شريف ربيع يكتب: ماذا يفعل الحسد؟

النفس البشرية مطبوعة على حب الرفعة وارتقاء المنازل العالية، وترفض أن يتفوق عليها أحد من جنسها، فإذا تميز أحد عليها صَعُبَ ذلك عليها، وتصير في اتجاهين: إما السعادة والفرح بالخير للغير والعمل بجد لتعويض ما فات، وتلك هي النفوس الراقية المثمرة. وإما حب زوال النعمة عن الغير، وهذه نفوس تحتاج إلى علاج.

بل إن من شدة غيظ الحساد وكرههم لأصحاب النعم أن يسعوا عمليًّا بكل وسيلة لمحاولة عرقلة أو منع النعم عن الغير.. وهيهات هيهات وما يريدون. والحسد داء يصيب الغني والفقير، والعالم والجاهل، لكن الخبيث يتمادى فيه ولا يحاول تصحيح نفسه، بل ربما أظهره لشدة غيظه، والكريم يقع فيه بغير نية أو تعمد؛ لذلك أمرنا النبي ﷺ بالدعاء بالبركة عند رؤية ما يعجبنا فقال: «إذا رأى أحدُكم من أخيهِ ما يعجبُهُ فليدعُ لَهُ بالبرَكةِ». وأخطر ما في الحسد أنه في حقيقة أمره نوع من الاعتراض على عدل الله تعالى وحكمته وقسمته بين عباده، وله أضرار كثيرة، وشرور عظيمة على الفرد والمجتمع.

فأما أضراره التي تعود على الحاسد؛ هي أن الحاسد أول المتضررين من حسده، فيظل في غم لا ينقطع، ويقع في مصيبة لا يؤجر عليها، ويعرض نفسه لسخط الله سبحانه وتعالى، ويُحْرَمُ التوفيقَ. والحاسد عدو نعمة الله؛ لأنه أبغض كل نعمة ظهرت على غيره، ولأنه تمنى فشل المتميزين وكره الخير للناس. والحسد ينافي الإيمان، يقول رسول الله ﷺ: «الحسدُ يأكلُ الحسناتِ، كما تأكل النَّارُ الحطب».

ثم تنتقل أضرار الحسد إلى المحسود وذلك بإذن الله تعالى فيحدث له الأذي والضرر، ثم تعم هذه الأضرار فتشمل المجتمع بأسره؛ لأن الحسد يمزق المجتمعات ويفرقها، ويزرع فيها الكره والحقد، قال النبي ﷺ قال: «دب إليكم داء الأمم: الحسد والبغضاء، هي الحالقة، لا أقول: تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين، والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أنبئكم بما يثبت ذلك لكم؟ أفشوا السلام بينكم».

والحسد يساعد على إشاعة الجريمة؛ فأوَّل جريمةٍ قتل على وجه الأرض كان الدافع وراءها الحسد، عندما قتل قابيل أخاه هابيل حسدًا منه على ما ساقه الله له من فضل وإكرام، حينما قرَّب إليه قربانًا فتقبَّله منه، إشارةً إلى رضاه عنه، فحسده أخوهُ على ذلك الفضل، فقتله. والحسد يمنع صاحبه من قبول الحق والرضا به.

وكما أن الحسد داء خطير فله علاجات كثيرة، ومن أهمها التعوذ بالله تعالى من شره، واللجوء إليه، قال تعالى:﴿وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾ [الفلق: 5]، ومن علاجاته: تقوى الله تعالى، وطاعة أوامره واجتناب نواهيه، فمن فعل ذلك، تولَّى الله عز وجل حفظه، ولم يتركه إلى غيره، ومنها أيضًا الصبر على الحاسد، وعدم مقاتلته ولا شكوته، وعدم تحديث النفس بأذاه أصلًا، والصبر عليه قدر المستطاع، والتصدق عليه والإحسانُ له بقدر الإمكان، وذلك من أصعب الأسباب على النفس، ولا يصل إلى تلك المرتبة إلا شخص قوي بحق، فكلما ازداد الحاسد أذى وشرًّا وبغيـًا وحسدًا ازداد الشخص إليه إحسانـًا، وله نصيحة، وعليه شفقةً ورحمةً.

ومن علاجاته: التوكل على الله تعالى؛ فمن توكل على الله فهو حسبُه، والتوكُّل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يُطيق من أذى الخلق وظلمهم وعُدوانهم، ومنها: التوبة إلى الله تعالى من الذنوب التي تلازم المرء، فإن الله تعالى يقول: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ [الشوري: 30]، ومنها: إخفاء بعض النعم التي يُخشى عليها من الحسد، ومنها: ذكر الله تعالى عند رؤية ما تستحسنه النفس فقد ورد عن النبي محمد ﷺ أنه قال: «من رأى شيئًا فأعجبه فقال ما شاء الله لا قوة إلا بالله؛ لم يضره».

فالواجب علينا جميعا أن نتفكر في نتائج الحسد وعواقبه الوخيمة؛ فالإنسان العاقل لا يقدم على ما يجلب له التعب والضرر، وكذلك ينبغي علينا النظر والتأمل فيما أعطاه الله تعالى لنا من النعم وشكره عليها؛ فحينها سنجد أن لدينا نعمًا كثيرة ربما لا توجد عند غيرنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى