“بين السما والأرض”.. لماذا هذه النهاية المأساوية بلا داع؟

كتبت / مني تامر

انتهى عرض مسلسل “بين السما والأرض” المكون من 15 حلقة فقط، والمأخوذ عن فيلم بنفس الاسم للمخرج صلاح أبو سيف وكتبه للسينما الكاتب نجيب محفوظ، والفيلم من بطولة هند رستم وعبد السلام النابلسي وعبد المنعم إبراهيم ومحمود المليجي.

أما المسلسل فهو من بطولة مجموعة كبيرة من الفنانين، منهم هاني سلامة ومحمد لطفي وأحمد بدير وسوسن بدر وندى موسى وآخرون، كتب السيناريو للمسلسل إسلام حافظ، وأخرجه محمد جمال العدل.

يدور المسلسل حول مجموعة من الأفراد يدخلون مصعدا في بناية كبيرة متعددة الطوابق، وفجأة يتوقف المصعد بفعل فاعل، ونرى عصابة يترأسها “مصطفى درويش”، ولا نعلم لماذا أوقفت المصعد سوى أنها تريد شخصا بعينه من داخله، وتمر الساعات على المحبوسين، في حين تفشل كل محاولات إنقاذهم.

اختلافات بين الفيلم والمسلسل

يفرق بين العملين الفنيين ما يزيد على 60 عاما، لذلك كان من الضروري إجراء تغييرات على السيناريو، حيث حافظ كاتب السيناريو إسلام حافظ على شخصيات العمل الأصلي قدر الإمكان، مع تغيير ما يلزم ليلائم العصر الحالي ويتناسب مع قصته، فالخيط المشدود غير المرئي بين بعض أفراد المصعد كان من الواجب وجوده من أجل إثراء زمن الحلقات وإظهار التاريخ الشخصي لأبطال العمل، وهو ما لم يوجد بالطبع في العمل الأصلي، حتى أن العمل الأصلي لم يذكر أسماء الشخصيات إلا شخصية الممثلة الشهيرة.

حافظ المسلسل أيضا على الحس الكوميدي الذي ظهر في الفيلم، فطغت بعض المشاهد الكوميدية على الموقف، وهو أمر طبيعي في مثل هذا الموقف، وحافظ أيضا على وجود بعض الشخصيات، مثل المجنون الهارب المتسبب في أكثر المواقف الكوميدية والذي مثل دوره محمد ثروت، والخادم التي تحول إلى خادمة جسدت دورها ندى موسى، والنصاب الأرستقراطي الذي مثل دوره محمد لطفي، والشخص العجوز الحكيم الذي قام بدوره أحمد بدير، وشخصية الممثلة التي جسدتها كل من سوسن بدر ونجلاء بدر، والمرأة الحامل التي مثلتها نورهان.

قدم أغلب طاقم العمل أداء جيدا تميز في بعض المواقف دون الأخرى، ولكن برز 3 ممثلين هم محمد ثروت ومحمود الليثي وندى موسى، وخاصة محمد ثروت الذي استطاع في هذا المسلسل الإفلات من قيود الأدوار الكوميدية التي اشتهر بها، وقدم أداء تراجيديا أثر في المشاهدين، فكان دور جلال أبو الوفا هو تذكرة خروجه من سجن الكوميديا.

ملل رغم قصر المسلسل

اعتمد المسلسل على 3 خطوط، الخط الأول هو خط المحبوسين داخل المصعد، والخط الثاني للماضي الذي يشرح تاريخ الشخصيات وأسباب وجودهم في هذه اللحظة داخل هذا المصعد، وسبب التوتر الذي يغلفهم ونظرات الاتهام المتبادلة، أما الخط الأخير فهو يدور في الوقت الحاضر خارج المصعد ومحاولات إصلاحه، والحوارات الغامضة بين أفراد العصابة، ومحاولات “درة” لإنقاذ زوجها المحبوس بالمصعد.

ورغم أن المسلسل 15 حلقة لا غير فإنه لم يستطع الفكاك من فخ لحظات الملل هو الآخر، وللغرابة فإن المشاهد المملة لم تكن داخل المصعد المغلق قليل الأحداث، بل كانت في المشاهد التي تدور خارجه والتي كانت ضعيفة، سواء من الناحية التمثيلية أو الحوارية، فقد أتى تمثيل كل الشخصيات باهتا وغير مؤثر، وعلى رأسهم درة ومصطفى درويش، بالإضافة إلى أن كثرة الغموض أدت إلى إفراغ الحوار من معناه تماما.

سقطة ضخمة للمسلسل تمثلت في السائق المبتذل الذي كان من المفترض أن يوصل أسلاك المصعد للعمارة، فقد أتت مشاهده سخيفة ومفتعلة ومملة للغاية، وكان من الممكن إظهار الفساد واللامبالاة والبيروقراطية بصورة أكثر إمتاعا.

استطاع محمد ثروت الإفلات من قيود الأدوار الكوميدية التي اشتهر بها

فخ التنميط

كذلك وقع المسلسل في فخ تسطيح الصراع بين العلمانية والتشدد الذي لا يتوانى عن فعل أي شيء حتى لو كان التفجير بدون إبداء أسباب حقيقية وراء اختيار هذا المكان تحديدا، خاصة أن “الشيخ” وراء الذي هذا التفجير هو شخص معروف إعلاميا.

كما قدم المسلسل عدة شخصيات نمطية أخرى، مثل الرجل الحكيم الذي لا يفتح فمه إلا لإلقاء موعظة هنا أو هناك، رافضا بيع المكتبة وتحويلها إلى مركز لألعاب البلاي ستيشن، في رمزية لانتهاء عصر الثقافة والقراءة.

إهداء إلى بليغ

يذكر في تتر المسلسل أنه إهداء إلى زمن وموسيقى بليغ حمدي، يظهر هذا بالطبع في شخصية فيلسوف المصعد الذي يظهر من تاريخه الشخصي حبه الشديد لبليغ وموسيقاه، حتى أنه سمى ابنه الوحيد على اسمه، كما أن أسماء الحلقات كانت كلها على أسماء أغاني بليغ.

ولكن الإضافة الحقيقية لذكرى بليغ حمدي في المسلسل كانت الموسيقى التصويرية المأخوذة عن ألحانه، وأغانيه التي رافقت مشاهد بعينها، مثل “أعز الناس” لعبد الحليم حافظ، وأغنية “فات الميعاد” لأم كلثوم.

اختار المخرج كشف كل شخصية لمكنونات قلبها أمام نفسها وأمام الآخرين

نهاية مغايرة

اختلفت بالطبع نهاية الفيلم الأصلية عن النهاية التي قدمها المسلسل، ففي الفيلم قبض على العصابة وأنقذت المطافئ الأفراد المحبوسين، وحاول كل من الحرامي والمتحرش أن يعدلا سلوكهما ولكنهما فشلا في ذلك، ولكن على العكس من ذلك فالمسلسل ينتهي نهاية مأساوية ربما تتناسب مع عصره، فالقنبلة تنفجر على سطح العقار مسببة حريقا يصل إلى لوحة الكهرباء ويفصل المصعد ويسقط سقوطا حرا بلا فرامل.

قد يكون المخرج اختار هذه النهاية لأبطاله بعد أن كشفت كل شخصية مكنونات قلبها وأصبحت عارية أمام نفسها وأمام الآخرين، وكشفت أيضا الحقائق التي حاولوا إخفاءها ومداراتها لوقت طويل، فأصبح من الصعب عليهم العيش بهذه الحقائق أمام هؤلاء الأشخاص وأمام أنفسهم، أو ربما كان السقوط الحر هو سقوط للمجتمع نفسه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى