السيد الجمل يكتب: ذكرياتي مع فانوسي ابو شمعة و المسحراتي

«قُم يا نايم وحد الدايم هتصبح صايم كُلك لقمة وارجع نام »عند سماع هذا الصوت كان يرقص قلبي فرحا ، فقد أعتدت على أن استيقظ من نومي مهرولا نحو فانوسي الزجاجي المزخرش بأبهي الألوان وتتوسطه الشمعة، و كنت اضعه تحت سريري فهو مخزن العابي المفضلة، كنت اتلهف لسماع صوته وابحر في سفينة الضحك عندما اسمع أسمى يتردد على لسانه وكأني ملكت الدنيا بأثرها، واتذكر مشهد المسحراتي الذي يوقظ الناس لتناول طعام السحور في ليالي شهر الصوم، بطبلته الصغيرة التي يحملها في رقبته، وتتدلى إلى صدره أو يحملها بيده ويضرب عليها بعصا خاصة، وهو ينادي صاحب البيت باسمه يدعوه للاستيقاظ من أجل السحورفياله من شعور افتقدته عندما كَبُرت.

و المسحراتي كانت له شعبية كبيرة بين أبناء بلدتي ويتميز بحس الفكاهه والدعابة، وكان يتقاضي أجره من كل بيت يوم عيد الفطر بأن يمر على بيوت القرية ويجمع العيدية فمنهم من يعطيه من حصاد أرضه ومنهم من يعطيه مالا كل حسب مقدرته ولكن على كل بيت بالقرية أن يراضيه، ولكن باتت تلك المهنة منقرضة الان، وذلك للسهر امام الفضائيات والانترنت الذي أفسد كل ماهو جميل في حياتنا، وبدل مكارم الأخلاق الي مكاره الأخلاق.

وأول ظهور لمهنة المسحراتي في مصر كان الوالي عتبة بن إسحاق هو أول من قام بالمسحراتي عام 832 هجرية، حيث كان يسير على قدميه من مدينة الفسطاط حتى مسجد عمرو بن العاص، وكان ينادي ويقول: “يا عباد الله تسحروا فإن في السحور بركة”، ومنذ ذلك الحين أصبحت المهنة تلقى قبولًا عند عامة الناس لكون الوالي أول من عمل بها، وفي عصر المماليك ظهر “ابن نقطة” وهو شيخ طائفة المسحراتية، وكان المسحراتي الخاص بالسلطان الناصر محمد، وطور المسحراتية مهنتهم فقد مارسوا الطرق على الطبلة بالعصا، وكانت الطبلة تسمى “بازة ” وكانوا يطرقون عليها دقات منتظمة قوية ومدوية كافية لإيقاظ شارع بأكمله. ثم تطورت المهنة وظهر المسحراتي وهو يشدو بأشعار شعبية وزجل خاص يمتع السامعين، ويحبب المواطنيين في الاستيقاظ لسماعه وتناول السحور، فهل ستندثر مهنة المسحراتي ويُحرم الجيل القادم من لذة الاستماع لرنة طبلته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى