مني النمر تكتب: ضحية التختة.. بين التقليد الأعمى.. و إنعدام التربية

جميعنا نولد أبرياء لا نعلم شيئا نولد على الفطرة الحسنة .

فنحن جميعاً عبارة عن مجموعة من المواقف ، الجيدة منها و السيئة أيضاً .

فإذا ما وجدنا إنسان عنيف لا يعرف إلى الرحمة طريق فالننظر أولا إلى ما أدى به إلى هذا النحو .

و أخشي أن نتأخذ من القسوة منهجا و سبيلا ، فلا يمر وقت طويل حتى نصدم بحادثة أشد عنفا من التي قبلها .

و الصادم أنه لم تقتصر جرائم القتل على البالغين و معتادي الإجرام ، بل أصبحنا نرى أنماط و أعمار صغيرة تدخل عالم الجريمة و العنف و القتل .

فواقعه مقتل الطفل عيد “ضحية التختة” كما تم تسميته ، لم تبدء في المدرسه بل تكونت و نشئت في البيت عندما غابت القدوة الحسنة و الرقابة الرشيدة و أقول هنا الرقابة الرشيدة لأننا أمام جيل لا يعترف بالتقيد .

فعلى من تقع مسئولية مقتل ” عيد “على من تقع مسئولية دخول أطفالنا إلى هذا المنعطف الخطير .!؟

أهى الأسرة أم المدرسة أم ثقافة مجتمع !!؟

هى مسئولية الثلاثة مجتمعين .
فحسب الدراسات المتخصصة هناك عدة عوامل تقف خلف إرتكاب الجريمة فوفقاً لدراسة حديثة تحت عنوان “خبرات الطفولة المعاكسة” ، و التي طبقت على عدد كبير من الأطفال على مدار فترات زمنية متفاوتة لرصد سلوك هؤلاء الأطفال عند تجاوزهم مرحلة الطفولة بعد تعرضهم لسلوك عنيف فى الصغر ..
“اكتشفوا إن سلوك الطفل الانحرافى بيكون نتاج تعرض الطفل لعدد من الاضطرابات النفسية فى طفولته المبكرة” ..

فتتحول إلى سلوكيات إنحرافية ؛ قد تكون تكونت عندما تعرض الطفل لتجربة كسرت ثقته فى نفسه ، أو بسبب ممارسة العنف عليه ، و بانتهاكه نفسياً حتى يعتاد على العنف ؛ ليصبح العنف عادى ووارد لديه يمارسه على المجتمع الخارجى فى المدرسة أو الشارع أو النادى أو …..

وتلقائياً نجده يحاول أن ينضم لمجموعة حتى يتمكن من إستعادة ثقته في نفسه ، أو تعويضا لنقص ما فى شخصيته وفى معظم الحالات تتطلب هذه المجموعات أن يقوم الطفل بعمل ما حتى ينضم إليهم ويصبح عضواً فى هذه المجموعة و من هنا تبدأ المشكلة .!

يأتي بعدها دور المحتوي الإعلامي و الثقافي الذي أتخذ من البلطجي و تاجر المخدرات قدوة ونجم يعتلي أكبر اللافتات فى كل مكان و يمتلك من المال و الشهرة ما يغري أقوى الرجال ، فما بال بطفل كل ما يحيط به يحث على العنف و البلطجة ، والمتاح في أى وقت و مجاناً على منصات التواصل الاجتماعي و الانترنت دون توجيه أو إرشاد أو رقابة من الآباء ..

فالخلل من الداخل قبل الخارج ؛ فلا أهل تربي و لا بيت يتابع .

فقبل أن تلوموا هؤلاء الأطفال لوموا أنفسكم أولاً .

فهم نتاج سنوات طويلة من أخلاقيات العشوائيات
و التى أفضت إلى أمراض نفسية ، ناتجة عن الحرمان العاطفى الذى يتعرضون له مما يربي القسوة بداخلهم ؛ و نتاج لظروف إجتماعية وضغوط مجتمعية من الأب أو الأم أو المدرسة أو تنمر زملاء الدراسة .

و للقضاء على العنف لدى الأطفال علينا إتخاذ أكثر من طريق …

أولها الحوار ثم الحوار ؛ بدلا من الضرب أو التعنيف و التقليل من الشأن و التنمر .

و منها العمل على تحسين مقومات البيئة المحيطة بسكن الطفل ..

و منها كذلك عمل أفلام مخصصة وموجهة للطفل ؛ مع وضع ضوابط للتحكم فيما يشاهده الأطفال على مواقع التواصل الإجتماعي و الانترنت كباقي دول العالم فليست بدعة أو معضلة لكنها ضرورة ملحة .

و نأتي هنا لدور فى غاية الأهمية و الذي فقدناه منذ سنوات طويلة ألا و هو عودة الدور التربوي للمدرسة.!

فالتربية قبل التعليم ..

و التي أصبحت ضرورة ملحة ؛ فقد ثبت و بالدليل أن البيئة المدرسية تؤثر بشكل كبير جداً عما نتصوره فى إزدياد لغة العنف عند الأطفال .

و لحل هذه الأزمة نقترح أن يكون هناك حصة تسمى ” حصة نفسية” ابتداء من رياض الأطفال و وصولاً لجميع المراحل التعليمية على أن تكون ضمن الجدول المدرسي و يقوم بتدريسها الاخصائي النفسي و الإجتماعي ..
فلا يقتصر دور الاخصائي الاجتماعي هنا على حل بعض المشاكل التى تظهر لبعض الطلبة ..
و التي ثبت ضعفها فى أحيان كثيرة فى الوصول إلى الهدف المرجو منها بعلاج المشكلة من جذورها ؛ بل لا تغني على إنها مجرد حل مؤقت ما يلبث و ما يلبث أن تعود المشكلة بشكل أكبر وأوسع ..

ولا أقول هنا طبيب نفسي متخصص لما يعد صعب تحقيقه على أرض الواقع ولكن يكفى وجود هذه الحصة لاكتشاف الحالات المرضية و التى قد تظهر أثناء الحوار و المناقشة و مراقبة سلوك الأطفال عن قرب ..
مع العمل على علاجها و التواصل مع ولى الأمر لتقويم سلوكها و علاجها قبل أن تتفاقم و تصبح غير قابلة للإصلاح ..

فالوقاية دائماً خير من العلاج .!

فإذا أستطاعت المدرسة تقليل نسبة العنف و الجريمة بنسبة 25% سيكون شيئا عظيماً .

و أخيراً أحذورا من كون هذا الصغير اليوم يكون مشروع مجرم كبير فى الغد ..!
و يعيث فى الأرض فساداً …

بل سيكون عائقاً أمام أى مشاريع تنموية ..

فهذا الصغير هو إستثمار المجتمع غداً هو من سيقود الوطن مستقبلاً .
فالتربية أعمق من مجرد تربية الأجساد ….

تربية الوجدان و العقول و الأخلاق أولى و أبقى …

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى