روجينا فتح الله تكتب: ألف عام من المجد في صرحٍ واحد.. هنا تتكلّم مصر

هناك لحظات لا تُقاس بالزمن، بل تُقاس بما تتركه في الوجدان، وافتتاح المتحف المصري الكبير هو واحدة من هذه اللحظات التي تُعيد تعريف معنى “الفخر”، فبعد أكثر من عقدين من الحلم والتخطيط والبناء، تقف مصر اليوم على أعتاب حدث ثقافي عالمي، ليس مجرد افتتاح متحف، بل بعث حضارة عمرها سبعة آلاف عام في ثوبٍ معاصر يليق بها.

يقع المتحف المصري الكبير على مساحة تقارب نصف مليون متر مربع بجوار الأهرامات، وكأنه امتداد طبيعي لها، يحكي القصة نفسها بلغة القرن الحادي والعشرين، هنا، سيجد الزائر أكثر من 57 ألف قطعة أثرية، تتقدّمها كنوز الملك توت عنخ آمون التي تُعرض لأول مرة كاملة في مكان واحد — أكثر من 5 آلاف قطعة تروي حكاية الفتى الذهبي الذي أسر العالم منذ اكتشاف مقبرته.

لكن ما يجعل هذا المتحف مختلفًا ليس فقط ما يحتويه، بل كيف يعرضه، فالتكنولوجيا الحديثة، والإضاءة الذكية، وتصميم القاعات الذي يتيح رحلة زمنية من فجر التاريخ إلى ذروة الحضارة، كل ذلك يجعل الزيارة تجربة أقرب إلى السفر عبر الزمن منها إلى التجوّل في متحف.

حين استثمرت مصر أكثر من مليار دولار في بناء هذا الصرح، لم تكن تبني جدرانًا من الحجر، بل كانت تبني جسرًا بين الماضي والمستقبل، فالمتحف المصري الكبير لن يكون مجرد وجهة للسائحين، بل مركزًا علميًا عالميًا للبحوث والترميم والتعليم.
تقديرات الخبراء تشير إلى أن المتحف سيجذب ما بين 5 إلى 7 ملايين زائر سنويًا، وهو ما سيحدث طفرة في قطاع السياحة الذي يشكّل أحد أعمدة الاقتصاد المصري، ولكن الأهم من الأرقام، هو الأثر المعنوي — استعادة الثقة في أن مصر ما زالت قادرة على أن تُدهش العالم كما فعلت دائمًا.

افتتاح المتحف المصري الكبير هو رسالة من مصر إلى العالم تقول فيها: “نحن لا نعيش على أمجاد الماضي، بل نُعيد إحياءها لنبني بها المستقبل”.

فبينما تتسابق الدول لبناء ناطحات سحاب من الزجاج، اختارت مصر أن تبني ناطحة حضارة من التاريخ، هذا المشروع هو إعلان واضح بأن الثقافة ليست رفاهية، بل قوة ناعمة تصنع الانتماء وتعيد الثقة في الهوية.

عندما تُفتح أبواب المتحف المصري الكبير رسميًا، لن يكون ذلك مجرد حدث أثري أو سياحي، بل لحظة تتوحّد فيها مصر القديمة مع مصر الحديثة في مشهدٍ واحد، إنها لحظة انتصار للزمن المصري، الذي لا يشيخ ولا ينسى، بل يُعيد دوماً كتابة نفسه بحروفٍ من ذهب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى