إسلام محمد سيد يكتب: ” ضوابط تزويج المرأة نفسها في المذهب الحنفي”

المحامي

خالف أبو حنيفة رحمه الله جمهور أهل العلم فأجاز للمرأة البالغة العاقلة أن تزوج نفسها بنفسها؛ فلها كامل الولاية في شأن الزواج، وينشأ العقد بعبارتها ويصحّ. وأما إذن الولي ورضاه، فمستحب عنده وليس بواجب.
ومع أنّ أبا حنيفة قد أجاز للمرأة أن تزوج نفسها بدون إذن وليها، إلا أنه قد احتاط لحقّ هذا الولي فشدّد في اشتراط الكفاءة فيمن تختاره، وجعل له حقّ الاعتراض إن كان المهر دون مهر المثل. .

الولاية

وتثبت الولاية عند أبي حنيفة للعصبات ولذوي الأرحام، وخالفه الصاحبان: أبو يوسف ومحمد في ثبوتها لذوي الأرحام.والعصبات هم كل قريب ذكر يتصل بالمولى عليه اتصالا لا ينفرد بالتوسط بينه وبينه أنثى، أو كل ذكر يدلي إلى المولى عليه بمحض الذكور كالأب والابن.

ويشترط في الولي أن يكون
١) كامل الأهلية بالحرية
٢)العقل
٣)البلوغ.
٤)الكفاءة
الكفاءة هو كون الزوج نظيرا للزوجة، أي يساويها في أمور مخصوصة يعدّ الإخلال بها من مفسدات الحياة الزوجية. وعرفها عبد الوهاب خلاف الحنفي (في أحكام الأحوال الشخصية) بقوله: “الكفاءة شرعا مساواة الزوج زوجته في المنزلة بحيث لا تكون الزوجة ولا أولياؤها عرضة للتعير بهذا المصاهرة حسب العرف”.
والكفاءة في الزواج معتبرة عند الأحناف، وهي من حقّ الولي فله فسخ الزواج إذا تزوجت المرأة من غير كفء.

1. الكفاءة في النسب:
اتفق أئمة المذهب على أن النسب معتبر بين العرب وأنّ غير النسيب منهم غير كفء للنسيبة، واتفقوا على أنّ غير العربي ليس كفؤا للعربية إلا العالم؛ لأن شرف العلم فوق شرف النسب.
وأما الأعاجم فلم يعتبر شرط كفاءة النسب بينهم؛ لأنهم لم يعرف عنهم التفاخر بالنسب كما عرف عند العرب. إلا أن بعض الفقهاء قد عارض هذا، لأن من غير العرب من يفتخر بنسبه لذلك نص على اعتباره.

2. الكفاءة في الدين (الإسلام):
وهذا الشرط يعتبر في العجم ولا يعتبر في العرب؛ لأن العرب اكتفوا في التفاخر بأنسابهم، لا بإسلام أصولهم. قال المرغيناني الحنفي (في الهداية): “وأما الموالي فمن كان له أبوان في الإسلام فصاعدا فهو من الأكفاء يعني لمن له آباء فيه ومن أسلم بنفسه أو له أب واحد في الإسلام لا يكون كفؤا لمن له أبوان في الإسلام لأن تمام النسب بالأب والجد”. ومعنى هذا: لو أسلم شاب ألماني مثلا بنفسه دون والديه، وتزوج من تركية مسلمة أبا عن جد دون إذن وليها، فللولي أن يفسخ النكاح لأنه غير كفء لها على ما تقرر في المذهب الحنفي.

3. الكفاءة في التقوى:
المراد تدين المرأة وصلاحها، إذ الفاسق ليس بكفء للمتدينة الصالحة.

4. الكفاءة في الصنائع (الحرفة):
قال الكاساني الحنفي (في بدائع الصنائع): “ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي اعتبار الكفاءة في الحرفة ولم يذكر الخلاف فتثبت الكفاءة بين الحرفتين في جنس واحد كالبزاز مع البزاز والحائك مع الحائك وتثبت عند اختلاف جنس الحرف إذا كان يقارب بعضها بعضا كالبزاز مع الصائغ والصائغ مع العطار والحائك مع الحجام والحجام مع الدباغ ولا تثبت فيما لا مقاربة بينهما كالعطار مع البيطار والبزاز مع الخراز”. وعلى هذا، إذا كانت الزوجة بنت صاحب حرفة شريفة كالطبيب مثلا، لا يكون كفؤا لها صاحب الحرفة الدنيئة كعامل النظافة في شارع أو مقهى أو مطعم. والعبرة في ذلك بما يتعارف عليه الناس.

5. الكفاءة في الحرية:
لا يكون العبد مثلا كفؤا للحرّة.

6. الكفاءة في المال:
قال الكاساني الحنفي (في بدائع الصنائع): “المعتبر فيه القدرة على مهر مثلها والنفقة ولا تعتبر الزيادة على ذلك… وإن كان لا يساويها في المال، هكذا روي عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد في ظاهر الروايات”. وعليه، فمن كان قادرا على دفع مهر الزوجة، وعلى الإنفاق الشهري عليها، فهو كفء لها، ولا يشترط التساوي في الغنى.
ومن المسائل التي تتعلقّ بهذا الأمر، مسألة مهر المثل. قال عبد الغني الميداني الحنفي (في اللباب شرح الكتاب): “وإذا تزوجت المرأة ونقصت من مهرها فللأولياء الاعتراض عليها عند أبي حنيفة حتى يتم لها مهر مثلها أو يفارقها”. وقال ابن مودود الموصلي الحنفي (في الاختيار لتعليل المختار): “ومهر مثلها يعتبر بنساء عشيرة أبيها، فإن لم يوجد منهم مثل حالها فمن الأجانب، ويعتبر بامرأة هي مثلها في السن والحسن والبكارة والبلد والعصر والمال…”.

هذه هي الأمور التي تعتبر في الكفاءة في الزواج، ويجب أن يؤخذ بعين الاعتبار أنه إذا تحقّق أمر واحد منها، جاز للولي أن يستعمل حقّه وأن يطلب التفريق لعدم الكفاءة؛ إذ ليس بشرط اجتماع كل هذه الأمور.

خاتمة:
إنَّ الذي اختاره أبو حنيفة النعمان فهو رأي فقهي معتبر،إلا أنّ رأيه رحمه الله قد أساء فهمه بعض الناس، وأساء استعماله بعض آخر، لذلك قمنا بشرحه هنا. ولو تدبّر عاقل في رأي الإمام الأعظم لأدرك أنه وإن أجاز للمرأة تجويز نفسها، إلا أنه لم يحط من قدر وليها وأعطاه من الضمانات ما يكفيه لفسخ العقد إن كرهه. فما خطر بباله، وما أراد البتة، أن تعادي المرأة أهلها أو تكذب عليهم أو تحط من قدرهم من أجل أن تتزوج بمن ترضاه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى