translational Medicine).
ولا يقتصر استخدام هذه النماذج على الأمراض المعدية فقط، بل تستخدم أيضا لفهم كيفية تطور الأمراض المزمنة، ويطلق على هذا التقدم العلمي مصطلح “الطب الدقيق” (precision medicine)، فقد وفرت هذه النماذج رعاية طبية متخصصة للناس المصابين بأمراض مزمنة بناء على دراسة ومعرفة عوامل فردية خاصة بهم، مثل الجينات ونمط الحياة والبيئة المحيطة.
يتم استخدام الذكاء الاصطناعي أيضا للكشف عن الأمراض من خلال تقنيات التصوير الطبي، فكثيرا ما تحدث أخطاء بشرية في التشخيص بسبب الفهم الخاطئ للصور الطبية التي قد تتغاضى عن تفاصيل صغيرة جدا لكنها في غاية الأهمية لتشخيص المرض، وهنا يمكن أن يساعد جمع البيانات بمرور الوقت ومن جميع أنحاء العالم في التخلص من هذه الأخطاء، وبمساعدة الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة يمكن الآن توجيه الكثير من الموارد للتركيز على الابتكار لعلاج الأمراض بشكل فعال.
تطوير الطب
هناك العديد من أوجه القصور في نظام الرعاية الصحية التي تهدف التكنولوجيا إلى معالجتها، ووجه القصور الأول هو التخصيص المناسب للموارد البشرية والمادية والذي يمكنه المساعدة في توفير الوقت والجهد والمال، وهو الأمر الذي سيجعل من الرعاية الصحية -وهي حق أساسي من حقوق الإنسان- متاحة للجميع.
كما تتيح الأتمتة في التصنيع مزيدا من الدقة في صناعة الأجهزة والأدوية، مما يلغي إمكانية حدوث أخطاء كتلك التي كانت تحدث باستخدام الطرق اليدوية والتقليدية السابقة.
تعمل التكنولوجيا أيضا على زيادة نطاق الجمع بين التقنيات، مثل استخدام الروبوتات والعلاج عن بعد، والتي ستساعد على تقديم الرعاية الصحية اللازمة في المناطق النائية التي يصعب الوصول إليها.
وقد أدى وباء كورونا أيضا إلى تسريع الابتكار في مجال التكنولوجيا الصحية، وهو ما استدعى وجود تعاون دولي عالمي بين مختلف الدول لجمع وتحليل البيانات الضخمة في ذلك الوقت القصير الذي استغرقه الفيروس للانتشار على مستوى العالم.
ويتطلع الطب إلى التكنولوجيا لسد الفجوات التي كشفها الوباء، ومن المتوقع أن تكون بروتوكولات الرعاية الصحية، والكفاءة في تطوير الأدوية واللقاحات وطرق إنتاجها، وأدوات الأمان والحماية اللازمة في طليعة الابتكارات المستقبلية.
إن الطب النانوي وأجهزة التتبع الصحية الأكثر ذكاء ووجود مختبرك في شريحة إلكترونية تحملها معك هي بعض تقنيات العقد المقبل التي يتم العمل عليها حاليا، ويمكن أن يساعد إتقان هذه التقنية أيضا في تخصيص الرعاية الصحية، وهو مطلب أساسي للبشرية في المستقبل.
ستقضي التكنولوجيا على الطرق الطبية المتبعة حاليا، والمتمثلة في تقديم الرعاية الطبية للمجموعة وكأنها شخص واحد، والتي لا تأخذ بعين الاعتبار الاختلافات الدقيقة بين البشر، فالطب المستقبلي هو طب تخصصي، حيث سيتم تقديم العلاج المناسب لكل شخص على حدة وبما يناسب وضعه وجسده الذي هو بصمته الخاصة.