البئر

قصة قصيرة بقلم : شعبان خليفة

كان مأمور المركز فى قمة الغضب. بذات لهجة مدير الأمن له تحدث لكل من رئيس ومعاون المباحث، والحضور من رجال الشرطة.. “مش عايزين الموضوع يكبر أكتر من كدا..

مراسل جريدة الوقائع كاتب إن زكريا الأعرج حير الشرطة ويفعل بالمركز كل ما يريده من جرائم فى أى وقت دون رادع بعد أن تحول لشبح”.. زاد انفعال المأمور وهو يمسك بين يديه بملف مكتوب عليه ” الأعرج ” وتقمص شخصية مدير الأمن أكثر وهو يأمرهم “عايز الأعرج حيًا أو ميتًا..

أمامكم 48 ساعة.. كل واحد يقوم يشوف شغله”.. هكذا انتهى الاجتماع لتبدأ مهمة البحث عن زكريا الأعرج الرجل البسيط الذى تحول لأكبر مصدر إزعاج.. يهاجم فى أى وقت.. أى هدف يريده ثم كأحد الجان يختفى..

ما من مكان يحتمل وجوده فيه إلا وتم مداهمته، وجرى تفتيشه.. قبل شهر كان زكريا الأعرج مجرد بائع خضار بسيط فى سوق القرية الصغير.. حتى كان ذلك اليوم الذى صفعه جمال الرايق على وجهه لتتسع دائرة الشجار ويموت فيها ابنه ويجرى تجريده هو من ملابسه كما ولدته أمه.. لم يكن الخلاف على شىء كبير.. كان على باذنجانة معطوبة كانت ضمن كيلو من الباذنجان اشتراه جمال الرايق..

وما إن لمحها حتى ألقى بها فى وجه زكريا الأعرج مصحوبة بتوجيه السباب لأمه فرد له زكريا القذف قذفًا؛ فهوى الرايق على خد الأعرج واتسعت دائرة الباذنجانة المعطوبة لتصبح “حرب باذنجان“.

عائلة الأعرج والتى لم تدخل فى أى خلافات كبيرة من قبل طالبته بالصلح و”لم الدور” وربنا يعوضه فى ابنه وليبحث له عن عمل آخر غير بيع الخضار فى السويقة  فرفض المطلب الأول ونفذ الثانى.. هدم العشة التى يباع فيها الخضار واختفى عدة أيام ليتحول إلى مصدر إزعاج للسلطات وللمركز كله وفى المقدمة عائلة جمال الرايق التى لم تكن تتوقع يومًا أن يحرق أحد لها منزلًا أو زرعًا أو يقتل لها بهيمة فى زريبة.. ما من يومٍ يمر إلا ويضيف زكريا الأعرج لملفه قضية جديدة فقد كان عقب كل عملية يترك رسالة بخط ردىء، حيث إن تعليمه توقف عند المرحلة الابتدائية.. الرسالة مكررة “انتظرونى فى مصيبة جديدة غدًا“.

لا تعترف الشرطة عادة بالعجز لكن الأعرج حيرها فعلًا.. حتى بدت تشك فى وجوده مع يقينها بأنه هو وراء كل هذه الجرائم المتتالية.

بعد أن انصرف المأمور أعد رئيس المباحث تقريرًا وخطة جديدة وناقشها مع مساعديه ثم ذهب بها للمأمور تتضمن الخطة حصارًا على مدار اليوم لمنزل زكريا الأعرج الذى فيه زوجته وطفلته الصغيرة ذات الأربع سنوات.. كلتاهما الزوجة والطفلة خضعتا لتحقيقات متعددة اعترفتا فيها بأنهما تجدان بين الحين والآخر طعامًا ومالًا لكنهما لا تعرفان من أحضره ومتى أحضره!

أما الشق الثانى فكان عرضًا ماليًا مغريًا لمن يدلى بمعلومات تكشف مكان زكريا الأعرج.. وعد المأمور بالتحدث لرؤسائه فيما يتعلق بالشق المالى وطالب بتطبيق الشق الثانى من الخطة فورًا.

أصبح بيت زكريا الأعرج وهو بيت متواضع من طابق واحد تحت الحصار طوال النهار والليل.

كان الخبر الذى نشرته صحيفة الوقائع لمراسلها فى جنوب الصعيد فتح شهية وسائل إعلام أخرى للحديث عن زكريا الأعرج وأفعاله التى حيرت رجال الشرطة.. لذا وافقت القيادات الأمنية على فكرة المكافأة المالية لعلها تساعد فى ضبط زكريا الأعرج وغلق ملف حرب الباذنجان.

كانت المكافأة مغرية جدًا بالنسبة للقرويين.. خمسون ألف جنيه تعهدت عائلة الرايق بدفع مثلها حسبما ورد فى نداء مكبرات الصوت وبعض الملصقات.. عدة أيام مضت على الإعلان عن المكافأة ولا جديد والتوتر الأمنى يزداد والضجيج حول حرب الباذنجان يزداد.. فى ظهيرة اليوم الخامس حضر لمركز الشرطة رجل من قرية مجاورة طلب لقاء المأمور. بعد مناقشات ومداولات وإشارات منه إلى أن سبب اللقاء وجود معلومات لديه بشأن مكان زكريا الأعرج- أدخلوه للمأمور طلب المكافأة قدموها له بعد أن كشف عن مكان اختباء زكريا الأعرج.. بئر ماء قديمة يخرج منها ويدخل فى سهولة كونها فى منطقة مهجورة بالجبل تركها أهلها بعد أن نضبت..

أمر المأمور بوضع الرجل فى الحجز حتى يتبين صدقه من كذبه.. هاجمت الشرطة البئر.. طالبت زكريا الأعرج بالخروج لكن لا رد.. أمر رئيس المباحث بردم البئر ومع أول حجر ألقى فيها رد زكريا الأعرج من ركنٍ جانبى بقاع البئر.. خلاص هاخرج.. وفى زفة نقلته الشرطة لمقر المركز مصحوبًا بالأسلحة التى جرى ضبطها معه بالبئر.. بينما خضع الرجل الذى أبلغ عن مكانه لتحقيقات مكثفة خاصة أنه ليس من بلده فكيف عرف مكانه.. فأدلى باعترافات تفصيلية كشفت عن شخصية ذات نفوذ وقفت لجوار زكريا الأعرج انتقامًا من عائلة الرايق.. وتسابقت وسائل الإعلام لكشف التفاصيل، وبالفعل حصلت على معلومات مثيرة سبق وصولها للشاشات والميكروفونات والصحف قرار بحظر النشر فى قضية “الأعرج”“.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى