البلغارية ضمن لغات جائزة الشيخ حمد للترجمة في موسمها التاسع حوارات لمدّ جسور الثقافة وتعظيم المشترَك الإنسانيّ

كتبت / مريم محمد

مثّلت الجولة التي قام بها الفريق الإعلامي لجائزة جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في بلغاريا مؤخراً، فرصة للتعرف على واقع الترجمة بين اللغتين البلغارية والعربية، واستكشاف آفاق التعاون بين الفاعلين في هذا المجال -مؤسساتٍ وأفراداً- من العرب والبلغار.

 


وجاءت الجولة في إطار فعاليات الموسم الثقافي المصاحب للدورة التاسعة للجائزة التي تم اختيار البلغارية ضمن اللغات الخمس لفئة الإنجاز فيها.

وتضمنت الجولة عدداً من اللقاءات والاجتماعات والجلسات الحوارية، التي أثرى النقاشات فيها أكاديميون، وممثلو مؤسسات بحثية وثقافية ودينية، ومترجمون، وأدباء، وطلبة جامعيون، إلى جانب أصحاب مبادرات معنيين بمدّ جسور التثاقف وتعظيم المشترَك الإنساني والحوار العابر للحدود الذي ينحاز لقيم تقبل الآخر والتفاعل معه على أرضية أن لا سيادة للغةٍ على أخرى.

فقد التقى الوفد أعضاء هيئة التدريس في قسم اللغة العربية بكلية اللغات الكلاسيكية والحديثة بجامعة صوفيا، وهو من أكبر المراكز التعليمية التي تدرّس اللغة العربية في شرق أوروبا.

ورغم تسرب معظم الطلبة من القسم كما أوضح رئيسه د.سيمون إيفيستاتيف، لعوامل عدة من بينها صعوبة اللغة وتعدد اهتماماتهم، إلا أن عدد خريجيه يبلغ حالياً حوالي مئتي طالب درسوا العربية وتوجهوا للعمل في السلك الدبلوماسي.
وأكد إيفيستاتيف أن دراسة اللغة العربية تكتسب أهمية خاصة، لكون العربية لغة حية يمكن لدارسيها أن يطّلعوا على نصوص القرون الوسطى، فضلاً عن أنها تقع في قمة الهرم للّغات المختلفة لارتباطها بالحضارة الإسلامية ونشر الدين الإسلامي.

وخلال لقاء الوفد بهيئة التدريس في الجامعة البلغارية الجديدة، عرّفت د.نيديلا كيتاييفا -مترجمة رواية “فيزياء الحزن” لغيورغي غوسبودينوف- بقسم اللغة العربية الذي يضم أساتذة من بينهم: د.ماريانا، رئيسة كلية الدراسات الشرقية التي ترجمت “ترجمان الأشواق” لابن عربي، ود.فيلين بيليف الذي ترجم “المنقذ من الضلال” لأبي حامد الغزالي.
وأعرب نائب رئيس الجامعة ديميتير تريندافيلوف عن سعادته بوجود قسم للّغة العربية بالجامعة، التي تُصدر مجلة للدراسات الشرقية تشتمل على باب للترجمات من المصادر العربية وخاصة الفلسفة، ومن بينها ترجمات من الغزالي وابن طفيل والكندي وابن رشد، وذلك بهدف تغيير نظرة الناس إلى الإسلام.

ومثلت الجولة فرصة للوفد الإعلامي للجائزة، لزيارة دار نشر “الجذمور” (Rhizoma) لصاحبها توماس هوبنر وشريكته إليتا هوسينوفا. وهي متخصصة بترجمة الأدب، الذي يعدّ بحسب هوبنر “سبباً في تغيير العالم نحو الأفضل”. ورغم أن الدار ما زالت في بداية الطريق لنشر الترجمات من العربية إلى البلغارية، إلا أن ما يسمها أنها تتعاون مع مترجمين أكفياء، أبرزهم مايا تيزينوفا التي ترجمت شعر محمود درويش ونصوص جبران خليل جبران إلى البلغارية.
كما زار الوفد دار النشر التابعة لدار الإفتاء العام في صوفيا، والتقى المشرف عليها جمال الخطيب. وتوجّه الدار اهتمامها للكتب التراثية الإسلامية التي تتم ترجمتها من العربية والتركية والإنجليزية، وتشكّل الكتب التي أصدرتها مترجمةً من العربية ثُلث الكتب المترجمة من هذه اللغة في بلغاريا.

وأكد الخطيب أن القراء للكتب المترجمة من العربية يمثلون شريحة واسعة من مجتمع القراء ببلغاريا، لا سيما الكتب المتعلقة بالدين الإسلامي والتراث والفقه والشريعة، وهو ما تؤكده البيانات؛ على غرار أن ٥٠ ألف نسخة من ترجمات معاني مفردات القرآن الكريم تباع سنوياً في بلغاريا التي يبلغ عدد الجالية المسلمة فيها حوالي ٧٠٠ ألف نسمة، كما يباع من بعض الكتب الدينية حوالي ٢٠ ألف نسخة.

وبحسب الخطيب، تسند الدار مهمة الترجمة إلى أساتذة ذوي خبرة واسعة، ومن أبرزهم آيهان سيلمان، ورضوان كاديوف، وتيزفيتان توفانوف الذي ترجم معاني مفردات القرآن الكريم وتفسير الطبري.
وفي السياق نفسه، قام الوفد بزيارة دار نشر “الشرق-الغرب” (Iztok-Zapad)، لصاحبها لوبين كوزاريف، واطلع على باقة من إصدارات الدار التي يزيد عددها على ثلاثة آلاف عنوان معظمها في التاريخ والعلوم الطبيعية والتطبيقية وعلم النفس، ويعد كتاب “دار الاسلام” آخر إصداراتها، وهو يضيء رسالة الفكر الإسلامي وأبعادها الإنسانية.

وأوضح كوزاريف أن الدار تسعى لنشر الكتب التي تسهم في المثاقفة وتحتفي بروح التسامح، وأنها معنية بالترجمة من عدد من اللغات من بينها العربية، مشيراً إلى أنها أصدرت ترجمة “ألف ليلة وليلة” من النسخة الأصلية العربية.
بدوره، تحدث المترجم الفلسطيني المقيم في بلغاريا خيري حمدان مستعرضاً تجربته في الترجمة، فقد بدأت ترجماته من البلغارية إلى العربية بـ”هدايا شهرزاد السبعة” للمستشرق إميل تسانكوف غيورغييف، وهو يتضمن قرائن موثقة تفيد بفضل العرب والمشرق عامة في تطوير الحضارات العالمية. كما ترجم مختارات من الشعر البلغاري المعاصر بعنوان “الرياح بعثرت كلّ كلماتي”، ومختارات من القصة البلغارية بعنوان “في البدء كانت الخاتمة”. أما من العربية إلى البلغارية، فقد ترجم كتباً أدبية من بينها: “مكالمة منتصف الليل” للقاص محمود الريماوي، و”المستهدف” لجمال ناجي، و”الصبية والصندوق” لسلوى عمارين. كما نقل الكثير من النصوص الشعرية العربية.

وفي إطار الجولة، التقى الوفد الإعلامي للجائزة سنيجانا يوفيفا ديميتروفا، مديرة المعهد الثقافي الحكومي التابع لوزير الخارجية في بلغاريا، التي أوضحت أن المعهد ينظم العديد من النشاطات والندوات والمعارض، ويعنى بإدارة المقتنيات الفنية الخاصة بوزارة الخارجية، مشيرة إلى أن المعهد عضو في شبكتين دوليتين، إحداهما الشبكة العالمية للدبلوماسية الثقافية ومقرها الدوحة.

واجتمع الوفد بإدارة اتحاد المترجمين في بلغاريا، والتقى عدداً من المترجمين من العربية وإليها في بيت الأدب والترجمة الذي يرأسه خيري حمدان. وخلال اللقاء كشفت يانا ترابوفا أن البيت نظم برنامجَ تعاون للترجمة بين الدول الشرق أوروبية والدول العربية، وحصل على جائزة في هذا المجال.

ورأى المشاركون في نشاطات الجولة، أن جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي تشكل باختيار البلغارية ضمن اللغات الخمس لفئة الإنجاز في موسمها التاسع، تشجيعاً لهم، وتمنح الكاتب والقارئ البلغاريَين الفرصة للاطلاع على الأدب العربي. واقترحوا استحداث مِنَح تتيح للطلبة الذين يدْرسون العربية الفرصةَ قضاء برهة زمنية في رحاب جامعات ومعاهد عربية لتشكّل لهم تحدياً لقدراتهم المعرفية بهذه اللغة ولتساعدهم على تخطي عقبات تعلّمها بسهولة.
بدورها، عرضت د.حنان الفياض، المستشارة الإعلامية للجائزة، الدور التاريخي للترجمة عبر مسيرة النشاط الإنساني عامة، وبينت أهمية رسالة الترجمة في تنشيط الفكر الإنساني في زمن الصراعات والتجاذبات، وتحقيق التواصل بين الحضارات وإثراء تجربة التبادل الثقافي ونقل المعارف، وأوضحت أن الجائزة تهدف إلى في نشر السلام والتسامح والمحبة في العالم، بالإضافة إلى دورها في تشجيع المترجمين.

أما د.امتنان الصمادي، فأكدت أهمية الترجمة في فعل المثاقفة تاريخياً منذ انطلاق الحضارة الإسلامية، مشيرة إلى تشجيع الخلفاء للمترجمين في سبيل نقل منجزات الحضارات السابقة إلى العربية، مما شكّل دافعاً رئيساً لتطوير الحضارة الإنسانية والاستفادة من منجزات الفكر الإنساني ولتصبح الحضارة العربية الإسلامية حلقة مهمة في سلسلة حلقات التطور البشري.
واستعرض المشاركون في نشاطات الجولة التحديات التي تواجه فعل الترجمة بين العربية والبلغارية، وأبرزها قلة عدد المترجمين الذين يجيدون العربية، وقيام معظم ما يُترجم على الجهود الفردية، والافتقار لاستراتيجيات واضحة المعالم لدعم مشاريع الترجمة، والقضايا المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية، وممارسة بعض دور النشر السلطة على المترجمين.
وخلص المشاركون إلى أهمية الترجمة في فعل المثاقفة تاريخياً، وغنى الأدب العربي وضرورة الاهتمام بترجمة المزيد من نماذجه إلى البلغارية، وتعطش القراء للتعرف على الأدب العربي وكتب التراث الإسلامي، والحاجة إلى الجهود المؤسسيىة المنظمة لدعم حركة الترجمة بين اللغتين وتنشيطها، وضرورة إطلاق المزيد من المِنَح والجوائز التي من شأنها تعزيز ثقة المترجم بدوره ورسالته ودفعه إلى التفرغ للإنجاز.

ومن الجدير بالذكر أن منسّقة الجولة، المترجمة المعروفة مايا تيزينوفا، ترجمت بعد دراستها في كلية اللغات الكلاسيكية والحديثة بجامعة صوفيا، الكثير من الأعمال الأدبية من العربية إلى البلغارية، وشمل ذلك أعمالاً لجبران خليل جبران ومحمود درويش وأمين الريحاني، ومختارات من الشعر الفلسطيني والشعر الكويتي، وعدداً من العناوين من الأدب العراقي واللبناني والليبي والجزائري.

وكانت جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي فتحت باب الترشح والترشيح لدورتها التاسعة لعام 2023 ضمن فئتين: فئة الكتب المفردة في اللغتين الرئيستين (الإنجليزية والإسبانية)، وفئة الإنجاز التي تشمل البلغارية والسندية والصومالية لغاتٍ فرعية إلى جانب اللغتين الرئيستين. ويتم الترشح والترشيح للجائزة التي تبلغ قيمتها الإجمالية مليوني دولار أمريكي، إلكترونيّاً عبر الموقع الرسمي للجائزة، علماً أن آخر موعد لتسلم الترشيحات هو 31 يوليو/ تموز 2023.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى