التحنيط عند الفراعنة.. “سر الأسرار” يحير العالم
كتبت/ سريم مصطفي
على مدار الأسابيع الماضية أصبح “علم التحنيط” عند الفراعنة حديث العالم، عقب إعلان جامعة كوبنهاغن العثور على بردية طبية تخص ممارسات التحنيط لوجوه المومياوات، واكتشاف البعثة المصرية الدومينيكانية مومياء بلسان ذهبي، غربي الإسكندرية، واكتشاف جامعة سيدني أول مومياء مصرية ملفوفة بالطين.
وتثير هذه الاكتشافات العديد من التساؤلات بشأن إمكانية التوصل إلى أسرار التحنيط في مصر القديمة، خاصة وأن علم التحنيط يظل لغزا باختلاف الأسر الفرعونية والعصور.
سر “الصنعة”
وأعلنت جامعة كوبنهاغن العثور على مخطوطة طبية يعود عمرها إلى 3500 عام، تعرف بـ”بردية اللوفر- كارلسبرغ”، تصف كيفية تحنيط الوجوه بمواد عطرية نباتية ومواد يتم طهوها داخل سائل، وكانت توضع قطعة من الكتان الأحمر في السائل، لتوضع بعدها على وجه المتوفي.
وأوضحت أن التحنيط كان يتم على فترات كل 4 أيام، لتستغرق العملية حوالي 70 يوما.
وعن المعلومات المذكورة في البردية، يوضح عميد كلية الآثار الأسبق بجامعة القاهرة، الدكتور علاء الدين شاهين، لموقع “الجالية”، أن طبيعة المواد والأدوات ومدة التحنيط التي ذكرتها البردية لم تكن جديدة، وتحدث عنها متخصصون في مجال الترميم وعثر عليها في نصوص تاريخية سابقة.
وأضاف: “يظل اللغز في نسب المواد وطبيعة التركيبة المستخدمة في عملية التحنيط للحفاظ على الجسد، وهو الأمر الذي يتعلق بسر الصنعة والخبرة لدى المصريين القدماء في هذا العلم، وهو ما لم يتوصل إليه أحد حتى الآن”.
ويتفق المؤرخ والباحث في علم المصريات، الدكتور بسام الشماع، مع التصريحات السابقة، قائلا: “ما خرجت به الاكتشافات الأيام الماضية لم يحمل أي مفاجآت لعلماء المصريين، رغم أنها تبدو اكتشافات مذهلة للعامة وغير المتخصصين”.
ويشير في حديثه لموقع “الجالية”، إلى أن تلك الاكتشافات أكدت فقط لعلماء المصريات معرفتهم السابقة بخطوات عملية التحنيط، موضحا أن استبدال لسان المتوفي بلسان ذهبي أو وضع عملات معدنية على الفم، طقس معروف في التحنيط عند البطالمة، بغرض عبور الشخص للحياة الأخرى”.
هوس وتشبع
وعن سبب كثرة الاكتشافات المتعلقة بسر التحنيط في مصر القديمة مؤخرا، يرى الشماع أن هناك حالة اهتمام كبيرة من العلماء خارج مصر تصل إلى حد ” الهوس بعلم المصريات”، معتبرا أن هدفه قد يكون “المعرفة أو الشهرة”.
ويضيف: “يتركز اهتمامهم أكثر على سر تحنيط المومياوات وليس سر بناء الأهرامات أو المعابد، مما يشير إلى انجذاب العالم إلى المومياوات الفرعونية، خاصة بعد الاكتشافات الأثرية الأخيرة التي شهدتها مصر”، محذرا من وصول الإعلام الأجنبي إلى حالة تشبع للحديث عن المومياوات والتحنيط.
وذكرت جامعة كوبنهاغن، أن البردية المكتشفة حديثا نادرة للغاية وتتعلق بطب الأعشاب وانتفاخات الجلد، منوهة إلى أن العثور عليها كانت بمثابة المفاجأة لعلماء المصريات، لتعمقها في وصف مفصل لتحنيط الوجوه.
ويقول شاهين: “اكتُشفت طرق تحنيط الوجوه عبر آثار محافظتي الفيوم وبني سويف، وأبدع المحنطون في العصرين اليوناني والروماني باستخدام (الكارتوناج) لحماية وجه المتوفي”.
من جانبه، يشير الشماع إلى أن متاحف العالم مليئة بالبرديات الفرعونية، وتحتاج للكشف عنها، خاصة البرديات المدونة بالكتابة الديموطيقية والهيراطقية التي تحمل أسرارا جديدة عن حياة العامة في مصر القديمة”.
عبقرية المصري القديم
وفي جامعة سيدني بأستراليا، أوضح التصوير المقطعي أن المومياء المغلفة بالطين التي تعود إلى الأسرة الـ21، وضعت في تابوت طيني مكون من الطين والقش، مما حافظ على وحدة الجسد رغم تضرره بعد التحنيط بفترة قصيرة.
ويوضح شاهين، أن طريقة التحنيط بالطين لم تذكر في برديات أو على جدران معابد فرعونية، مرجحا أن عملية دفن المومياء ربما كانت على عمق في الأرض، أو تم تجفيف الجسد بالطين دون وضعه على الجسد مباشرة.
ويرى الشماع، أن المكتشف من آثار الفراعنة لا يتجاوز 1 بالمئة، مما يعني أن اكتشاف أول مومياء طينية لا يعني أنه اكتشاف نادر، وربما نجحت هذه الطريقة في التحنيط ونفذها المصري القديم في فترات زمنية محددة.
ويتفق شاهين والشماع، على أن “عبقرية المصري القديم في التحنيط، اعتمدت على علم الطب والتشريح ورصد الأمراض، مما مكنه من اختيار طرق حفظ الجسد بعد الوفاة”.
وتبدأ عملية التحنيط باستخراج المخ من الفتحات الأنفية، والمعدة والأمعاء والكبد والرئتين من فتحة في الجنب، ويغطى الجسم بملح النطرون لمدة 40 يوما حتى يجف، وتلف المومياء باللفائف وتضع بالتابوت، بحسب كتاب “100 حقيقة مثيرة في حياة الفراعنة” لعالم المصريات زاهي حواس.
ولجأ المصري القديم إلى التحنيط كوسيلة لحفظ جثمان المتوفي لأطول فترة ممكنة، بسبب معتقد أن “روحه ستتمكن في العالم الآخر من التعرف عليه ويعود للحياة من جديد”.