شوكت كمال يكتب: شهداء لقمة العيش

الساعة تقترب من الثالثة والنصف عصرًا، يرن جرس الجوال «الحق فيه حريق فى الفرن اللي تحت..»، كان المتحدث زوجتى، هرولت إلى الشباك لأُفاجأ بنيران شديدة تخرج من الفرن وصرخات الجيران تتعالى ومحاولات بائسة من الأهالي لإطفاء الحريق، جريت نحو التليفون الأرضى لأكلم المطافي وللأسف لم ترد، اتصلت بسويتش الجريدة التى أعمل بها أستنجد بهم ليطلبوا المطافي، إلا أن المطافي لم ترد عليهم أيضًا، وبعد نحو ربع الساعة وصلت إحدى سيارات المطافي ارتحت قليلًا وقلت الحمد لله، ثم وصلت سيارة أخرى بعدها بخمس دقائق اطمأننت أكثر، ودعوت الله ألا تمتد النيران للفرن المجاور وألا يشتعل الحريق أكثر ليلتهم البيت الذي يقع فيه الفرن وما حوله من منازل ملاصقة أحدها المنزل الذى أقيم فيه والذي يبعد عن الفرن المشتعل نحو 150 مترًا.

سمعت من أسفل البيت الذي أسكن فيه صوتًا مكلومًا: «أحمد ابني جوه».. عرفت فيما بعد أنها أم أحمد، بائعة الليمون، التى يعمل ابنها فى الفرن، صاحب الثلاثة عشر ربيعًا ويحصل على يومية ثمانين جنيهًا يساعد بها أمه وإخوته وكان يريد أن يشتري مما يوفره ملابس العيد، وقدر الله أن يكون من بين ضحايا الحادث الأليم هو وثلاثة آخرون كانوا يعملون معه، وتبعهم أحد سكان العقار الذي يوجد أسفله الفرن، ولم يستطع النجاة لأن الحريق امتد إلى مدخل المنزل.   

بعد نحو ساعتين تمكنت قوات الدفاع المدني من محاصرة الحريق والسيطرة عليه بعد انفجار ثلاث أنابيب غاز داخل الفرن تسببت فى هز المنطقة بالكامل، وكان يصاحب الانفجارات استغاثات ودعوات بأن يلطف الله بنا.

مشهد مؤلم ومروع، وازداد إيلامًا حين حضرت سيارات الإسعاف لتنقل الضحايا إلى المشارح.

بعد وصف تفاصيل الحادث المؤلمة والذي كان أحد أسبابه عدم توافر وسائل الأمن الاصطناعي داخل الفرن بدليل أن الناس كانوا يحاولون إطفاء الحريق بخرطوم مياه بدلًا من طفايات الحريقلا بد لنا من وقفة؛ حيث اتضح أن الفرن يعمل بدون رخصة منذ أكثر من ست سنوات. كيف يعمل الفرن طيلة هذه الفترة دون وضع قانوني صحيح؟ وأين الرقابة عليه؟

ويجب التنبه إلى أن وجود الأفران تحت البيوت قنابل موقوتة لا يعلم سوى الله متى تنفجر؛ لذا أرجو من مسئولى التراخيص ألا يرخصوا لتلك الأفران حتى لا يكون هناك مزيد من الضحايا، وأن يتم بناء الأفران فى مكان مستقل، كما نرى فى المدن الجديدة؛ حيث منطقة السوق هى التى توجد بها الأفران.

لقد أسفر الحريق عن موت خمسة أفراد وإلحاق خسائر بالغة بالبيت الذي وقع فيه؛ حتى إن سكانه هجروه، كما ألحق خسائر بورش ومحال قريبة من المكان، كما أصاب الأهالي بحالة من الهلع والفزع، خاصة الأطفال.

إن كل من أضير في هذا الحادث المأساوي سواء من مات أو لحقته خسائر مادية يتحمل وزرهم من تغاضى عن تلك الخطايا من المسئولين وكذا صاحب المخبز

رحم الله شهداء لقمة العيش، ورزق أهلهم وذويهم ومحبيهم الصبر والسلوان.   

  

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى