طبخة تعادل راتب شهر.. موائد فقراء سوريا بلا لحوم

كتبت/ ليا مروان

تغيب‭ ‬عن‭ ‬بيوت‭ ‬السوريين‭ ‬صنوف‭ ‬الأطعمة‭ ‬التي‭ ‬اشتهرت‭ ‬موائدهم‭ ‬العامرة‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬بها،‭ ‬بسبب‭ ‬ارتفاع‭ ‬تكاليف‭ ‬الخضراوات‭ ‬واللحوم‭ ‬التي‭ ‬استغنوا‭ ‬عنها‭ ‬بنكهات‭ ‬مرقة‭ ‬اللحم‭ ‬والتوابل‭.‬

ومع‭ ‬اقتراب‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬الفضيل،‭ ‬تشهد‭ ‬البلاد‭ ‬غلاء‭ ‬معيشيا‭ ‬فاحشا‭ ‬وتدهورا‭ ‬اقتصاديا،‭ ‬إذ‭ ‬ارتفعت‭ ‬أسعار‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية،‭ ‬خاصة‭ ‬اللحوم،‭ ‬إلى‭ ‬أرقام‭ ‬خيالية‭.‬

كما‭ ‬عاودت‭ ‬الليرة‭ ‬السورية‭ ‬هبوطها‭ ‬أمام‭ ‬العملات‭ ‬الأجنبية،‭ ‬مما‭ ‬يؤرق‭ ‬السوريين،‭ ‬خاصة‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬ممن‭ ‬يتقاضون‭ ‬رواتب‭ ‬تنحدر‭ ‬قيمتها‭ ‬الى‭ ‬الهاوية‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬ارتفاع‭ ‬للدولار‭ ‬الأميركي‭.‬

وشكت‭ ‬عائلات‭ ‬من‭ ‬مساكن‭ ‬برزة‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬دمشق،‭ ‬لموقع‭ ‬‮«‬سكاي‭ ‬نيوز‭ ‬عربية‮»‬،‭ ‬من‭ ‬غياب‭ ‬الحلول‭ ‬طويلة‭ ‬الأمد‭ ‬للأزمة‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬مما‭ ‬يهدد‭ ‬السوريين‭ ‬بالجوع‭ ‬بعد‭ ‬تلاشي‭ ‬الطبقة‭ ‬الوسطى،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬دعامة‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬لافتين‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬‮«‬يموتون‭ ‬جوعا‭ ‬في‭ ‬بيوتهم‭ ‬بسبب‭ ‬انتشار‭ ‬البطالة‭ ‬وارتفاع‭ ‬الأسعار‭ ‬الجنوني‭ ‬وانعدام‭ ‬فرص‭ ‬العمل‮»‬‭.‬

سميرة،‭ ‬وهي‭ ‬مدرسة‭ ‬لمادة‭ ‬التربية‭ ‬الدينية،‭ ‬وقد‭ ‬فضلت‭ ‬عدم‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬اسمها‭ ‬الثاني‭ ‬لموقع‭ ‬‮«‬سكاي‭ ‬نيوز‭ ‬عربية‮»‬،‭ ‬قالت‭ ‬إن‭ ‬راتبها‭ ‬لا‭ ‬يغطي‭ ‬تكاليف‭ ‬‮«‬طبخة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬الشهر‮»‬‭.‬

وأضافت‭: ‬‮«‬عائلتي‭ ‬مؤلفة‭ ‬من‭ ‬10‭ ‬أشخاص،‭ ‬نحتاج‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬إلى‭ ‬4‭ ‬ربطات‭ ‬من‭ ‬الخبز،‭ ‬وفي‭ ‬حال‭ ‬طبخنا‭ (‬المحاشي‭) ‬فنحتاج‭ ‬لخمسين‭ ‬ألف‭ ‬ليرة‭ ‬سورية‭ ‬لوجبة‭ ‬غداء‭ ‬من‭ ‬الكوسا‭ ‬والباذنجان‭ ‬والأرز‭ ‬واللحم،‭ ‬الذي‭ ‬وصل‭ ‬الكيلو‭ ‬الواحد‭ ‬منه‭ ‬إلى‭ ‬25‭ ‬ألف‭ ‬ليرة‭ ‬سورية‮»‬‭.‬

كما‭ ‬أشارت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬علبة‭ ‬السمن‭ ‬وصل‭ ‬سعرها‭ ‬إلى‭ ‬170‭ ‬ألف‭ ‬ليرة‭ ‬سورية،‭ ‬وعبوة‭ ‬الزيت‭ ‬واحد‭ ‬لتر‭ ‬أصبحت‭ ‬بـ15‭ ‬ألف‭ ‬ليرة‭ ‬سورية،‭ ‬موضحة‭ ‬أن‭ ‬راتبها‭ ‬الشهري‭ ‬لا‭ ‬يكفي‭ ‬لشراء‭ ‬5‭ ‬لترات‭ ‬من‭ ‬الزيت‭.‬

وقالت‭ ‬سميرة‭ ‬إن‭ ‬شقيقتها‭ ‬المهاجرة‭ ‬إلى‭ ‬بريطانيا‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬تتكفل‭ ‬بإرسال‭ ‬مبلغ‭ ‬200‭ ‬دولار‭ ‬شهريا،‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬يعادل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬700‭ ‬ألف‭ ‬ليرة‭ ‬سورية،‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬تجار‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬السوداء‭ ‬لديهم‭ ‬أقارب‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة،‭ ‬لكن‭ ‬التاجر‭ ‬يستغل‭ ‬حاجتها‭ ‬وغيرها‭ ‬ويسلمها‭ ‬مبلغ‭ ‬400‭ ‬ألف‭ ‬فقط‭.‬

وأكدت‭ ‬أن‭ ‬‮«‬دعم‭ ‬شقيقتها‭ ‬المادي‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬ساند‭ ‬عائلتها‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬شبح‭ ‬المجاعة،‭ ‬مع‭ ‬بقاء‭ ‬رواتب‭ ‬الموظفين‭ ‬على‭ ‬حالها،‭ ‬والتي‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬زيادتها‭ ‬بنسبة‭ ‬100‭ ‬بالمئة،‭ ‬فلن‭ ‬تساند‭ ‬محنة‭ ‬السوريين‭ ‬الاقتصادية‮»‬‭.‬

من‭ ‬جانبها،‭ ‬تقدم‭ ‬عدة‭ ‬عائلات‭ ‬من‭ ‬حلب،‭ ‬لموقع‭ ‬‮«‬سكاي‭ ‬نيوز‭ ‬عربية‮»‬،‭ ‬نظرة‭ ‬تفصيلية‭ ‬على‭ ‬تكاليف‭ ‬بعض‭ ‬الطبخات‭ ‬الحلبية‭.‬

وأوضحت‭ ‬أن‭ ‬تكلفة‭ ‬طبخة‭ ‬‮«‬الكبة‭ ‬الحلبية‮»‬‭ ‬الشهيرة،‭ ‬والتي‭ ‬باتت‭ ‬حلم‭ ‬الحلبيين‭ ‬على‭ ‬موائدهم‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬المناسبات،‭ ‬تبلغ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬70‭ ‬ألف‭ ‬ليرة‭ ‬لوجبة‭ ‬لثمانية‭ ‬أشخاص،‭ ‬فيما‭ ‬تكلف‭ ‬‮«‬المحاشي‮»‬‭ ‬50‭ ‬ألف‭ ‬ليرة،‭ ‬وطبخة‭ ‬‮«‬الكواج‮»‬‭ ‬الأرخص‭ ‬بلغت‭ ‬عتبة‭ ‬الـ20‭ ‬ألفا‭.‬

وبدوره،‭ ‬تحدث‭ ‬لؤي‭ ‬العلي،‭ ‬وهو‭ ‬اسم‭ ‬مستعار‭ ‬لبائع‭ ‬خضراوات‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬حلب،‭ ‬عن‭ ‬استغنائه‭ ‬عن‭ ‬شراء‭ ‬اللحوم‭ ‬بسبب‭ ‬ارتفاع‭ ‬ثمنها،‭ ‬واستبدالها‭ ‬بالعدس،‭ ‬المعروف‭ ‬بـ»لحم‭ ‬الفقراء‮»‬،‭ ‬لفوائده‭ ‬الغذائية‭ ‬المشابهة‭ ‬لما‭ ‬تحتويه‭ ‬اللحوم‭.‬

ولفت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ثمن‭ ‬الكيلو‭ ‬الواحد‭ ‬منه‭ ‬ليس‭ ‬رخيصا،‭ ‬إذ‭ ‬يبلغ‭ ‬4000‭ ‬ليرة‭ ‬سورية،‭ ‬لكنه‭ ‬الأرخص‭ ‬مقارنة‭ ‬مع‭ ‬بقية‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭.‬

وأشار‭ ‬العلي‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬كيلو‭ ‬‮«‬الفروج‮»‬‭ (‬الدجاج‭) ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬6000‭ ‬ليرة‭ ‬سورية،‭ ‬والسمك‭ ‬إلى‭ ‬8000‭ ‬ليرة‭. ‬أما‭ ‬أحشاء‭ ‬الذبائح‭ ‬فقد‭ ‬وصل‭ ‬سعرها‭ ‬إلى‭ ‬30‭ ‬ألف‭ ‬ليرة،‭ ‬وهي‭ ‬لا‭ ‬تكفي‭ ‬لوجبة‭ ‬غداء‭ ‬لأربعة‭ ‬أشخاص‭.‬

ووصف‭ ‬البائع‭ ‬البالغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬50‭ ‬عاما،‭ ‬أسعار‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬في‭ ‬محلات‭ ‬البيع‭ ‬بالجملة،‭ ‬بـ»شيء‭ ‬يقصف‭ (‬يقصر‭) ‬العمر‮»‬‭.‬

وبيّن‭ ‬العلي‭ ‬غياب‭ ‬العبوات‭ ‬الصغيرة‭ ‬من‭ ‬السمنة‭ ‬والزيت‭ ‬من‭ ‬أغلب‭ ‬المحال،‭ ‬منوها‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أسعار‭ ‬‮«‬تنكة‮»‬‭ ‬السمنة‭ (‬العبوة‭) ‬التي‭ ‬تحتوي‭ ‬16‭ ‬كيلوغرام،‭ ‬بـ170‭ ‬ألف‭ ‬ليرة،‭ ‬فيما‭ ‬تباع‭ ‬عبوات‭ ‬زيت‭ ‬دوار‭ ‬الشمس‭ ‬سعة‭ ‬16‭ ‬لترا‭ ‬بسعر‭ ‬140‭ ‬ألف‭ ‬ليرة‭. ‬كما‭ ‬تباع‭ ‬5‭ ‬كيلوغرامات‭ ‬من‭ ‬التمور‭ ‬بسعر‭ ‬يتراوح‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬25‭ ‬إلى‭ ‬35‭ ‬ألف‭ ‬ليرة‭.‬

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى