بواحة سيوة المنعزلة.. أمازيغ مصر يتمسكون بلغتهم المهددة بالانقراض
بينما يقود يوسف دياب شاحنته عبر واحة سيوة المصرية، ويضع على نافذة شاحنته الخلفية علما أمازيغيا ملونا بالأصفر والأخضر والأزرق، يردد يوسف أغنيات بلغة أمازيغية محلية مفعمة بالحياة، إنها “السيوي” المتفرعة من اللغة الأمازيغية المستخدمة في شمال أفريقيا خصوصا في بلاد المغرب العربي.
ويوجد عدد قليل ممن يتحدثون العربية بوصفها لغة أساسية، ففي واحة سيوة حين يلعب الأطفال عند سفح قلعة سيوة القديمة يتحدثون ويصيحون بالسيوي.
يوسف دياب الذي يعمل في الإرشاد السياحي ويبلغ من العمر 25 عاما، يؤكد أن لغته الأم لن تموت، حيث يتحدث بها الجميع في الواحة التي تقع بصحراء مصر الغربية.
السمك في الماء
ويعتبر الأمازيغ في سيوة من أبرز الأقليات في مصر، وتقع الواحة على بعد حوالي 560 كيلومترا غرب العاصمة القاهرة، ولم تخضع الواحات لسيطرة الدولة إلا عندما سيطر عليها مؤسس مصر الحديثة محمد علي باشا في عام 1820.
وتقول أستاذة اللغويات الاجتماعية فالنتينا سيريلي التي أعدت أطروحة رسالة دكتوراه عن اللغة في الواحة، إن انعزالها “سمح لسيوة وسكانها بالحفاظ على تقاليدهم الخاصة ولغة تميزهم عن الثقافة المصرية السائدة”.
وحتى ثمانينيات القرن الماضي، لم تكن اللغة العربية رائجة هناك، إلا أن “السياحة والإعلام والتنقل من أجل التعليم العالي أو للعمل” كلها أمور ساهمت في انتشارها، بحسب ما تقول سيريلي.
وقدّرت الأمم المتحدة في عام 2008 أن نحو 15 ألف شخص يعيشون في الواحة، وأن نصف السكان تقريبا يتحدثون السيوي.
لكن سيريلي ترى أن الرقم الحقيقي يزيد بحوالي 5 آلاف شخص، مضيفة “تعتبر اليونسكو اللغة مهددة بالتأكيد لأن الأطفال لم يعودوا يتعلمونها كلغة أمّ في المنزل، وعلى حد علمي هذا ليس صحيحا، فاللغة السيوي هي السائدة في الحديث حتى بين الصغار”.
الهوية الأمازيغية
ويقول إبراهيم محمد، أحد شيوخ القبائل في المنطقة البالغ عددها 11 قبيلة، إن السيوي كانت مركزا “للهوية الأمازيغية” للواحة.
وعلى الرغم من تدفق السياح في العقود القليلة الماضية إليها، فإن الواحة لا تزال معزولة نسبيا، إذ لا يمكن الوصول إليها إلا عبر طريق واحد على ساحل البحر المتوسط.
ويقول رئيس مكتب السياحة المحلي مهدي الحويتي، ابن الواحة الذي ابتعد عنها من أجل الدراسة ثم عاد، “السيويون في سيوة مثل السمك في الماء، لن يتركوها لأجل أي شيء في العالم”.
الحفاظ على اللغة
وعلى الرغم من هذا الولاء للجذور، يواجه سكان سيوة تحديات عديدة لحماية لغتهم، بما في ذلك الهيمنة الثقافية للغة العربية، وحقيقة أن لغة السيوي يتم تداولها فقط داخل العائلات.
ويتذكر الشيخ إبراهيم الذي كان اعتمر قلنسوة سوداء، قائلا “في الماضي كان الآباء يتحدثون فقط السيوي التي لم يجمعها شيء مع اللغة العربية، واليوم أصبحت اللغة أقرب وأقرب إلى العربية”.
وبينما تتيح مناهج المدارس المصرية دراسة اللغات الأجنبية، لا يتم تدريس أي من لغات الأقليات في البلاد مثل السيوي والنوبي. لذلك يرى محمد أن لغة السيوي يجب أن تدرس بشكل رسمي حتى لا تختفي.
وتبذل جمعية “أطفال سيوة” الأهلية المحلية جهودًا للحفاظ على اللغة. وفي عام 2012، حرصت الجمعية على نشر مجموعة من الأغاني والقصائد والأمثال باللغتين السيوية والعربية، وعمل على ذلك 60 شخصا من شباب وشيوخ الواحة بالتعاون مع بعض الشركاء من المغرب وإيطاليا.
لكن على الرغم من هذه الجهود، فقد نفدت نسخ الكتاب ولم يعد التمويل كافيا لطباعة نسخ أخرى، وفق ما يقول يحيى قناوي نائب رئيس الجمعية.
ويقول قناوي “نحن بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد للحفاظ على تراثنا، لكن لا يمكننا أن ننجز 10% مما نرغب فيه لأن الجمعية لا تحصل على أي تمويل”.
رغم ذلك، يتمسك دياب بأمل استمرار تداول وتناقل لغته، ويقول “في المدرسة، يتعلم ابني إبراهيم العربية ويقرؤها ويكتبها. أما في المنزل، فعليه أن يتحدث بالسيوي”.