د.فاطمة رجب الباجوري تكتب: الأيام الثلاثون والاصطفاء

كنت أقرأ قول الله تعالى:
{وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً }.(الأعراف 142)
وقرأت تفسيرها في الكشاف:فوجدت أن موسى- عليه السلام- وعد بنى إسرائيل وهو بمصر، إن أهلك الله عدوهم أتاهم بكتاب من عند الله، فيه بيان ما يأتون وما يذرون، فلما هلك فرعون سأل موسى ربه الكتاب فأمره بصوم ثلاثين يوما وهو شهر ذي القعدة، فلما أتم الثلاثين أنكر خلوف فمه فتسوَّك. فقالت له الملائكة: كنا نشم من فمك رائحة المسك فأفسدته بالسواك فأمره الله- تعالى- أن يزيد عليها عشرة أيام من ذي الحجة لذلك. وقيل أمره الله أن يصوم ثلاثين يوما وأن يعمل فيها بما يقربه من الله، ثم أنزل الله عليه في العشر: التوراة، وكلمه فيها.

وفي أثناء قراءتي لتفسير الآية تذكرت: اختلاء نبينا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) بنفسه في غار حراء في شهر رمضان من كل عام ، يتفكر في الكون وخالقه ، وفي أهل مكة الذين كانوا يعبدون الأصنام لتقربهم إلى الله زلفى . ( كل ذلك كان قبل البعثة ).
ثم ربطت بين الثلاثين يوما الذي صامهم سيدنا موسى فاصطفاه الله تعالى بالتوراة ، والكلام ، وبين الثلاثين يوما الذي كان يختلي فيها سيدنا محمد يتأمل إبداع الله تعالى للكون فاصطفاه الله تعالى بالرسالة ونزول القرآن .
ثم تأملت إكرام الله تعالى لنا أمة محمد ــ صلى الله عليه وسلم ــ بفرض صيام شهر رمضان من كل عام ، وقيامه والاعتكاف فيه ليختلي الإنسان بنفسه، ويناجي ربه، كما فعل سيدنا موسى وسيدنا محمد ــ عليهما الصلاة والسلام ــ
فأدركت أنه لابد لهذه الثلاثين أيضا من اصطفاء للعبد الذي أعطى حقها من صيام، وقيام، وصدقة، وإخلاص لله تعالى.
ولكن هل الاصطفاء يكون للأمة المحمدية بأكملها؟!

هنا رجعت إلى آية الصيام التي تقول:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. (البقرة،183)
فوجدت أنها تخاطب المؤمنين لا المسلمين، إذن الاصطفاء يكون للمؤمنين الذين يصومون الشهر ويقومون فيه.
ولكن ما الفرق بين المسلم والمؤمن؟
المسلم: هو من دخل الإسلام وأظهر الخضوع والقبول لما أتى به الرسول الكريم.
والمؤمن: هو من دخل الإسلام وأظهر الخضوع والقبول لما أتى به الرسول الكريم.وزاد على ذلك تصديقه لكل ذلك بقلبه.
لذلك قال الله تعالى في سورة الحجرات :
{ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} (آية 14).
ثم نظرت إلى ختام آية الصوم ( لعلكم تتقون )، ففرحت بهذا الاصطفاء من الله تعالى للصائمين ، وهو الوصول إلى درجة التقوى ، هذه التقوى التي أوصانا الله تعالى بها، وأوصى بها الأمم من قبلنا. قال الله تعالى :
{ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ}. (النساء 131)

ثم زادت فرحتي بالبشرى التي بشرنا بها نبي الأمة ، وهي قمة الاصطفاء حين قال:
(مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) رواه البخاري، ومسلم.
فأي مكافأة يتمناها الإنسان من صوم الثلاثين يوما غير غفران جميع ذنوبه السابقة .
وأي اصطفاء أفضل وأكرم من أن يغفر الله تعالى لنا جميع ذنوبنا .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى