عرض كتاب «الرواية العربية الرائجة» للدكتور شريف الصافي.. الفائزة بجائزة الدولة التشجيعية 2022

كتب/ عمرو الأمير

تأخر هذا المقال جدًّا عن تناول هذا الكتاب الرائع للدكتور شريف حتيتة الصافي، الذي يتناول فيه بعمق وتأصيل نقدي رائع ظاهرةَ الرواية العربية الرائجة المنتشرة في السنوات العشرين الأخيرة، وما أخّرني سوى انشغالي بظروف عملي، إذ الموظف رقيق في دوامه، مأخوذٌ وقته لغيره، فلا أجد إلا فُتات الوقت لأفرز فيه من رحيق آرائي الفكرية، وأمتشق حسام الكتابة النقدية.

وكنت أول من احتفى بهذا الكتاب وهو ما زال تحت الطبع؛ فتواصلتُ مع “دار إشراقة” المسؤولة عن طباعته ونشره، وعكفت منتظرًا صدوره حتى أخبرتني الدار بنزوله في معرض الكتاب، فسارعت بشرائه، وما جذبني إليه إلا إعلان الدكتور المؤلف عنه على صفحته الشخصية (فيس بوك)، ناشرا صورة الغلاف، فوجدت فيها فقرة على ظهر الغلاف تجذب كل ناقد أدبي يريد الإجابة عن السؤال الآتي: “ما سر انتشار روايات لكتاب مثل أحلام مستغانمي، وأحمد مراد، وأحمد خالد توفيق، وغيرهم؟ وما سر هذا الانتشار الكبير أو ما نسميه حُمى الإقبال على هذه الروايات؟”.

تقول الفقرة: “إن جزءًا من عملنا في هذا الكتاب هو القيام بأحد الأدوار التي ينبغي للنقد أن يضطلع بها، وهو دور المراقب للظواهر الإبداعية وتلقِّيها، ومن ثم فالدراسة تقدم في جزئها الأول ممارسة محدودة في نقد النقد، وتكتمل في جزئها الأكبر في إطار منهجي يستند إلى سوسيولوجيا الأدب، في عنايته بمقاربة النص في ضوء علاقات الإنتاج والاستهلاك، هذا إلى جانب مقاربة نماذج من النصوص الرائجة الدالة لدى أحلام مستغانمي، وأحمد خالد توفيق، وأحمد مراد، ومصطفى خليفة، وأثير النشمي، ومحمد صادق، ودعاء عبد الرحمن، وذلك من منظور نقدي يحتمل أكثر من فرضية، على رأسها عدم استبعاد “الجمالي” من النص الرائج، وأنى له أن يستبعد!”.

كانت هذه الفقرة إضاءة لي في طريق قراءتي النقدية في الرواية العربية، فكان هذا الكتاب إلهامًا وشربة ماء جاءتني على فاقة، وضوء فنار لاح في فترة تَيْهٍ وحيرة!

قرأت هذه الدراسة الصغيرة (130 صفحة) من أول كلمة إلى أختها الأخيرة، وهذا غير معتاد عندي حين اطلاعي في كثير من الكتب النقدية التي تحمل الكثير من «الدَّشّ» والكلام المنمق غير ذي فائدة، فهو كتاب مليء بالفوائد والكلام الرصين المنصب في صلب الموضوع، ليس فيه فضلات الكلام، أو أفكار مستهلكة، أو دِلاء أحبار تملأ الصفحات بلا مغزًى، فكل سطر فيه ذو فائدة، وهو بحث علمي جاد يأتي في تسلسل منطقي مترابط، لا تخلو فقرة منه من فائدة؛ سواء كانت فائدة نقدية في الحكم على الظواهر الأدبية، أو فائدة تاريخية أدبية تُلمّ بشتات الأبحاث السابقة حول الموضوع فتنظمه في عِقد بحثي رائع يخفف عن الباحث في هذا المجال عبء السؤال ودأب النبش عما كُتب فيه، أو فائدة ببليوجرافية حول ما كُتب في هذا المجال.

إنه كتاب نقدي أدبي، يهدف إلى الكشف عن طبيعة ظاهرة الروايات العربية الرائجة أو ما يسمى بـ«الروايات العربية الأكثر مبيعًا»، من حيث مفهومها، ولغتها، ومدى تأثير المتلقي في إنتاجها، والجماليات اللغوية في هذا النوع من الروايات.

ويهدف الكتاب إلى الكشف عن دور اللغة في صناعة جماليات الروايات الرائجة، وكذلك الكشف عن دور المتلقي في توجيه الكتَّاب والمبدعين نحو موضوعات روائية بعينها أو صيغ فنية بعينها.

 

ولعل أهم 5 فوائد في الكتاب -في نظري- هي الآتي:

الفائدة الأولى: الإلمام النقدي والتاريخي بما كتب عن الرواية العربية الرائجة:

استطاع المؤلف أن يتتبع الدراسات النقدية التي تناولت الروايات العربية الرائجة وأسباب هذا الرواج، بتسلسل تاريخي منظم، وسلط الضوء على الزوايا التي تناولت منها الدراسات هذه الظاهرة.

 

الفائدة الثانية: وضوح المنهج:

حرص المؤلف على إبانة ملامح منهجه النقدي ومناقشة أبعاده، إذ نص على أن منهجه في الكتاب “منهج المراقِب للظواهر الإبداعية وتلقِّيها، من خلال ممارسة محدودة في نقد النقد، مع الاستناد إلى سوسيولوجيا الأدب وفحص نماذج الروايات الرائجة في ضوء فرضية استحالتها وقائعَ جمالية رغم خصوصية خطاباتها”.

 

الفائدة الثالثة: روعة الأسلوب الجدلي:

للمؤلف أسلوب نقدي متميز في هذا الكتاب، فهو لا يكتفي برصّ المعلومات رصًّا يُظهر به استعراضا أمام القارئ، بل له أسلوب جدلي في مناقشة القضايا، يُدمج المتلقي مع الكتاب في حوار بناء.

 

الفائدة الرابعة: حسن اختيار النماذج:

اختار المؤلف 8 نماذج من الروايات الرائجة، هي: 1- «ذاكرة الجسد» للكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي (1993 بيروت). 2- «يوتوبيا» للكاتب المصري أحمد خالد توفيق (2008). 3- «القوقعة» للكاتب والناشط السياسي السوري مصطفى خليفة (2008)، وهي من أدب السجون، وقد مُنِعت من النشر، ولم تشع بالصورة الكبيرة إلا بعد الثورة السورية في 2011. 4- «أحببتك أكثر مما ينبغي» للكاتبة السعودية أثير النشمي (2009). 5- الفيل الأزرق» للكاتب المصري أحمد مراد (2012). 6- «#إنستا–حياة» للكاتب المصري محمد صادق (2015). 7- «اغتصاب ولكن تحت سقف واحد» للكاتبة المصرية دعاء عبد الرحمن (2015). 8- «موسم صيد الغزلان» للكاتب المصري أحمد مراد (2017).

ويكمن حسن الاختيار فيها في تنوع لغتها بين الفصحى والعامية، وتنوع اتجاهاتها الفكرية (سياسية وفانتازية واجتماعية)، وتنوع جنسيات كاتبيها.

 

الفائدة الخامسة: الكشف عن الإشكاليات ومناقشتها:

تناول الكتاب عدة إشكاليات حول الروايات الأكثر مبيعًا وشرحها بالتفصيل، ومنها مصطلح “الأكثر مبيعًا” نفسه وكيف أصبح مصطلحًا سيئ السمعة، ولماذا وكيف استطاع هذا الكتاب أو هذا العمل الأدبي أن يكتسب شعبية ضخمة عند الجماهير، ولماذا يفشل كتاب أو عمل أدبي آخر، والتأثير الاجتماعي في رواج الروايات، ودور لغة النص الروائي في الرواج.

 

وقد خلص المؤلف في دراسته إلى 4 أفكار هامة هي:

1- المزاج الاجتماعي يتحكم في النص الروائي الرائج.

2- نوعية الروايات الرائجة محل الدراسة تتسم بتنوع مستويات اللغة والإثارة في موضوعاتها.

3- أبنية الروايات بسيطة غير معقدة.

4- سطحية التفكير وضعف اللغة عند القراء أصبحا يقتضيان نوعًا من الأدب الروائي لا يتخطى إمكانيات القراء الضعيفة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى