د. عبدالعزيز الحربي: تحصين المجتمعات ضد الأفكار المغلوطة والمتطرفة
كتب / محمد عمر
طالب الدكتور عبد العزيز بن علي الحربي، أستاذ التفسير والقراءات بجامعة أم القرى، الدعاة والعلماء والباحثين المتخصصين في تفسير القرآن الكريم بالتعاون في تصحيح الأخطاء الشائعة في فهم بعض الناس لبعض النصوص الدينية، وذلك للتعريف بحقائق الإسلام السمحة، ودعوته إلى السلام والأمن، والاستقرار والتعاون، والتعايش السلمي، وتحصين المجتمعات ضد الأفكار المغلوطة والمنحرفة والمتطرفة.
وأكد ضرورة فهم القرآن الكريم فهمًا صحيحًا، وتدبر معانيه، والتفكر في مقاصده، وعدم الاكتفاء بالقراءة السطحية. وقال: إن القرآن الكريم كلام الله تعالى، وهو أعلى وأشرف الكلام، وفهمه فهمًا صحيحًا واجب على كل مسلم؛ لأنه يمثل منهج الحياة للمسلمين.
ولفت الدكتور الحربي إلى أنّ بعض الناس، وقعوا في أخطاء في فهم بعض الآيات. ودعا إلى الرجوع إلى العلماء المتخصصين في تفسير القرآن الكريم لفهم معانيه الصحيحة. وأرجع بعض المفهومات الخاطئة الشائعة لبعض آيات القرآن إلى عدة عوامل، منها: الجهل بلغة القرآن، وعدم الإلمام بدقائق اللغة العربية التي نزل بها القرآن؛ مما يؤدي إلى تفسيرات خاطئة.
كما أن عدم فهم السياق الذي نزلت فيه الآية يؤدي إلى سوء فهم معناها، بالإضافة إلى التأثر بالرأي الشخصي، فبعض الناس قد يتأثرون بأفكارهم المسبقة في تفسير الآيات.
وأوضح ـ في ندوة “تصحيح مفهومات شائعة لبعض آيات القرآن” التي نظمتها “إثنينية الذييب” الثقافية ـ أن قضية تفسير القرآن عملية معقدة تتطلب دراسة متعمقة وعناية فائقة، وليست بالأمر السهل، وأن فهم القرآن بشكل صحيح هو أساس الإيمان والعمل الصالح، وأنها تشغل بال الكثير من الدارسين والباحثين.
وشدد على ضرورة التوعية بأهمية فهم القرآن الكريم فهمًا صحيحًا، والتعمق في دراسة آياته، والرجوع إلى أهل العلم والمصادر الموثوقة في التفسير. ولفت إلى خطورة التسرع في الحكم على معاني الآيات، والاعتماد على التفسيرات الشخصية.
توقف الدكتور الحربي أمام العديد من الأمثلة لآيات قرآنية تم تفسيرها بشكل خاطئ من قبل البعض، وناقشها، وقدّم التفسيرات الدقيقة لها، بهدف تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة الشائعة حول معاني الآيات القرآنية ومن ذلك، على سبيل المثال:
ـ فَهِم عُروة بن الزبير، رضي الله عنه، من قول الله تعالى: “إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا” [البقرة: 158] أن السعي بين الصفا والمروة ليس بواجب، فقالت له خالته عائشة، رضي الله عنها: بئس ما فهمت يا ابن أختي، لو كان ذلك كما قلت لقال الله: فلا جناح عليه ألا يطوَّف بهما.
ـ حكى الدكتور الحربي موقفًا من طفولته ارتبط بفهم خاطئ لمعنى إحدى آيات القرآن، فقال: جادلني أخي الأكبر في مسألة من المسائل، وأنا في أسرتي ممن يحفظ الكتاب العزيز، فلما جادلني قلت له: “وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ” [العنكبوت: 46]، فكنت أفهم أن أهل الكتاب هم “حفظة القُرآن”.
ـ فَهِم بعضهم من قول الله تعالى: “فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ” [النحل: 98]، أن الاستعاذة بعد القراءة، لأن الله قال: “فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ” [النحل: 98]، والصحيح أن الاستعاذة قبل ذلك. والمراد: فإذا أردت أن تقرأ القُرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم.
ـ فَهِم بعضهم من قول الله تعالى: “وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ” [لقمان: 18]، يعني لا تُذل نفسك، لا تُنزل رأسك وتكن خاضعًا للناس. والمراد: لا تتكبر، لا تمل رأسك غطرسة، وهو مأخوذ من “الصعر” وهو داء يكون في عُنق البعير؛ فيُصبح مائلًا.
ـ فهم بعضهم من قول الله تعالى: “ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ” [الأنفال: 53] أن الحالة إذا كانت سيئة فإن الله لا يغيِّرها حتى نغيِّر نحن ما بأنفسنا، وهذا ليس بصحيح؛ فمعنى الآية أن الله تعالى لا يُغيِّر ما بالناس من نعمة حتى يغيِّروا ما بأنفسهم فينتكسوا، يجحدون نعمة الله تعالى، حينئذٍ يبدل الله تعالى هذه النعمة.
ـ فَهِم بعضهم من قول الله تعالى: “وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ” [يوسف: 19] أن المقصود السيارة بمعناها الشائع حاليا، ولو سألت فتىً من الفتيان الآن ربما أجابك بأنها السيارة المعروفة. والمقصود جماعة من المسافرين.
ـ فَهِم بعضهم من قول الله تعالى: “مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ” [النساء: 79 [الحسنة والسيئة بمعناهما الشائع، والمراد بالحسنة في الآية النعمة، والسيئة المصيبة، على غير ما يفهمه بعض الناس.
ـ يقول الله تعالى: “فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ” [مريم: 23]، المعنى الأقوى: فأجاءها أي ألجأها المخاض إلى جذع النخلة.
ـ فَهِم بعضهم من قول الله تعالى: “وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا” [مريم: 46]، الملي الآن في المفهوم العام عند الناس أنه: الزمن القصير، والصواب: الزمن الطويل. وكذلك البُرهة، يقول أحدهم: انتظرني بُرهة، يفهمها البعض: قليلًا، والبُرهة هي: الزمن الطويل.
واختتم الدكتور الحربي حديثه مشددًا على أهمية الرجوع إلى أهل العلم في فهم القرآن الكريم، وتدبر معانيه القرآن، وهو أمر مهم لفهم الإسلام. وقال: يجب على كل مسلم أن يتحلى بالتواضع في الرأي، وأن يكون مستعدًا لتقبل آراء العلماء المتخصصين.